جائزة القلم الذهبيالباب: مقالات الكتاب
د. أمير تاج السر كاتب وروائي سوداني |
منذ فترة قليلة، أعلن تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه في المملكة العربية السعودية، عن جائزة كبرى للرواية، أسماها جائزة القلم الذهبي، وتمنح لعدة فروع في الرواية منها الرواية التاريخية ورواية الفنتازيا. وعين لها مجلسًا استشاريًا ضم أسماء يمكن الاعتماد عليها في نشاطات عدة، منها بالطبع مسألة الكتابة الروائية، ومسألة السيناريو، لأن الروايات الفائزة ستحول إلى أعمال سينمائية.
الأمر بدا مفاجئًا للبعض، لأن تركي كان مهتمًا بالفن، وأنتج فيه كثيرًا، واستضافت المملكة مهرجانات فنية وغنائية متعددة، وكلها بعيدة عن أدب الرواية الذي ينتج عادة في صمت، وتقام له ندوات ومؤتمرات هنا وهناك، وأيضًا أنشئت له جوائز في الآونة الأخيرة. وبات إنتاج الرواية في الوطن العربي، بسبب تلك الجوائز، والحلم بها لدى الكتاب القدامى والجدد على حد سواء، أكثر أنواع الكتابة الإبداعية انتشارًا، وصار من الطبيعي جدًا، أن تجد في الأسرة الواحدة روائيين عدة، ويمكن أن تكون روائيًا، ويكون أبوك أيضًا روائيًا، وأعرف أسرة فيها ولد في المرحلة الإعدادية يكتب رواية.
وفي الورش التي أعقدها من حين لآخر، للحديث عن أبجديات الكتابة الروائية، أفاجأ بأجداد في السبعين، وأيضًا أطفال مراهقين، يأتون ممتلئين بالأمل في العثور على مداخل يسلكونها لكتابة الرواية.
كل هذا ليس سيئًا بالتأكيد، والكتابة بالرغم من الأضرار التي قد تلحق بها بسبب الخطوات الكثيرة التي تسير فيها، ليست حكرًا على موهوبين فقط، هناك أشخاص غير موهوبين، يستطيعون إنجاز شيء أيضًا، لو امتلكوا شغفًا مناسبًا يمكن استخدامه.
إذن لن نلوم الجوائز برغم ما قد تكون سببته من زحام وترهل، وشخصيًا اعتدت الترحيب بأي جائزة جديدة في الأدب، سواء إن كان رواية أو شعرًا أو قصة قصيرة. وأذكر أنني رحبت بجائزة كتارا حين انطلقت عام 2015 وأصبحت الآن جائزة راسخة، وأيضًا رحبت بجائزة غسان كنفاني في فلسطين، وشاركت في التحكيم في الدورة الأولى، وكان مفاجئًا لي أن أسماء مكرسة، قدمت فيها. وأظنها الجائزة الوحيدة التي لم تتعرض لهجوم من هنا وهناك، كما يحدث كلما ظهرت جائزة جديدة، ذلك أن وجودها ارتبط بقضية تهمنا كلنا، وبكاتب لا يختلف عليه اثنان من ناحية جودة ما قدمه في حياته القصيرة، والخلود الذي لازم سيرته، ولا أظنه لازم سيرة كاتب روائي آخر في المنطقة، مع وجود أدباء فلسطينيين كبار مثل إميل حبيبي.
أيضًا جائزة البوكر، أو الجائزة العالمية للرواية العربية، لم تسلم من الكلام الكثير، والثرثرة حول أصلها وفصلها وجديتها، وتجد رغم ذلك في كل عام، مئات يقدمون لها من أجل الشهرة وما تقدمه من جوائز مالية أعتقد قد تنفع في شيء في هذه الأيام الصعبة، إن فاز بها أحد، أو حتى وصل إلى قوائمها القصيرة.
هناك جوائز محلية في بلاد كثيرة، وهذه أيضًا يطرقها أهل البلاد الذين تهمهم حتى لو كانوا ينتقدونها، وذلك للسبب نفسه الذي ذكرته من الحاجة للمال، وسكة الإبداع عموما كما ذكرت عشرات المرات، ليست سكة ربح بأي حال من الأحوال، والجوائز إن حدث وحصل عليها أحد، ترفع المعنويات كثيرًا، وتسد بعض الحاجات.
جائزة القلم الذهبي، هوجمت من أول إعلان لها، وبعد تكوين لجنتها الاستشارية، وكتب كثيرون مستهزئين بها، واعتبروها جائزة مالية فقط لا غير، سيحصل عليها البعض هكذا بلا إنتاج.
طبعًا هذا شيء يدعو للأسف، فبدلاً من الترحيب بجائزة كبرى مثل هذه، يتم الكتابة ضدها منذ البداية، ولا أدري ما سبب مهاجمة كل فعل حيوي جديد، في المجالات الإبداعية؟ لكن هذه عادة لدى البعض كما يبدو، والأسلم أن نفرح بجوائز الأدب الكبرى، وندعمها في زمن كما قلت لا يهتم أحد بالأدب كثيرًا، ولا يستطيع المبدع أن يعيش مبدعًا فقط، من دون وظيفة يقتات منها. وأذكر في بداياتي أن عاصرت أشخاصًا من جيلي، كنا نجلس في المقاهي في وسط القاهرة، كنت طالبًا في نهاية دراستي، وكانوا لا يعملون ويجدون في العمل عيبًا كبيرًا، ودائمًا ما أسمع أن المبدع ليس موظفًا عند أحد ولا ينبغي أن يكون موظفًا، يرأسه موظف.
هذا تضخيم للفعل الإبداعي، فلا شيء يستطيع إعالة الإبداع مثل الوظيفة الثابتة التي ينبغي أن يحصل عليها المبدع، وإن تفرغ للكتابة، فلا بد من دخل ما، يسند هذا التفرغ.
أعود لجائزة القلم الذهبي، إنها جائزة حقيقية، ومتنوعة، لم تقل للرواية فقط، ولكن فصلت أنواع الروايات حتى، وبات من الممكن للكتاب الذين يبدعون في مجالات الرواية المختلفة أن يشاركوا في التقديم لها. ولا بد أن يفوز البعض طبعًا، ويخسر البعض، كما هي عادة المسابقات، ولا بأس من المثابرة للذين يكتبون بجديدة واجتهاد.
الشيء الذي أريد ذكره هنا، إن كثيرًا من مهاجمي الجائزة، خاصة لو كانوا كتاب رواية، لن يجلسوا مكتوفي الأيدي، أو معصوبي العيون ليطالعوا نتائجها، معظم الناس سيقدمون فيها، هذا أكيد، ولعلي أستعيد تجربة كتارا التي هاجمها البعض بشراسة حين ظهرت، ثم قدموا رواياتهم لها وبعضهم فاز.
لا نمل من استقبال الجوائز بالترحاب، إنها التعويض الأمثل للكتابة المستمرة الجادة بلا حافز طوال العمر، في حالة أن فاز بها أحد ما.
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- أدوات الكتابة ومتغيراتها
- الأوطان ملح الكتابة
- الأفكار وسطوتها
- أساليب القراءة وصناعة الآراء
- كتابة الشر روائيًا
- الكتابة والإيهام
- الجوائز الأدبية.. من يمنحها؟
- صناعة الرواية والسينما
- المعرفة والمعرفة المعلبة
- المرح لغة عالمية
- القراءة المغشوشة
- كتب المبدعين
- كيف يكتبون؟
- كتابة الحقائق
- كتابة الرواية والسيرة
- قصص عن التحولات
- «كيندل» عربي
- حجم الروايات
- الأعمال العظيمة وقراؤها
- وجه التاريخ
- المدن في الروايات
- كورونا ورواية الوباء
- كتب وكُتّاب
- حمرة العين
- ما لا تقوله السيرة العربية
- أصوات الكتابة
- أفكار مستهلكة
- مكتبات البيوت وهباتها
- المعرفة والمعرفة الزائدة
- هوية الأدب العربي
- صلاحية النصوص الإبداعية
- معتزلات الكتابة
- هوس القراءة
- الشريك الأدبي
- جائزة القلم الذهبي
اكتب تعليقك