أحقّاً هو الشاعر أرثر رامبو؟الباب: مقالات الكتاب
د. سعيد بوخليط مراكش - المغرب |
شهر أبريل ،سنة 2010، بمناسبة أيام الصالون الدولي للكتاب، تم تقديم رسميًّا لأول مرة، صورة فوتوغرافية اكتشفت حديثًا، تظهر ملامح الشاعر أرثر
شهر أبريل ،سنة 2010، بمناسبة أيام الصالون الدولي للكتاب، تم تقديم رسميًّا لأول مرة، صورة فوتوغرافية اكتشفت حديثًا، تظهر ملامح الشاعر أرثر رامبو، في سن متقدم .بلغ، ثمنها ما يقارب 150 ألف أورو.
شكلت الواقعة، حدثًا إعلاميًّا مذهلاً، ساد الصفحات الأولى لجرائد فرنسية وألمانية وأمريكية، بل،كما يؤكد الطبيب جان جاك لوفرير Lefrère، المتخصص في قصيدة الشاعر وصاحب سيرة ذاتية عنه، فارتدادات الخبر، الشبيه بزلزال، شملت حتى الموقع الإليكتروني لمحبي جماعة البيتلز، وكذا جمهور ومشجعي الفريق الرياضي باريس سان جرمان.
حتى تلك اللحظة، لم نملك بخصوص الشاعر أو طفل شكسبير مثلما لقبه فيكتور هيغو، غير ثمانية بورتريهات، المشهورة والمعروفة لدى الجميع، صورة إتيان كارجا، الخالدة المأخوذة لرامبو سنوات مراهقته. ثم، ثانية تظهره سجينًا نحيفًا يمارس الأشغال الشاقة. وأخيرًا،أخرى ضبابية، مبهمة جدًّا، قبيل وفاته سنة 1891.
على العموم، هي شواهد لا تتجاوز أصابع اليدين، سريعة الوميض، أكثرها عمومية، كما قلت، تلك المؤرخة لرامبو يافع، لم يتجاوز السابعة عشر. في المقابل، تفتقد أرشيفاته لأي دليل مرئي، قد يحيلنا على مرحلة عمرية غير الأولى.
هذا، ما ستحققه ربما الصورة الجديدة، إن تأكد بالمطلق صحتها، الملتقطة لرامبو أواخر القرن التاسع عشرة رجل مختلف، تتبدى ملامحه ناضجة، بوجه ضبابي شيئًا ما، يجلس على طاولة بجانب ستة أشخاص آخرين .للتذكير، فقد قضى سنواته الإحدى عشرة الأخيرة، منتقلاً بين عدن والقرن الإفريقي، إلى أن ألزمه داء السرطان، كي يعود للعلاج في مرسيليا، حيث مات سنة 1891، عن عمر السابعة والثلاثين.
إذن، رامبو المكتسي لحلة جديدة، سيحدث ضجة داخل الأوساط الثقافية، الفرنسية بالخصوص، ثم بشكل مفعم لدى المحتضنين لتراثه، بعد طرحهم للتساؤل التالي: هل يتعلق الأمر حقًّا بـ"أرثر رامبو"، الشاعر العبقري، الذي كان تاجرًا ومغامرًا وبائع أسلحة؟ فأثارت ردودًا مختلفة، توزعت حدتها لدى المعجبين، بناء على القبول أو الرفض.يقول، لوفرير:«بالنسبة، للذين يقدرون عمل رامبو، وكذا مغامراته الإنسانية، فاكتشاف هذا الوجه على ضوء شروط مباغتة للنظام الإعلامي، يشكل في العمق حدثًا عميقًا ونوعًا من الصدمة الصامتة، شعور يشبه اكتشاف المعطى الجسدي لشخص نعرف عنه الشيء الكثير، دون أن نلتقيه أبدًا، وما قد يعكسه ذلك من دهشة وخيبة أحيانًا، لكن مع التأثر الشديد في كل الأحوال» (جريدة لوموند 9 مايو 2010).
من أصابهم الذعر، يرفضون الاكتشاف، لأنها حطم الأسطورة وتلاشت معها الهالة الرمزية المحيطة بصنمية رامبو، الذي ينبغي أن يبقى إلى الأبد قابعًا بين ثناياها، ثابتًا، راسخًا وموقرًا بشكل دائم: «فمن سيفتتن،عن كثب، بمسيح قص شعره وحلق ذقنه؟» يضيف لوفرير».
تعود حيثيات الحكاية، إلى سنة 2008،عندما عثر بالصدفة، المكتبيان "جاك ديس" و"ألبان كوسي"، الشغوفان بالمتاجرة في المتاع المستعمل، على صورة لرامبو بلغ عقده الثالث، داخل علبة كرتون تحوي كتبًا قديمة وصورًا مصفرة، بحيث تركزت عين جاك ديس، على صورة لعدن خلال القرن التاسع عشر، تظهر عددًا معينًا من الأفراد، يحيطون بطاولة:«لقد وقعنا صدفة على هذا الكليشه، لكننا لم نتصور قط مستوى الأثر الذي ستخلقه»، يجزم صاحبا الاكتشاف، المقتنعين جدًّا بأن الشاب الجالس إلى جانب هؤلاء، هو الشاعر رامبو بلحمه وعظمه. أساس يقينهما، دراسة تحقيقيه دقيقة، دامت لسنتين، بناء على مساعدة وخبرة، جان جاك لوفرير، المشار إليه أعلاه، الطبيب لكنه الاختصاصي أيضًا في متن الشاعر، الذي صاح بكل جوارحه، عندما شاهد الصورة لأول مرة: "وثيقة مدهشة !".
ذلك، أنه بعد مدة قليلة بعد بيع الصورة الفوتوغرافية، سيصدر جاك بيانفونو jacques Bienvenue، المنكب على حل الألغاز الأدبية، تفنيدًا، جاء وفق الصيغة التالية :«لقد أزعجناكم، فالشاب الذي تظهره صورة عدن، ليس رامبو»، بعد أن استطاع هذا الباحث، تمييز هوية شخصيتين، تواجدتا بمحاذاة الشاعر، ثم عاد إلى مجموعة من رسائل الأخير، وتاريخ إقامته في عدن، منتهيًا إلى خلاصة مفادها، أنها صورة تعود إلى شهر نوفمبر1897، أي قبل سنة من حلول رامبو بعدن، من ثم، لا علاقة له بموضوع الصورة….
رأي، سيلتقي ضمنيًّا، مع تعليقات رواد الإنترنيت، وهم يصرخون: «كان من اللازم عليكم إحراقها! إنها زائفة ولا تظهر رامبو الحقيقي !لا أحب هذه الصورة! صورة تمثل عقبة أمام قراءة عمل رامبو!».
تلك الصورة، التي خلقت جدالاً واسعًا حول أصالتها من زيفها، أعادت بكيفية غير مباشرة الاحتفاء بهيئة شاعر اختفى منذ ما يزيد عن مئة وثلاثين سنة، بحيث عكست مستوى الصدى الذي خلقه بورتريه محتمل لأيقونة شعرية عالمية اسمها رامبو، لكنها في الوقت نفسه، ستفتح النقاش بشكل مستفيض، انطلاقًا من الديكور والأفراد الآخرين الذين ضمتهم الصورة إلى جوار صاحب المجموعة الشعرية المعنونة " شراقات"، حول دقائق تلك اللحظة التاريخية ومدة إقامته في البحر الأحمر وربما أشياء أخرى.
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- رواية المحاكمة: الجميع مذنب
- أرخبيل غولاغ: الرواية التي زلزلت إمبراطورية
- جاك ديريدا: إرثه بعد عشر سنوات من وفاته!*
- خورخي بورخيس: عالمي هو المكتبة
- كيف تصبح كاتبًا : حوار مع عبد الفتاح كيليطو*
- سفيتلانا أليكسيفيتش: الحرية درب طويل وشاق
- المهم أن تكون إنسانًا
- أحقّاً هو الشاعر أرثر رامبو؟
- جوزيف كيسيل في سوريا
- النزعتان الإنسيانيتان 1
- 1984: أو الصحن الطائر للخيال العلمي1
- تأثير غاستون باشلار في النقد الأدبي الفرنسي
- تودوروف: الديمقراطية بين التوتاليتارية والليبرالية الجديدة*
- حول الدولة: دروس بيير بورديو في كوليج دو فرانس
- الصورة الأدبية
- ظهور الرواية: دون كيشوت والانقلاب السري؟
- رولان بارت في ذكرى ميلاده المئوية
- ألبير كامو: فرنسا، الجزائر، والسياق الاستعماري
- بيرنار بيفو: «أن تشيخ مزعج جدًّا»
- تفاصيل محاكمة شارل بودلير
- غاستون باشلار: «أنا أستاذ سيئ لتدريس الأدب»
- فضاء المنزل.. شاعرية الحلم اللانهائي
- ستون سنة عن رحيل ألبير كامو: سجال يحتدّ
- أمبرتو إيكو: درس في السيميائيات العامة
- جان بول سارتر والوجودية العربية، الصدمة والقطيعة
- سيلفي لي بون دوبوفوار: رسائل أمي إلى نيلسون ألغرين (1947- 1964)
- ألبير كامو وماريا كازارس: حبّ جارف..
- كتابات عن الطاعون
- غاستون باشلار: ملهم الشعرية الحديثة
- محمد عابد الجابري وغاستون باشلار
- حيثيات وفاة رولان بارت
- غاستون باشلار: الرياح
- غاستون باشلار: اللحظة الشعرية واللحظة الميتافيزيقية
- حول الدولة: دروس بيير بورديو في كوليج دو فرانس
- بيير بورديو: ماهية النيوليبرالية؟
اكتب تعليقك