سفيتلانا أليكسيفيتش: الحرية درب طويل وشاقالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-02-15 07:43:42

د. سعيد بوخليط

مراكش - المغرب

حاورها: جولي كلاريني وبينوا فيتكين*

ترجمة: د. سعيد بوخليط

 

تقديم: الكاتبة البيلوروسية سفيتلانا أليكسيفيتش، الفائزة بنوبل للآداب سنة 2015، تسبر بلا كلل أعماق الروح الروسية، ابتداء من حقبة الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى حقبة فلاديمير بوتين. تتويجها يوم8 أكتوبر، يعني أن الأكاديمية السويدية، كرست مشروعًا يستكشف الآثار المتوارية داخل الوعي، تبعًا للكوارث الكبرى التي تعود للعهد السوفياتي (الحرب العالمية الثانية، الحرب في أفغانستان، تشرنوبيل، تفكك الاتحاد السوفياتي).

استغلت جريدة لوموند مناسبة عبورها من باريس، كي تحاورها  بخصوص طريقتها في الكتابة، وأساس عملها، ثم حمولته الميتافيزيقية. توجه سفيتلانا أليكسيفيتش، انتقادًا شديد اللهجة للسياسة التي يتبناها فلاديمير بوتين، وترصد مظاهر الحنين إلى الحقبة السوفياتية المهيمنة في روسيا، ثم خيبات الأمل المتعلقة بالانتقال الديمقراطي، وكذا البعد القومي الجديد، الذي فرضه الرئيس الروسي.

ستذهبون شهر ديسمبر إلى ستوكهولم، لتسلم جائزة نوبل في الآداب. هل، لديكم مسبقًا فكرة عن الخطاب، الذي ستلقونه هناك ؟ ثم ماذا أحدث هذا الاستحقاق من تغير، بالنسبة لكم؟.

- أنا بصدد التفكير في الموضوع، أتطلع نحو إلقاء خطاب، يمزج بين التأملات الفلسفية والأدبية، والحديث عن الكائن الإنساني واليوتوبيا ثم الفن وما يخلقه من إمكانيات .أيضًا، أود استحضار، مساري الخاص. في جميع الأحوال، هذه الجائزة، لن تغير شيئًا، فيما يتعلق بأسلوب عملي. غير، أن الأمر يختلف من الناحية الاجتماعية، فقد أضحى لدي وضعًا آخر .لقد بعثت على سبيل الذكر، برسائل تضامن إلى "أوليج نافلني"Navalny (أخ المعارض الروسي أليكسي نافلني، المعتقل بسبب جنحة مالية) وكذا "نادية سافتشينكو''Savtchenko (مناضلة أوكرانية،حكم عليها في روسيا بتهمة جريمة قتل) .أشير إلى هذا، ونحن نعيش تحت رحمة نظام أوتوقراطي، بحيث لا يمكنك امتلاك كثير من الخيارات. قد تحصل على ثلاثة جوائز نوبل، ثم لا يصير بعد وضعك مهمًّا، كي يتم الاستماع إليك. 

لقد صرحتم ''أنا لست امرأة المتاريس". هل توخت لجنة نوبل الدفع بكم، دون رغبة منكم إلى هذا الدور؟. 

- لا. أعتقد ما أثار اهتمام اللجنة، هو الجانب الأدبي، وكذا مشروعي، المنصب على دراسة: "الإنسان الأحمر". الإنسان السوفياتي، منذ تبلوره وحتى أفوله. نتمنى رحيله، لكنه ذهب وهو يصفق الباب، محدثًا شيئًا من الرعب. سؤالي الجوهري: ما الذي تراكم خلال الحقبة السوفياتية، في عمق الشعب، وماذا سيفرز ذلك؟ مع تسيد الرأسمالية المتوحشة، والبؤس المهيمن، يصعب التنبؤ بما سيحدث: ثورة شعبية أو قومية قوية جدًّا. لقد لاحظت، بعد أسفاري إلى أماكن عدة في بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا وكازاخستان، أن الناس صاروا أكثر عدوانية. 

يقول بعض الكتاب: إن كل إصدار يزيح سابقه، بينما أنتم تقدمون شعورًا معاكسًا، مفاده أن كل كتاب يمثل لبنة، ولديكم تصور قبلي، عن البناء الذي أنتم بصدد، إقامة أسسه؟.

- لدي الانطباع، بأني لا أنجز سوى مؤلفًا واحدًا، يروي تاريخ الروح الروسية والسوفياتية. حينما باشرت سنة 1978، ما سيشكل بعد ذلك، عملي الأول: ليس للحرب وجه امرأة. كنت في الثلاثين من عمري، وقد امتلكت منذئذ حدسًا أوليًّا. لقد تبينت الأمر، حين تجميعي لشهادات عدد من النساء، حول الحرب العالمية الثانية، حيث لا زالت وقتها الأيديولوجيا السوفياتية متماسكة جدًا. فضلاً عن ذلك، تحقق الانتصار الروسي، مرده إلى صلابة هذا المثال الأعلى. لكن، حينما ذهبت إلى أفغانستان، سنوات قليلة بعد ذلك، وحاورت الناس هناك، اكتشفت تصدعًا لهذا المثال الأعلى، فأدركت، أن هذه الكتب ستشكل إذن مجموعًا. ثم سنة 1992، وبالضبط عقب البيريسترويكا، كنت شاهدة عيان بخصوص موجة الانتحارات (البيريسترويكا، قامت بها طبقة رفيعة من المثقفين، بينما كان الشعب تائهًا)، مما أوحى إليَّ بكتابة: فتنتهم الموت .الذي كان خطوة أولى لعملي الآخر :نهاية الإنسان الأحمر(2013). هنا توضحت لدي نهائيًّا، صيغة مخطط "الإنسان الأحمر"، من ولادته حتى أفوله. أعتبر الآن، أن هذه الدورة حول اليوتوبيا، قد انتهت. فالكتابة حول ما يجري حاليًا تحت حكم بوتين، لن يتجاوز إطار العمل الصحافي الخالص، نظرًا لانعدام مساحة التأمل الجوهرية. أعرف، بأني أريد حاليًا التكلم عن الحب والموت. حتمًا، دون ميلودراما. ثم مواصلة البحث في معاصري .لماذا نصبوا إلى السعادة، ثم نعجز عن تحقيقها؟ ربما هي ليست بحالة عامة، لكني سأهتم بالمتغير الروسي! .

كيف تتأتى إليكم قيمة الكلام، وما الذي يضفي قيمة على نصوصكم؟.

- أسجل كل شيء، لأنه حينما نعاود الكتابة ثانية بالقلم، نضيّع الفوارق. يجب تناول عمق الأفراد، وليس مجرد كلماتهم. في كتابي "تضرّع" الذي تطرقت من خلاله إلى حادثة تشيرنوبل، فقد تحاورت مع خمس مئة شخص، لكني لم أحتفظ إلا بمئة. بالنسبة للشهادات الطويلة، أسعى للقاء الشخص عشرات المرات. أحاول بداية، التخلص قدر الإمكان، من المبتذل. يهمني أساسًا، تلك التفاصيل الصغيرة، التي لا نطرح دائمًا حولها أسئلة. بصفة عامة، يفتقد الحوار الأول للمادية .تلك التي نقرؤها في الصحف: الحسي غائب تمامًا كتفاصيل الأحاسيس. أنا أبحث مع الناس، عن المعنى العميق لما عاشوه. أحيانًا، قد لا يظهر ذلك، إلا بعد مرور ثلاث أو أربع سنوات على تسجيل ما .ثم، تأتي أهمية اختيار عنوان الكتاب، بحيث عندما أستلهم عنوانًا، أعلم بالضبط عن ماذا سيتحدث، فأجد له إيقاعه. ستصل ربما اللحظة، التي نتكلم فيها عن علاقات الإنسان بالعالم والحيوانات والكون .لكن العالَم الروسي، لا يزال بعد بربريًّا، وسؤال العلاقة بين البشر، تبقى أولية ولها الصدارة .آنيا، كثيرة هي القضايا، التي تجد حسمها النهائي بالقتل. منذ ثلاثين سنة، وأنا منكبّة على قضايا مرعبة، وأحاول فهم معناها.

هل يمكن التحدث عن حمولة ميتافيزيقية، في عملكم؟

- هي الأهم، وإلا فلن يتجاوز الأمر نطاق الكتابة الصحافية. أضع الأفراد أمام ورطة: من هم؟ ماذا يصنعون؟ ويلزمهم الإجابة على هذه الأسئلة.

يبدو أن النساء، لعبن دورًا مهمًا، في بناء كتبكم؟

-أتذكر، وأنا صغيرة، حوارات بين نساء داخل المطبخ، ولا زلت حتى اللحظة أسمع تردد الصوت المعشوق لجدتي الأوكرانية. نعم، يشغل الحكي النسائي، حيزًا مهمًّا في خيالي. أجد صعوبة، كي أتموقع في الفضاء الذكوري. بوسع النسوة التكلم في المطابخ عن الحرب، لكن بطريقة مختلفة جدًّا. أذكر، حين اشتغالي على كتابي: ليس للحرب وجه امرأة، أني التقيت زوجين لهما ذكريات على قدر من التباين، سيندهش كل واحد منهما حول ما يرويه الثاني بصدده. أما فيما يتعلق بحبهما، فالزوجة بقيت تتذكر كل شيء، أما زوجها فلا شيء.

هل يميل الروس إلى الاعتراف؟

- نعم، يمنحك الروس، إمكانية النفاذ إليهم، بشكل سهل جدًّا. ربما، يعود هذا إلى الحياة السوفياتية، ويتصل بحياتهم الجماعية. حكاياتهم حميمية، لكنها في المقابل، تفتقد دائمًا لبعد شهواني. ومن ثم، عندما نتكلم عن الحب في الأدب الروسي، سيأخذ المفهوم منحى خاصًّا جدًّا: الجسد غائب تمامًا، بل لا وجود حتى لهذه الكلمة. غالبًا، الحب الروسي، هو امرأة تنتظر رجلاً، سيعود في حالة سيئة، من الحرب أو السجن أو تشرنوبيل. دائمًا، يجسد حب المرأة تضحية. مثلاً، في كتابي: تضرّع. تزور امرأة زوجها في المستشفى، الذي تعرض لنشاط إشعاعي، وبرغم حواجز الواقيات والستائر، الفاصلة بينهما، اقتربت منه، وتناولت تفاحة من يده. بعد مدة، أنجبت مولودة صغيرة، مشوهة الخلقة، لفظت أنفاسها، خلال أيام.

ماهي علاقتكم بالدين؟ وكيف تنظرون إلى استحواذه على المشهد الحالي؟

- انبعاث المعطى الديني، يشعرني بالخوف. صارت الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية، عاملاً للتسلط والضبط، تربي عبيدًا. لقد سمعنا، مؤخرًا تصريحًا، للناطق باسمها، يقول: "لحسن الحظ، أننا تركنا خلفنا سنوات الرخاء، لأنها تؤدي إلى تحريف النفوس عن التضحية". بالموازاة، سيتباهى البطريرك بساعاته الجميلة وسياراته. فعندما أسافر على امتداد روسيا، ألاحظ كثيرًا من الكنائس الخورانية، يقابله تراجع لاستقلال فكر الرهبان، بحيث تنحّت جانبًا الشخصيات القوية.فيما يخصني، لقد عملت جدتي على تعميدي دون علم أبي، صاحب العقيدة الشيوعية. أملك حسًّا إيمانيًّا،لكن على طريقة الفنانين :حينما أرى حديقة جميلة، يثيرني المشهد. غير أني اخترت ببداهة،وجهة الكنيسة، عندما توفيت أختي الصغيرة.

تتكلمون عن ''العالَم الروسي"، هو ذات التعبير المستعمل من طرف فلاديمير بوتين، حين توخيه تحديد الفضاء الناطق بالروسية، الذي يقتضي منه مسؤولية .أنتم، باعتباركم كاتبة بيلوروسية باللغة الروسية، هل تقرون بهذا المفهوم؟

- أنحدر من ثلاثة أصول: أوكرانية وبيلوروسية ثم الثقافة الروسية. بغير الثقافة والفلسفة الروسيتين، لم يكن بمقدوري الانتهاء إلى تحقيق وضعي الحالي، أو التمكن من إنجاز عملي: تضرّع. عالمي الروسي، مغاير لما يتصوره بوتين، إنه عالَم، شوستاكوفيتش وديستويفسكي وتشيخوف وروستروبوفيتش وأليكساندر إيرزين… فيما يتعلق بالعالَم الروسي، الذي أتطلع إليه، فيمر عبر دعم متزايد لأوكرانيا من طرف الغربيين .سيمثل نجاح أوكرانيا وتحولها، أبلغ جواب ضد خطابات بوتين. لقد اعتبرت دائمًا، أن الحرب في ''دونباس''، مثلت عدوانًا عسكريًّا ضد أوكرانيا واحتلالاً. بالتأكيد، يشكل شخص بوتين، أصل كل حرب أهلية في المنطقة .يمكن، الإتيان إلى بيلاروسيا بخمس شاحنات ممتلئة بالكلاشينكوف، ثم يتكرر السيناريو نفسه: نصادف دائمًا أشخاصًا مستعدين لإطلاق النار .حالة منطقة "كريمي''، هي أكثر تعقيدًا، أعرف أشخاصًا أذرفوا الدموع سعادة، حينما سمعوا خبر ضمها. لكن لمعرفة ما يفكر فيه الشعب حقًّا، يلزم إجراء انتخابات حرة. ببساطة، اجتاح الروس الإقليم، واستولوا عليه.

الإحالة على الحرب العالمية الثانية، تحضر أيضًا بقوة في الخطاب الرسمي الروسي، على ضوء هذا النزاع؟

- تعد الحرب العالمية الثانية، الثراء الوحيد المتبقي للسلطة الروسية الحالية، ورأسمالها المطلق. حينما، أعلنت فائزة بنوبل، أسرعت الصحافة الروسية إلى نعتي بالمعادية للروس، ووصلي بفئة (القوميين الأوكرانيين الذين حاربوا إلى جانب النازيين). حينما كنت في أفغانستان، وقد مرت الآن أربعة وثلاثون سنة، سمعت وقتها كل هذه الإحالات على سنة1941، وكذا دورنا التحريري، لكن فيما بعد لاحظت مستوى كره الروسيين هناك، فشكلت الواقعة صدمة.

هل توجد إيديولوجية "بوتينية"Poutinisme؟. 

- سنة 1991، استيقظ الشعب على بلد جديد وغير مفهوم، ثم صمت. عندما أغلقت المصانع أبوابها، ولم يعد يجد الأفراد ما يأكلونه، سوى البطاطس، شرعوا يظهرون استياء نحو''الديمقراطيين الليبراليين" .بعد عشرين سنة من الصمت، تبوأ بوتين السلطة، معلنًا بقوله: "وحدهما الجيش والأسطول، أصدقاؤنا''، فخصص مختلف عائدات البترول والغاز، للجيش، ولم يصرح بأي كلمة يعلن من خلالها اعتزازه بديمقراطية ما، بل تكلم فقط عن روسيا الكبرى والاحترام الذي يكنه لها…، خلال حقبة يلتسين، قلنا دائما أننا نحتاج إلى ''فكرة قومية''، بهدف تمتين البلد والمجتمع، وها هو بوتين يعثر عليها، فأثار إعجاب الشعب. أما، نحن الأنتلجانسيا المعدودة ، بدأ ينتابنا شعور بالخوف .انتظرنا، شيئًا آخر، وليس مجرد شعارات وإعادة توزيع البترول، على الأوليغارشيات، وكذا أصدقاء بوتين.

منطلق هذا الخطاب، فكرة أن الغربيين ''احتقروا''روسيا طيلة خمس وعشرين سنة، ألا تتبنون هذا الطرح؟.

- بهذا الخصوص، نقف على جانب من الصواب .لقد، سبق لحلف شمال الأطلسي، أن وعد غورباتشوف، بعدم إقامته لصواريخ بجوار روسيا. لكن، عندما شعر الغرب بانتصاره، أقدم على ارتكاب أخطاء متعددة .إحساس الروس بالإهانة قائم حقًّا… . حاليًا، يفسرون لهم عبر التلفيزيون، أن الغرب يتوخى سرقة ما لدينا من بترول وغاز. 

ترصدون على امتداد عملكم، تأثير الأيديولوجية السوفياتية،على الأفراد. هل كرست سلفًا إيديولوجية بوتين، تأثيرًا على الإنسان السوفياتي؟.

- نعم، لم أعد أتعرف على الأشخاص، بعد أن فقدت أصدقاء .لم ننتبه بما يكفي للأعراض الأولى، والتلفزة تعرض هذه الأفلام حول "تشيكا" (البوليس السياسي القديم) وستالين. بل، حاولوا تبرير ما قام به ''بافلوفيتش بيريا'' (رئيس جهاز المخابرات السوفياتية "NKVD"، السابق عن "kGB") .في مدينة بيرم الروسية، حولوا متحفًا كان مخصصًا لضحايا القمع، إلى متحف ''لعمال غولاغ''، بمعنى كانوا مجرد حراس! لا تأتي، دائمًا المبادرات من أعلى سلطة أي بوتين، بل صدر بعضها من الشعب، السلطة السفلى. أندهش، خاصة لحال الشباب، فهم يقودون أفضل السيارات، ويرتدون أجمل الملابس، لكنهم يظلون عبيدًا. الجيل المنتمي لحقبة ما بعد 1990، يدعم بوتين بشدة، مرددًا خطاباته حول الاحتقار، ومن ثم الحاجة إلى زعيم صلب. أنا لا أتخيل، سوى أشخاصًا مختلفين يجسدون قيم الحرية. ذهنية ذلك الشباب، تجد سندها كثيرًا فيما سمعوه من حكايات آبائهم، حول الصحة المجانية والتعليم والارتقاء الاجتماعي السوفياتي…. ربما، ينبغي الانتظار أكثر، أو ربما أيضًا، يلزم لتغيير عقلية العبيد هاته، إزاحة من يوجدون فوق. عمومًا، يكمن واجبنا في تنوير الشعب. النزول إلى الطرقات، من أجل إحراق الإطارات المطاطية، غير كاف. يعتقد الناس، أن وجود قائد جيد يدير شؤونهم، يمكنه حل مشكلاتهم. خلال حقبة ما، خرجنا إلى الشوارع، مرددين: ''يلتسين، يلتسين!"، غير أنه لم يتغير شيئًا. الحرية عمل طويل وشاق، إنه طريق .لذلك، عارضت الثورات والمتاريس، فالتغيرات يجب أن يصنعها أناس أحرار، وإلا فالمآل، لن يكون سوى دمًا.  

خلال الحقبة السوفياتية، شعرتم بانتمائكم إلى المجتمع الشيوعي؟ هل تتقاسمون نوستالجيا مع شخصياتكم هذه القيم المتوارية حاليًا، مثل فكر التضحية والإيثار واحتقار المال؟.

- أحسست دائمًا بانتمائي إلى الهامش، لكنه العالم الوحيد الذي عرفته. اتصف الناس، خلال تلك الحقبة بازدواجية. كانوا على استعداد للوقوف في طوابير، من أجل اقتناء دواوين شعرية لأنا أخماتوفا، لكنهم في ذات الوقت، يكتبون وشايات يتم فحصها في المعسكرات. نتوخى أن يكون الشر، شيئًا بسيطًا: بافلوفيتش بيريا وستالين…، لكن هذا الشر أكثر تفشيًا لدى كل واحد منا، من ثم أكتب ليس من أجل الكشف عن قائمة بالفظائع، وإرهاق القارئ، بل بغية أن يبحث كل واحد منا في داخله عن الجانب الإنساني، ويدأب على احتضانه. إنها اختيارات تختبر كل لحظة: عندما يدعونك للذهاب قصد التظاهر دعمًا لبوتين، عليك أن تطرح أسئلة.!

لقد عشتم لسنوات طويلة في أوروبا الغربية، هل تفهمون هذا الخوف الهوياتي، السائد داخل أوروبا، وفوبيا المستقبل؟.

- خوف لا يرتبط فقط بأوروبا الغربية. مؤخرًا، انتخبوا في بولونيا، القوميين… . يعيش رجل الشارع، خوفًا من الدولة الإسلامية والإرهاب وبوتين… أما بخصوص تضييع هويتها، فلا أساس له. مليون لاجئ وسط ساكنة أوروبية تقدر بـ500 مليون، يبقى مجرد قطرة ماء. كنت منذ مدة قليلة في إيطاليا بمدينة فينيسيا، فعاينت كيف انتظمت حركة، بحيث أسرع الناس حفاة إلى الشارع، بهدف إظهار دعمهم للاجئين .لحظتها، افتخرت بأوروبا.

 

هامش:

* يمكن الرجوع إلى الملف الثقافي لجريدة: le Mond ، السبت 7 نوفمبر 2015  .


عدد القراء: 6597

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-