مراجعة كتاب: البلد المحترق .. السوريون في الثورة والحربالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-05-11 21:25:32

د. عمر عثمان جبق

سلطنة عمان- جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، كلية التربية بالرستاق (قسم اللغة الإنجليزية وآدابها)

الكتاب: "البلد المحترق السوريون في الثورة والحرب"

المؤلف: روبن ياسين كسّاب وليلى الشامي

تاريخ النشر: ونيو 2016

الناشر: Pluto Press

عدد الصفحات: 280 صفحة

الرقم المعياري الدولي للكتاب:  9780745336220

 

وسيم العادل  Wassim Al-Adel

ترجمها إلى اللغة العربية: عمر عثمان جبق

 

عندما يتعلق الموضوع بسوريا، فإن المثل القديم القائل "لا يوجد وقت كالوقت الحاضر" ينطبق عليها للأسف؛ إذ وبينما تخيم الهدنة الهشة على بقايا هذه البلد الممزقة، فإن كلاًّ من روبين ياسين كساب وليلى الشامي يقدمان لنا سردًا مؤلمًا جاء في حينه للناس، الذين شكلوا أحداث السنوات القليلة الماضية. ولم تكن هذه مهمة سهلة على الإطلاق؛ إذ ليس هناك بلد عربي آخر تأثر بالربيع العربي الذي انطلق عام 2011، وتسبب في جدل مرير جدًّا وانقسام حاد جدًّا في كل أرجاء المعمورة كما فعلت سوريا؛ فقد انحاز المقاتلون وعمّال الإغاثة والصحفيون وسواح الحروب امتدادًا من الحوض الكاريبي إلى اليابان، ومن لوس أنجلوس إلى موسكو إلى طرف ما في هذا الصراع، إن كان على علم منهم أو خلاف ذلك، والتقوا في هذا البلد الصغير المجهول نسبيًّا، ليشاركوا في صراع يعدّه الكثيرون "عصيًّا" جدًّا أو مأساويًّا جدًّا على الاستيعاب والفهم. ومع ذلك فإن ياسين كساب وليلى الشامي قاما بعمل رائع، حيث قدّما سردًا إنسانيًّا عميقًا يمكن قراءته وفهمه فهمًا يسيرًا، يروي كيف يرى السوريون أنفسهم الثورة وتبعاتها.

يتألف الكتاب من اثني عشر فصلاً وخاتمة، ولا يفترض الكتاب وجود أي معرفة مسبقة عن سوريا أو الثورة السورية. وكما هي حال العديد من الكتب عن هذا البلد، يبدأ الكتاب بسرد مقتطفات عن ماضي هذا البلد، ويتابع باتجاه الحاضر المؤلم، حيث تتوالى الأحداث، وتتجلى رويدًا رويدًا، و كأنك أمام حادث سيارة بالحركة البطيئة.

مع أن سوريا أرض قديمة، إلا أنها بلد حديث بمقاييس عديدة، فكاهل سكانها الشباب مثقل بعبء تاريخ، يكافحون من أجل فهمه، مع أنه يتوجب عليهم التصالح معه. ما لا يشرحه الكتاب هو تحليل الشبكة الغامضة للأحزاب والتحالفات العسكرية العاملة في البلد. وعندما يتم ذكرها يكون الغرض توضيح علاقتها بالثورة من وجهة نظر مدنية فقط؛ فهو كتاب عن شعب في وقت الثورة.

القول إن الثورة السورية هي نتاج حكم نظام الأسد هو تقليل للواقع؛ وهنا يقوم المؤلفان بعمل رائع من خلال مسح العقد الرئيسي المفضي لثورة 2011 حيث كان نظام بشار الأسد خلال هذا العقد يحرر اقتصاد البلد، ويقتطع أجزاء كبيرة من هذا الاقتصاد لعائلته وشركائه. لم يكن أحد يتوقع اندلاع ثورة في سوريا عام 2011 بمن في ذلك السوريون أنفسهم. في الواقع كان الأسد واثقًا جدًّا من تجنبه الاضطرابات التي كانت تواجه الدكتاتوريين العرب الآخرين، حيث إنه أخبر صحافيًّا ألمانيًّا قبل عدة أسابيع من أول احتجاجات بأن حكمه سليم بفضل مواقف سياسته الخارجية المزعومة المعادية للإمبريالية.

وخلال أسابيع تحولت الاحتجاجات البطيئة في ربيع عام 2011 إلى طوفان عارم. لم يتوقع أحد انفجار الروح الجماعية والنشاط الجماعي اللذان اندلعا والذي كان الشباب العنصر البارز والمهيمن فيهما. واكتشف السوريون، كبيرهم وصغيرهم، أنّ لهم صوتًا، وبدأوا ينتظمون فيما أصبح يُعرف لاحقًا  باسم "التنسيقيات المحلية".

واليوم من السهل أن تكون ساخرًا بين آلاف الجماعات المتقاتلة، وتتظاهر بعدم وجود خيار سياسي بديل لنظام الأسد. ولكن هنا يقوم كل من ياسين كساب وليلى الشامي بتذكيرنا بالشباب والشابات الذين حطّموا كل الحواجز الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وحواجز الجنسين في سبيل إيجاد سوريا الجديدة. ويخبرنا المؤلفان عن أناس ملهمين أمثال ياسين حاج صالح ورزان زيتونة وعمر عزيز ذاك الرجل البارز واسع الاطلاع الذي لعب دورًا مؤثرًا في تشكيل التنسيقيات المحلية قبل أن يقضي في سجون نظام الأسد.

لربما كان الناس الذين ألهبت الاحتجاجات ضد حكم الأسد الوحشي مخليتهم واستيائهم سذّجًا قليلاً ومقدرًا عليهم الفشل، إلا أنهم دقّوا إسفينًا مهمًّا جدًّا جعل حكم النظام لسوريا مستحيلاً بالطريقة التي حكم بها سوريا منذ عام 1970.

إن الصورة التي يقدمها لنا المؤلفان عن هؤلاء الناس هي صورة مثالية لشباب خذلهم وتجاهلهم العالم؛ شباب ضعفاء لكنهم شجعان، قادرون على إظهار الإيثار المذهل بالرغم من كل الظروف القاهرة. يقدم لنا المؤلفان نشطاء شبان أحبوا المثل والقيم التي كان العالم يوليها اهتمامًا قليلاً فقط، وعاشوا تلك المثل ودافعوا عنها. فسوريا التي يظهرها لنا المؤلفان ليست جنة الجهاديين الكاريكاتورية التي تحاصرها الجماعات المسلحة، والتي يريدنا معظم المحللين السياسيين أن نصدقها (مع أن هذا مهم!).

إن الفصل الذي يتطرق إلى ظهور الحركات الإسلامية فصل يفطر القلب ويخبرنا كيف يرى السوريون العاديون هذه الظاهرة بشيء من التفصيل؛ إذ يقدم لنا هذا الفصل فرصة لمعرفة الحوارات التي كان النشطاء والثوريون السوريون يقيمونها، تلك الحوارات التي يتواصل طرحها ضمن الأركان العديدة للمعارضة السورية حول دور الدين في الثورة والدولة والجنس ومعاملة السجناء وقواعد الحرب وحتى حول ما إذا كان قد ينبغي تحول الثورة إلى ثورة مسلحة أم لا.

يتم رسم المعارضة "الرسمية"، في تعدد أحزابها وتوجهاتها، رسمًا مستحقًّا في لون غير محبّذ نوعًا ما، وقصتها قصة غباء وتفاهة وتخطيط ضيق الأفق في وجه نظام متيقظ بلا رحمة.

ومن الملاحظ أن الكتاب يعالج قضية الطائفية بكل صراحة وشفافية. فبالنسبة لبلد كسوريا حيث الطائفية كانت تتعاظم وتنمو تحت السطح، ويتم تجاهلها بصمت، فربما كان حتميًّا أن أي ثورة كانت لتدفع بهذه التوترات إلى السطح. وهنا فإن المؤلفين ياسين الكساب وليلى الشامي يعانيان في إظهار أن العلويين كأقلية لربما أيدوا نظام الأسد – في الغالب بدافع الخوف منه -  إلا أن أقلية مهمة جدًّا من هذه الأقلية (العلوية) خرجت عن صمتها، وتكلمت لصالح الثورة منذ أيامها الأولى. فقد كانت الممثلة فدوى سليمان ونشطاء آخرون في المدن السورية كاللاذقية مؤثرين وفاعلين في بناء العلاقات بين المجتمعات لتخفيف المخاوف في وجه استفزاز "الشبيحة".

يظهر المؤلفان أن الثورة السورية لديها ألف أمّ تمامًا كالبلد التي أنجبتها بالإضافة إلى تنوع نسيجها من كل الأطياف والظلال؛ فهي القلب الحقيقي النابض لسوريا التي كانت خاملة لفترة طويلة في ظل حكم نظام الأسد، وتعرّضت إلى العالم في كل تناقضاته المعهودة. إن تجاهل الثورة كليًّا ودفنها ومن ثم نسيانها وسط تنافر وسائل الإعلام على حساب الحركات الإسلامية المتطرفة والحرب الأهلية هو دليل على افتقار العالم للمخيلة والفهم أكثر من افتقار الشعب السوري نفسه للإبداع.

لقد تم التضحية بزهرة الشباب السوري، مع أن الخطأ ليس خطأهم، إن كان على مذبح الثورة أو غرقًا في البحر الأبيض المتوسط في أثناء محاولتهم اليائسة للهرب من منطقة القتل التي تحول إليها بلدهم. بينما يقبع الآخرون في المنفى بعد أن فقدوا كل أمل في العودة في الوقت الذي يعصر المجتمع الدولي يديه، ويتردد في وجه الدعم الهائل الذي يتلقاه الأسد من حلفائه الروس والإيرانيين.

إن كتاب البلد المحترق ليس مجرد قصة عن الثورة السورية كما رآها السوريين، بل هو شهادة لجهود جيل من السوريين وأحلامه في فترة فريدة من تاريخ هذه المنطقة.


عدد القراء: 7569

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 4

  • بواسطة د. عمر عثمان جبق من المملكة العربية السعودية
    بتاريخ 2018-10-02 14:18:01

    السلام عليكم ... نشر ما نعلم أمانة و واجب علينا. بالتوفيق إن شاء الله للجميع و قراءة مفيدة بإذن الله.

  • بواسطة دينا درويش من
    بتاريخ 2018-09-21 20:36:08

    نشكركم على توفير نسخة من هذا الكتاب الفريد

  • بواسطة عمر عثمان جبق من المملكة العربية السعودية
    بتاريخ 2017-05-20 22:10:32

    السلام عليكم و رحمة الله، الرابط في الأسفل يحوي نسخة إلكترونية من الكتاب الأصل: https://archive.org/stream/RobinYassinKassabLeilaAlShamiBurningCountrySyriansInRevolutionAndWar./Robin%20Yassin-Kassab,%20Leila%20Al-Shami%20Burning%20Country%20Syrians%20in%20Revolution%20and%20War._djvu.txt بالتوفيق

  • بواسطة Firas من الإمارات العربية المتحدة
    بتاريخ 2017-05-20 16:31:47

    كيف يمكنني تنزيل هذا الكتاب لقراءته

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-