مراجعة كتاب: «الطريق إلى النبع: الحياة في فلسطين»الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-02-03 04:50:44

د. عمر عثمان جبق

سلطنة عمان- جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، كلية التربية بالرستاق (قسم اللغة الإنجليزية وآدابها)

الكتاب: "الطريق إلى النبع: الحياة و الموت في فلسطين"

المؤلف: بن اهرينريش    Ben Ehrenreich

تاريخ النشر: 14 يونيو 2016

الناشر: Penguin Press

عدد الصفحات: 448 صفحة

الرقم المعياري الدولي للكتاب: 978-1594205903

 

مراجعة لكتاب بن اهرينريش Ben Ehrenreich

أعدها جيم مايلز Jim Miles

الأبحاث العالمية Global Research

15 أغسطس  2016

ترجمها إلى اللغة العربية: عمر عثمان جبق

 

بلدة النبي صالح البلدة الفلسطينية الصغيرة في الضفة الغربية شمال القدس وموطن قبيلة تميم عانت كباقي البلدات الفلسطينية الأخرى من وطأة احتلال القوى العسكرية الإسرائيلية وقرى المستوطنين. يوثق الكاتب بن اهرينريش في كتابه "الطريق إلى النبع: الحياة و الموت في فلسطين" الأشهر العديدة التي قضاها في البلدة والمناطق المحيطة بها. ويأتي العنوان من نبع اسمه "عين القوس" الذي كان مصدر الماء الرئيس لمزارعي البلدة ورعاتها. وكان المستوطنون القريبون من البلدة قد منعوا الوصول إلى النبع، ونتيجة لذلك كان سكان القرية في كل يوم جمعة وبصحبة شهود دوليون يتقدمون باتجاه النبع احتجاجًا على منعهم، ودائمًا ما كانت تواجههم القوات الإسرائيلية العسكرية لحماية المستوطنين. وضمن هذا السيناريو، فإن كتاب "الطريق إلى النبع" يسلط الضوء على تكتيكات وسياسات إخضاع السكان الأصليين لمنطقة ما تحت الاحتلال العسكري واحتلال المستوطنين. يتكلم الكتاب بلغة شعرية أحيانًا، وأحيانًا أخرى يستعمل أوصافًا بسيطة عادية على لسان القرويين أو الفلسطينيين من القطاع الغربي. وفي نفس الوقت، يتحدث الكتاب عن سيناريوهات سياسية في سياق تاريخي محدد في أثناء زيارات الكاتب وتشعبّات المنطقة، ويتحدث أيضًا عن الشعور بالألم والمعاناة، التي يحتملها الفلسطينيون في ظلّ الاحتلال.

من الصعب قراءة هذا الكتاب ليس بسبب اللغة أو السياق، ولكن بسبب المعنى الكلي للقصص الناشئة عن هذه المواجهة بين قوات الاحتلال العسكرية والسكان الأصليين. إن الغضب والإذلال والعذاب والألم الجسدي والمعنوي يولدون جوًّا من الحزن والتعاسة ينشأ منها أمل ضئيل جدًّا تاركين العيش والتحمل فقط؛ فهم لا يعرفون أي مكان آخر يذهبون إليه، وأن الأحوال قد تدهورت كثيرًا خلال مدة بناء المستوطنات الإسرائيلية. بعيدًا عن روايات العنف والتعذيب والسجن والتهديد والإذلال المتوقعة، هناك أيضًا جوانب أخرى يمثلها هذا العمل تمثيلاً قويًّا.

التعاون

يتمثل التعاون المباشر في موقف الفلسطينيين تجاه قادتهم في السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس. ففي صيف عام 2014 حيث كان محمود عباس في المملكة العربية السعودية، دافع عن التنسيق الأمني المستمر للسلطة الفلسطينية مع القوات الإسرائيلية قائلاً: إن ذلك "في مصلحتنا وحماية لنا". و في إحدى المظاهرات ضد الهجوم الأمني في رام الله:

نزلت الحشود إلى مركز الشرطة وهاجمته بالحجارة وقطع الإسمنت وهي تصرخ "خونة!" وتردد "السلطة الفلسطينية عاهرة!".

وكان الإسرائيليون يطلقون النار على المتظاهرين من جهة، والسلطة الفلسطينية تطلق النار على المتظاهرين من جهة أخرى، وكانت القوى الأمنية من كلا الطرفين تتصرف بتناغم ضد خصم مشترك".

وفي خضم أعمال الشغب هذه كانت هناك رسالتان؛ الرسالة الأولى للسلطة الفلسطينية، وهي: أنت ملك لنا، والجميع يعلم ذلك، والرسالة الثانية للشعب الفلسطيني، وهي: قادتكم يأخذون أوامرهم منا.

لم يتم قطع التمويل عن السلطة الفلسطينية. يقول أحد المسؤولين الأمريكيين حسب الاقتباس في جريدة هاريتس اليومي Haaretz:

بقيت قوات الأمن الإسرائيلية في تعاون مستمر مع نظرائها من القوات الفلسطينية .... " ليس من مصلحتنا – و لا مصلحة إسرائيل قطع العلاقات مع حكومة السلطة الفلسطينية هذه وقطع التمويل عنها". ومن المرجح أنه لم يكن هناك سياسة واحدة مكروهة إلى هذه الدرجة كما كان التعاون المستمر للسلطة الفلسطينية مع جيش الاحتلال مكروهًا من قبل الشعب الفلسطيني.

وأوضحت الحرب على غزّة التي تبعت ذلك ليس مباشرة، بل ضمن مجال العنف نفسه أوضحت حالة الكراهية، التي تشجعها الحكومة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني. وشجعت على تلك الكراهية أيضًا البيروقراطية الإسرائيلية، ولكن "لم تكن أي قوة تدفع مثل تلك العمليات البيروقراطية قدمًا عقلانية على الإطلاق. بل كانت قوة مجرمة متأصلة في الخوف والغضب الكامن تحت الأرض في قنوات دفينة سرية لا يأتي أحد على ذكرها متواجدة دائمًا منذ البداية ولكنها الآن تثور".

الإعلام

الإعلام هو موضوع آخر تؤكده هذه القصص، ليس بسبب وجوده ولكن بسبب غيابه. يعد الإعلام الغربي العادي جيدًا جدًّا في تسليط الضوء على الهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين واعتبارها عملاً يقوم به سكان إرهابيون مختلون عقليًّا. ويندر جدًّا سماع أي شيء عن الأعمال الإجرامية المستمرة يوميًّا وأسبوعيًّا وشهريًّا، التي ترتكبها قوات الدفاع الإسرائيلية لقوى الاحتلال في الضفة الغربية، وهي أعمال ضد القانون الدولي وضد ما يمكن اعتباره القانون العام الاعتيادي.

من خلال تسمية كل الفلسطينيين إرهابيين وتصنيفهم جميعًا على أنهم "ثعابين" أو آفات أخرى، فإن هذا "الآخر المشيطن" سيصبح هدفًا منسيًّا للأعمال الوحشية التي يقوم بها  المستوطنون الغربيون؛ وهذا يتوافق مع عمليات البلدان المستوطنة المحتلة كلها. إن هذا القمع والإذلال اليومي لا تنقله وسائل الإعلام العادية مطلقًا؛ ربما لأن ذلك ينعكس للأسف على تواطؤ حكوماتنا مع جرائم الحرب الإسرائيلية، وقبل كل شيء آخر، لا يدعم المصالح الجيو-سياسية والسياسة الخارجية والسياسات الداخلية.

الاقتصاد

سمعت بعض النقاشات حول الاقتصاد الفلسطيني – على الأقل في الضفة الغربية – وعن نجاح هذا الاقتصاد – على الأقل في رام الله. يقدم لنا الكاتب دراسة قصيرة عن عجائب البناء الاقتصادي في رام الله في منطقة تدعى "الروابي". وأوضحت دراسة الكاتب، بالإضافة إلى مشاريع تنموية أخرى في الضفة الغربية، أن "مع أي تطور رئيس في الضفة الغربية، فإن المجموعات والأشخاص نفسها يستمرون في الظهور، الهالة الساحرة نفسها من الارتباطات بين الأعداء المزعومين". ففي الجوهر قوة المال هي التي ترفع بعض النخب من الكوادر فوق البعض الآخر، ترفعها إلى الأعلى "حيث لا يمكن ملاحظة أي تمييز آخر".

الاحتلال

ويبقى الاحتلال العسكري والمستوطنات مركزًا للقصص والأحداث في كتاب "الطريق إلى النبع". ومصادرة الأراضي وإبعاد الناس عن أوطانها هو الجانب المرئي للاحتلال. ولكن بالمجمل من خلال نقاط تفتيشه وجدرانه وسجونه ورخصه، فإن هذا الاحتلال يعمل كماكينة إذلال عملاقة ... آلية معقدة ودقيقة لإنتاج اليأس البشري .... كانت الأرض مهمة للجميع، ولكن بالرغم من كل الأناشيد والشعارات الوطنية فإن القتال الأصعب كان النضال من أجل الوقوف فقط وعدم الانكسار.

 ومن خلال العمل خلف ستار الإعلام العادي، ومن خلال أحداث أخرى في المنطقة تغطي عليها، ومن خلال تجاهل معظم الغربيين الذين يستمتعون بمشهد آخر مختلق أو لعبة أخرى لتشتيت أفكارهم – إراديًّا – عن دراسة أهمية الأحداث في إسرائيل أو الشرق الأوسط الأكبر دراسة جدية، فإن الاحتلال يستمر في تدميره المؤلم البطيء للأرض الفلسطينية والثقافة الفلسطينية ومعنويات الشعب الفلسطيني.

إن "الطريق إلى النبع" عمل معبر بقوة؛ فهو كتاب ينبغي أن يكون في صدارة العروض الموجهة للمواطنين في الغرب؛ ربما ليضايقهم لأن السرد التاريخي البسيط للأحداث أو المناقشات القانونية المزورة والمشوهة  قد لا تفعل ذلك.

 

المصدر الأصلي لهذه المقال هو الأبحاث العالمية Global Research

حقوق النشر: Copyright © Jim Miles, Global Research, 2016

رابط المراجعة الإنجليزية:

http://www.globalresearch.ca/the-way-to-the-spring-life-and-death-in-palestine/5541073


عدد القراء: 5904

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-