أرخبيل غولاغ: الرواية التي زلزلت إمبراطوريةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2015-06-06 16:41:54

د. سعيد بوخليط

مراكش - المغرب

تقديم:

 ألكسندر سولجنيتسين (1918-2008)، ولد في شمال القوقاز، جُند لحرب 1941، ووشح عقب الحرب. لكن سنة 1945، زج به في سجن غولاغ بتهمة انتقاد ستالين بين طيات مراسلاته. رد إليه الاعتبار، سنة 1956، فأصدر عام: 1962 يوم في حياة إيفان دينيزوفيتش.

سيعمق تشهيره بمعسكرات العمل القسري، من خلال عمله (أرخبيل غولاغ) الصادر سنة 1973، فطرد من الاتحاد السوفياتي ونفي نحو الولايات المتحدة الأمريكية، ثم عاد إلى بلده ثانية سنة 1994.

حينما انكـب ســولجنيتسين، أواسط ســنوات الستينيات، على كتابة موسوعته تلك المتعلقة بالجحيم السوفياتي، فقد ألزم نفسه بمعركة شرسة ضد النظام الشيوعي، الذي ارتج بقوة، بعد أن ظهرت إلى العموم، مرافعته ضد العمل القسري.

عمل جبار، يمثل في الوقت نفسه، دراسة تاريخية وكذلك مصنفًا يحتوي على شهادات،تسبر في أبسط التفاصيل الجهاز الاعتقالي للشغل الشاق، كما عاشه الاتحاد السوفياتي خلال سنوات الثلاثينيات، ثم حظر هذا النص إلى غاية 1990. لكن، بعد مرور أول سنة على وفاة سولجنيتسين أي سنة 2009، ستدرج رواية (أرخبيل غولاغ)، ضمن برامج التدريس في المدارس الثانوية الروسية.

في هذا الحوار، مع (جورج نيفات)،الباحث الجامعي ومؤرخ الأفكار، سنحاول معرفة المزيد عن هذا الموضوع :

1-س- عندما شرع ألكسندر سولجنيتسين في كتابة أرخبيل غولاغ،أواسط سنوات الستينيات، كان كاتبًا مكرسًا وتحت جناح السلطة، مع أن أولى كتاباته استحضرت قبل هذه اللحظة،عالم معتقلات الأشغال الشاقة. كيف تفسرون تناقضا، كهذا؟

ج- نهاية سنة 1960، أصدر سولجنيتسين عمله (يوم في حياة إيفان دينيزوفيتش)، وهو رواية قصيرة تصف معطيات الحياة في غولاغ. مؤلف أول، لسولجنيتسين لقي ضمانة  في ظل وصاية تيار خروتشوف نفسه. وقتئذ، عاشت الحقبة أوج القطيعة مع المنظومة الستالينية.أيضًا، السكرتير الأول للحزب، ترعرع في البادية، فانجذب نحو الشخصية الرسمية للرواية، المسماة باسمه، وهو قروي يروي سولجنيتسين بلسانه تجربته الخاصة، داخل معتقل غولاغ بين سنوات (1945-1953). صدر النص بداية،على صفحات المجلة الأدبية "Novy Mir"، ثم طبع منه على الفور أكثر من مليون نسخة. لقد شكل ذلك صدمة كبيرة، فللمرة الأولى منذ بدايات الاتحاد السوفياتي، حكى أحد عن معتقلات العمل القسري. على الفور، حقق سولجنيتسين مجدًا ،بحيث غمرته رسائل من مئات آلاف قدامى سجن غولاغ، الذين أطلق سراحهم بعد وفاة ستالين، وعثروا ثانية على ذواتهم مع هذه الرواية.

 

2- س والحال أن تلك الرسائل، هي التي دفعت سولجنيتسين، كي يذهب نحو أقصى حد ممكن؟

ج- فعلاً، بشكل سريع جدًا، سيطمح سولجنتسين إلى كتابة موسوعة حقيقية عن الجحيم السوفياتي، بناء على شهادات مئات المعتقلين السابقين. من بين مراسليه، انتقى بالخصوص أولئك من آخذوا عليه، كونه لم يستحضر غير رؤية جزئية عن مجريات غولاغ، بل قام بزيارة الكثيرين منهم.أخيرًا،حصر لائحة تضم 227 شخصًا، (اللامرئيين) الذين استحضرهم مع بداية (أرخبيل غولاغ)، بحيث هيأت له تلك الحكايات والوثائق، أساسًا للاشتغال. لكن مهمته الجسيمة، صارت من الصعوبة بمكان، لما تغير مسار الأمور داخل الاتحاد السوفياتي. فبعد طي صفحة، خروتشوف سنة 1964، عمل بريجنيف على تشديد الرقابة، ومن ثم منع سولجنيتسين سنة 1965، من إصدار أي عمل جديد، هكذا غدا في احتكاك مباشر مع السلطة السوفياتية.

3-س-تاريخ كتابة (أرخبيل غولاغ) في طي الكتمان، فهل هي رواية تجسسية أساسًا؟

ج- صار سولجنيتسين، واعيًا جدًّا أن مشروعه بمثابة قنبلة حقيقية. وُضع تحت المراقبة الدقيقة، مما أجبره على اتخاذ مجموعة من الاحتياطات. فما إن ينتهي من كتابة مسودة فصل، ينتقل إلى كتابته على الآلة الكاتبة، ويستنسخ صورة منه، ثم يحرق المسودة والنص المرقون، مع احتفاظه فقط بصورة سلبية منه (كليشه)، سيبعث به خلال كل مرة إلى صديق مختلف، كي يطمره في مكان ما من حديقته. وحده سولجنيتسين، وبعض القريبين منه جدًّا، يحيطون علمًا بالمخطط في بعده العام. من أجل تهيئ مشروع بهذه الكيفية، دون مذكرة تتضمن ملاحظات، فالأمر يحتاج إلى ذاكرة وتواطؤ موهبة معينة ! هكذا، انكب سولجنيتسين على تأليفه طيلة سنوات عديدة، منقطعًا إلى اشتغال هائل، كان يأخذ منه معدلاً زمنيًّا بلغ 17 ساعة خلال اليوم الواحد. عندما أوشك على الانتهاء، أحس بضرورة أن يضع تحت أنظاره مجموع ما كتبه، كي يتناوله ثانية، فرحل سرًّا إلى مدينة "Tallinn"، عند (سوزي)، وهو صديق من (إستونيا)، تعود معرفته به إلى سنوات سجن غولاغ. سولجنيتسين يعتقد، أن جماعة الإستونيين من بين الأشخاص الأكثر وفاء على الإطلاق، فبقي مختفيًا في مزرعة صديقه لعدة شهور، ثم بإعادة تجميعه لكل الفصول، تجمع لديه عمل يقارب 1600 صفحة. حين رجوعه إلى موسكو، سيعهد بنسخة إلى سوزي، الذي دفنها في حديقته، ثم أعادها إليه سنة 1994، حين عودة سولجنيتسين من منفاه.

أشهر فيما بعد، خلال سنة 1969، بعث سريًا روايته (أرخبيل غولاغ) مكتملة، صوب باريس في شكل ميكروفيلم من ثلاث أشرطة، إلى دار نشر روسية صغيرة، لنيكيتا ستروف. لكن، فقط سنة 1973، قرر سولجنيتسين اقتحام الخطوة الأكثر جرأة، فكاتب ستروف برسالة مشفرة، تجيز له إصدار العمل.

4-س- كان النجاح مدويًا، والصدى السياسي أحدث صوتًا مدويًّا !

ج- صدر (أرخبيل غولاغ) بالروسية أولاً من لدن ستروف، ثم ترجم على الفور إلى بلدان عديدة، بما في ذلك الصين الشيوعية بل وداخل الاتحاد السوفياتي، ومع أن ثبوت حيازة هذا الكتاب يؤدي إلى عقوبة سجنية تناهز عشر سنوات، فقد تدوول مثل نثار بارود، في صيغة منشورسري (بالروسية يسمى samizdath). هكذا للمرة الأولى، سيتم تفكيك جهاز غولاغ في كليته، وعبره مجموع النظام السوفياتي، الذي أظهر وجهه الأصيل. أمام ظاهرة كهاته، اتخذ المكتب السياسي للحزب، مزيدًا من الوقت كي يعلن عن القرار المناسب، بحيث اجتمع سبع مرات كي يفصل في مصير سولجنيتسين، مادام أن اعتقال من صار نجمًا عالميًّا، لن يقدم صورة حسنة عن سمعة النظام. أخيرًا، تقرر طرده من الاتحاد السوفياتي، بعد تجريده من حقوقه المدنية، فابتدأت عشرون سنة من المنفى.

5س-هل سيكون مبالغًا، القول بأن إصدار أرخبيل غولاغ، لعب دورًا لا يمكن تجاهله بخصوص انهيار الاتحاد السوفياتي؟

ج- قطعًا لا، هذا النص بمثابة سبر لجهاز لا إنساني، كما جسده سجن غولاغ. بالتالي، سيقلب كل الأيديولوجية السوفياتية، القائمة على السعادة المرتبطة بالعمل، مبينًا أن الأشغال الشاقة، لا تخول أبسط الأشياء عن ما يعرف بـ(إعادة للتربية)، كما استمرت في الادعاء البروباغندا الموروثة عن الستالينية، بل ذلك لم يكن غير آلة موت. توخى سولجنيتسين، رصد الخاصية التمركزية للجهاز القمعي، فأسهم بشكل من الأشكال في الإسراع بانهيار الاتحاد السوفياتي.

6-س بغض النظرعن الخاصية التوثيقية والتاريخية، لماذا نقرأ اليوم أرخبيل غولاغ؟

ج- لأن هذه الرواية كذلك، تتجاوز كونها موسوعة حقيقية .إنها، نص تاريخي- من الأعمال الأولى التي أضفت شرعية على التاريخ الشفوي، فقد استند سولجنيتسين بخصوص استقاء معلوماته على مجموعة من الشهادات-وسياسي، لكنه كذلك أدبي وفلسفي. على سبيل التمثيل، كانت مؤثرة جدًّا تلك المقاطع، التي عبر بواسطتها معترفًا، مع أن لا شيء أجبره على ذلك، حتى وضعية الاعتقال، بأنه احتفظ لمدة طويلة بعجرفة الضابط، ثم احتاج كذلك إلى كثير من الوقت كي يفهم أن الأمر لم يكن بتلك الهالة. أو أيضًا، لما اقترح عليه جهاز (الكي جي بي)،الاشتغال معه كمخبر، ففكر في العرض لمدة طويلة قبل رده الرافض .ثم، خاصة القسم المركزي، من كتاب سولجنتسين المعنون بـ(الروح والأسلاك الشائكة)، الذي يعد بمثابة مفتاح البناء، لأنه تأمل في الوضع الإنساني للسجين، وقد رأى فيه سولجنيتسين وضعًا مقدسًا، معلنا بشكل قوي،على أن لاإنسانية آلة الاعتقال،ليس باستطاعتها التحطيم الكلي لآدمية السجناء، معبرًا بتصوره هذا، عن حقيقة كلية حول الفضاء الإعتقالي المعاصر. مبدأ، أقره مثلاً، الكاتب الإسباني(جورج سيمبرون) Semprun، المعتقل السابق في السجن النازي بوشينولد.             

 

هامش:

 

  1. Le nouvel Observateur : juin-juillet.2013 ;pp9193

عدد القراء: 6506

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-