البعد الثالث للشخصية في قصص سعدي المالحالباب: مقالات الكتاب
أ.د. نادية هناوي العراق - بغداد |
لنظرية الإنسان الكائن ذي البعد الثالث صلة اجتماعية بالهوية والثقافة وهذا له أيضًا أهمية خاصة في عالم القصة، نظرًا لصلة هذا الفن الصميمية بالواقع المعيش بوصفه المرجع الذي يحقق مستوى من التعالق الذي يتوخى منه تحويل نص الواقع إلى واقع نصي زمانيًا ومكانيًا وشخصانيًا..
ولا يكون هذا التلاحم بين الواقعي المرجعي والنص السردي واضحًا في نمط السرد الذاتي الذي يعتمد ضمير المتكلم أكثر منه في السرد الموضوعي، باستثناء السرد بطريقة أنا الراوي الغائب التي تعتمد ضمير الغياب المبطن في صوت المتكلم الحاضر. وفي كلا الحالين يكون حضور الذات ساردة أو كاتبة أو مسرودًا عنها مركزيًا بفاعلية التأثير والتصعيد وبخصوصية الهم الحياتي الذي تقبع هذه الذات تحته معبرة عن هموم الإنسان المعاصر، وما يجابهه من تحديات في ظل الحداثة وتبعاتها التي سلعنت الإنسان وجعلت قيمته شيئية لا عينية وصار دوره يتوقف على المادة وأما قيمته فتتوقف على رأس المال واقتصاد السوق.
وإذا اعتبرنا أن لكل ذات واقعية بعدين مادي/ إيديولوجي ومثالي/ يوتوبي؛ فإن البعد الثالث سيتجسد في الذات الساردة كنزوع إنساني وبعد وجودي وتمثل طوباوي يرى الانسان ذاتا وأنا.. ولقد سئل ميشيل فوكو عن النزعة الانسانية؟ فقال: «إن الانسانية لا تطرح على نفسها إلا المشاكل التي تقدر على حلِّها اعتقد أنه يمكن للمرء أن يقول: إن النزعة الانسانية تصطنع حلولاً لمشاكل لا يمكن أن تطرحها على نفسها.. إنها مشاكل علاقات الإنسان والعالم مشكل الواقع مشكل الإبداع الفني مشكل السعادة وكل الوساوس التي تستحق قطعا أن تكون مشاكل نظرية»1
ولكنه وقف بالضد من هذه النزعة حين تسخّر سياسيًا من قبل الأنظمة الشرقية والغربية لتهرِّب عبرها بضاعتها الفاسدة، مؤكدًا أن المهمة الآن الانعتاق نهائيا من النزعة الإنسانية بمعناها السياسي لكن في الجانب الآخر التمسك بالنزعة الإنسانية المجردة التي هي «كل هذه الصيحات الخارجة من القلب كل هذه المطالبات بالشخص الإنساني بالوجود.. مفصولة عن العالم التقني والعلمي الذي هو عالمنا الواقعي»2
وبوجود هذه النزعة تتمتع الذات بالبعدين المثالي/اليوتوبي والمادي/الإيديولوجي، اللذين يتغلغلان فيها وعندها لن تغادر هذه الذات إنسانيتها مهما كانت واقعة تحت طائلة الضغط المادي أو منفردة في نزوعها المثالي..
والوجود في ذاته لا يفسره نموذج واضح، مثلما تفسره الأنا (فنحن نعرف أنفسنا أشياءَ موجودة مستقلة في البدء عن غيرها من الموجودات ونشعر بأنفسنا أشياء ثابتة تشير إلى ذاتها باستمرار وبغير نهاية ففي الأنا إذن كل تلك الصفات التي وجدناها في الوجود لذاته: أعني القيام بالذات والإشارة من الذات إلى الذات واللاتناهي الحقيقي وبالجملة الواحدة بأخصب معانيها. والواقع إن الوجود لذاته هو الأساس لكل التطورات العليا المعروفة باسم الذاتية أو الشخصية)3
والإخلاص للمادية تاريخًا وفلسفةً ومبادئ وشعارات هو ما يجعل الروح خاوية من ذاتيتها وغير شاعرة بصفائها وأحقيتها في السمو والتجلي وهذا متوقع ومحتوم على الصعيد الواقعي لكنه لحسن الحظ ليس كذلك على صعيد المتخيل الأدبي استنادًا إلى نظرية المحاكاة التي لم تجعل الأدب طبق الأصل للواقع.. وهذا ما يساعدنا في فهم الذات وكشف دواخلها الغائرة يقول بول ريكور:"إن الخيال ولا سيما الخيال السردي بُعد لا يقبل الاختزال من أبعاد فهم الذات"4.
ومن منطلق ما بعد بنيوي يصبح هذا الغائر هو البعد الثالث لفهم كينونة الإنسان سرديًا وبالسرد تتألف سمات الشخصية وتكون لها هويتها السردية. وليس البعد الثالث نصًّا غائبًا ولا هو تقانة سردية إنما هو توظيف فلسفي يُعنى بالممكن الإنساني الذي عليه يتوقف إحساس الذات بوجودها وذاتيتها مع فهمها لما يحيط بها، ومن هنا تتمظهر إمكانية الذات في ردم الهوة أو أقالة العثرة بين البعدين المثالي/اليوتوبي والاجتماعي المادي وكأن البعد الثالث هو صوت الإنسان وهو يقبع في غياهب الوعي وكيانه الذي يتمظهر مرئيًا في صورة جسدانية كلية (ففاعل العمل المسرود يبدأ يتساوى بالمفهوم الأوسع للإنسان الممارس والمتألم هذا المفهوم الذي تستطيع إجراءاتنا التحليلية التأويلية أن تظهره)5 ..
وفي عالم القصة القصيرة تكون محدودية الفعل السردي واختزاليته مستوجبة وجود شخصية واحدة هي الذات والكينونة والهوية والكوجيتو والأنا وتقع على عاتق هذه الشخصية وظيفة سيميائية مرمزة الغاية ومنها تُبنى رؤيا العالم.. والسؤال كيف يكون أداء الشخصية الرئيسة بعدا ثالثًا؟ وما السبل التي تكفل الوصول إلى هذا البعد؟ وهل يكون تلمس البعد الثالث مقصورًا على الذات البطلة أم يشمل الذوات المسرود عنها أيضًا؟ وما علامات البعد الثالث على مستوى السرد؟ وما مسارب منح الذات بعدا ثالثًا؟
قد لا تكون الإجابة عن هذه الأسئلة حاضرة جميعها ولكن بالإمكان التدرج في تصيد إجابات مقنعة لها، لنثبت أن المركزية في القصة القصيرة لا تكون إلا برؤية ثلاثية الأبعاد للشخصية حيث البعد الأول مادي يمثله الواقع المغمور الذي هو مرجع تنطلق منه أية فكرة قصصية في حين تمثل الايديولوجيا البعد الثاني عبر حضورها في ذهن الشخصية وسيتمثل البعد الثالث في الإنسان نفسه وكيف يعبر عن نفسه من داخل الذات من منطلق تداولي يؤمن أن اللغة نظام يعرف المتكلم كيف يستعمله سواء أكان هذا الاستعمال شفاهيًا أم كان كتابيًا لتغدو (الشخصية الحقيقية هي تلك الكينونة من مجموع مطلق من الفرديات الذرية المتناثرة المتجمعة في آن واحد في مركز واحد مختلف غريب عنهم)6
وسندلل على ما تقدم بمجموعتين قصصتين لسعدي المالح هما (حكايات من عنكاوا) 1989 و(مدن وحقائب) 1994.
1ــ تموضع الشخصية كبعد ثالث
للقصة القصيرة شخصية رئيسة واحدة هي عادة ما تكون مغمورة منتزعة من القاع المهمش، وهذا ما نجده متجسدًا حاضرًا في أغلب قصص الكاتب سعدي المالح وبالشكل الذي يجعل قصصه مجموعة في خيط كتابي واحد... وفيها تتخذ الشخصية مسرودة أو ساردة شكلاً ثلاثي الأبعاد لنجد أن الإيديولوجي بوصفه توكيدًا رمزيًا للماضي، يكمل اليوتوبي بوصفه انفتاحًا رمزيًا على المستقبل...
وإنسانية الإنسان ككيان واقعي قد تتآكل بالمادية وقد تتسامى بالمثالية إفراطًا وتفريطًا.. لكن إنسانيته ككيان متخيل لن تغيب عن الأدب الملتزم لتظل نماذجه البشرية متمتعة بانسيابية تعادلية تحاول الاتصاف بها وبلوغها وهذا ما نجده في الشخصيات التي رسمها سعدي المالح وهو الكاتب الواقعي الملتزم الذي عاش سندباديا في حياته حتى صار أدبه شاهدًا على عالم يحكمه قطبان متغايران اشتراكي ورأسمالي وبحضارتين متناقضتين ومختلفتين.
وتميل أغلب الشخصيات القصصية عنده إلى تجسيد البعدين المثالي/اليوتوبي والمادي/الإيديولوجي بشكل ظاهر وعلني بينما يكون البعد الثالث متواريًا غير ظاهر.. لكنه مجسد بعمق متمظهرًا كفاعل مؤثر ومتغلغل داخل الشخصية وهذا ما يمنح الذات مركزية داخل القصة القصيرة.. ومن تموضعات الشخصية بعدًا ثالثًا ما يأتي:
1ــ1 تغلغل الصمت في الشخصية: فالتسربل بالصمت كفعل إنساني يسمح بإطالة السكوت وترك التكلم مع تداعي الوعي وانثيال الأحاسيس النفسية بمقصدية الانفلات من أسر البوح بالكلام إلى حرية الانعتاق بالسكوت الذي هو أبلغ وعيًا بسبب تحرره من القيود والقوانين ولمروقه على كل أشكال السلطة ومقومات التسيد والإخضاع.
وهذا ما نلمسه في قصة (الفأر) التي تسرد بضمير المتكلم وبطلها طالب في القسم الداخلي يتعرف على ريتا الفتاة التي تتحدث بلغة مختلفة ومن بيئة غربية ويكون الفأر هو الخيط الذي يجمع بين الشاب والفتاة مع تغاير نظرتهما للفأر الذي هو موضع قلق ومصدر إزعاج للطالب الشرقي بينما هو بالنسبة للفتاة الغربية موضع إعجاب ومحط شفقة "ريتا مبهورة ما أجمله"7
وبالصمت يكتشف الطالب أنه سلبي في نفوره من الفأر ليدرك من ثم أن ازدراءه منه ما هو إلا ترسب لا شعوري وتركة من تركات أجيال سابقة عاشت حياة الزراعة فكان الفأر عدوها الأكبر ومصدر خوفها على محصولاتها الزراعية الذي يهدد قوتها بالنفاذ والقحط أما ريتا فإن حبها للفأر هو انعكاس لطبيعة قاسية ببردها وصقيعها فصارت ترمز للمهمشين الذين يهددهم برد الشمال ويقضي على حياتهم وهذا الاختلاف في الرؤية الثقافية هو سبب الثأر الذي يعتري الشاب الشرقي وهو أيضًا منبع الشفقة التي تعتري الفتاة ريتا.
ويسهم هذا التناقض في تصاعد الحبك بالتضاد ما بين حضارة ترى الفأر ضارًا وأخرى تراه جميلاً.. ولكي يعطي الكاتب لبطله الشاب الشرقي بعده الثالث الإنساني؛ فإنه يعمد إلى جعله يتدارى بالصمت كي يتخلص من قيد الترسب الثقافي والنفسي الذي هو نتاج طبيعي للتضاد بين الحضارتين الشرقية والغربية.
وهكذا يتحول تشاؤم الشاب إلى لوعة ويصبح التجهم عنده لعبة وغواية يحاول عبرهما التعبير صمتًا لا بوحًا عن إعجابه بالفتاة ورغبته في التقرب منها وقد وقع في حبها منشدّا إلى اللاوعي سارحًا في عالم آخر، فتتداعى مشاعره "اعتصمت بحبل الصمت متحاشيًا التصادم معها... فعجز لساني عن التعبير واختنقت الكلمات في صدري.. فضلّتُ الصمت من جديد هذا الصمت المهيب الجميل الملاذ جعلته يقاسمني معاناتي بدلاً من أن يقاسمني الفأر غرفتي"8
إن الصمت هنا هو البعد الثالث للكينونة الساردة التي به عرفت حقيقة إنسانيتها التي غيبها الترسب الثقافي على مر العصور، ويتفاقم تأزم البطل فهو الذات التي تريد لإنسانيتها أن تتغلب على مرجعية المكان حيث لا شرق ولا غرب.. وهذا يعني أن الصمت كنزعة إنسانية في شخصية الشاب لمحة ليست خافية لكنها متوارية..
ويسهم التكرار والتساؤل والحوارات الداخلية والخارجية ولاسيما استعمال تقانة الحوار الصامت في جعل الصمت أكثر تغلغلاً في السرد حيث البطل يحاسب نفسه ويحاول أن يعرف الطريقة التي بها يوافق الفتاة رأيها في الفأر، وقد ينتقد حاله كيف أنه يقابل اهتمامها بالازدراء واللامبالاة الفظة؟!
ولما تأتي فرقة إبادة الفئران يكون الترسب الثقافي هو الغالب لكن الشاب يتنازل للحب مغلبًا الصمت على الكلام ويتحول الضمير السردي من الغياب إلى الخطاب" هص هص ماذا تعني هص نعم أم لا لماذا تحملق فيَّ هكذا؟ هل سأجد سعادتي بحولك أم لا هص هص لا تقصد لا؟ وتريد ان أطلق سراحك لا إلعبْ غيرها؟"9
وما تكرار عبارة (هص هص) إلا دلالة على أن الإبقاء على حياة الفأر مرهون بصمته ويكون انتصار البطل متموضعًا في إطار مغالبة الشعور باللاشعور صمتًا لكن المفارقة المتمثلة في رش المبيد داخل الغرفة قد سارعت بإعلان نهاية الفأر في الوقت الذي كانت فيه الفتاة تبحث عن صأصأته" وهي تصرخ فرحًا يا فأري العزيز أين أنت؟"10 وتكون الخاتمة مفتوحة لكنها صادمة حيث الصمت يغلب الموت واللاشعور يتفوق مهيمنًا على الشعور ويتحقق الانتصار الذكوري على الطيب الأنثوي كبديل عن التضاد معه.
1 ـ 2 فاعلية الذاكرة والتخييل واليومي: لهذا التموضع مستويات متعددة، ترتكز جميعها على الذاكرة كبعد بيولوجي عضوي وكمفهوم متعال ميتافيزيقي يحرر الإنسان من داخل الإنسان ليكون مرجعًا مهيمنًا.
وهذا مظهر من مظاهر الكتابة ما بعد الحداثية فتغدو الشخصية رمزًا ثقافيًا يمتلك قوة شحن فردية وجماعية ما ورائية ضاغطة. وتصبح وظيفة البعد الثالث هي الترميز الثقافي للقيم والتاريخ وأبجدية التعايش المسالم والحتمي، بإزاء كل ما هو مختزن من ذاكرة تاريخية أو سياسية أو ثقافية أو أدبية أو فنية..
ويمكن تلمس هذه الفاعلية في أقوال الشخصيات وأفعالها ذات المنحى الذاتي.. لتغدو الذاكرة هي البعد الثالث لبعدين ظاهرين الواقع/المثال ومتضادين الوطن/الغربة كما في قصة (أمل) حيث الذات تتضاد مع الآخر..
ويتصاعد السرد بضمير الغياب وباستعمال الحوارات الخارجية متمحورًا حول ثنائية الذات المغتربة بايجابية تمثلها أمل التي لم تر نفسها منفية أو مهاجرة أو مطاردة بل مجرد سائحة والسبب قدرتها على محو ذاكرتها بينما يكابد البطل الشعور باللاانتماء مع المجموعة الراقصة المبتهجة بقدوم العام الجديد فيلجأ إلى الذاكرة، آملاً بعودة مرتقبة لأرض الوطن "ترقرقت الدموع في عينيه فرفع كأسه مترعة بالأمل الكبير وعبّها في جوفه وهو يقول في نفسه:
ـ نخب الوطن الذي يجب ألا يضيع"11
وعلى الرغم من مآل الخيبة الذي تنتهي إليه القصة إلا إن توظيف طريقة المشهد بالتناص مع أغنية أمل حياتي لأم كلثوم جعل النهاية مفتوحة بالذاكرة التي تظل تعيد للبطل أمله من جديد..
ولئن كانت الذاكرة كبعد ثالث تشتغل على نوعين من الزمانية "الأولى زمانية الوجود في العالم مع الآخرين والثانية هي الزمانية العميقة التي يكمن مضمونها في محاولة حلِّ لغز الموت والأبدية وبالمقابل فإن هناك أيضًا نوعين من المرجعية مرجعية أولية يشير النص السردي عبرها إلى واقعه الحاضر ومرجعية ثانوية هي بنية زمانية يتولى فيها السارد الإجابة على معضلة معيشة ينقلها المخيال الاجتماعي"12؛ بمعنى أن الشخصيةـ وفي إطار من مرجعية الواقعي المألوف ـ تتقولب في منظومة من المعاني الرفيعة مثل الوطن والصداقة والبساطة لتغدو بمجموعها هي البعد الثالث الذي يعطي للحياة قيمتها.
وتكون الشخصية الساردة في قصة (عطل مفاجئ في مطار ميرابيل) متضادة ما بين الغربة والاغتراب لكن الوطن يظل هو البعد غير المنظور الذي يحقق لها التوازن فإذا كانت الغربة "أعطتني الكثير مثلما أخذت مني الكثير" فإن الوطن "ثروتي.. هي أن أهيأ الناس على النقاء في ربوعه.. حتى لو كان هذا الوطن مسبيًا"13
وفي مشهد درامي متحرك يتجسد البعد الثالث للذات الحائرة في حقيقة أن الوداع ما بين غربة واغتراب ليس أمرًا هينا "ستة وجوه مصطفة وراء الزجاج.. تلوح بأياديها مودعة كانت العيون الاثني عشر.. قريبة واضحة مرتجفة متسائلة.. شعرت في الإثناء هذه برجفة السفر الأولى تدب في جسدي لم أكن أتوقع رؤيتهم من هناك"14
وهذا يدلل على هاجس لا شعوري يجعل الذات في أرجحة بين الذهاب للوطن وعدمه.. وبنهاية مفتوحة ومفارقة الصدفة يصبح كل شيء باردًا لكن وجود الأمل/ ليلى إلى جانبه يشعره بالتوازن. وبهذا تكمل هذه القصة ما سبقها أي قصة (أمل).
وترتكن شخصية السارد بضمير الأنا في قصة (الحظ) إلى الحظ كبعد ثالث يسبب لها التأزم، وتختلف هذه القصة عن قصص المجموعة في كونها لا تقوم على ثنائية الواقعي/المثالي وإنما تقوم على تغاير الداخل ذاتي مع الخارج ذاتي وهذا ما يسبب للسارد تأزما. وتمتد لحظوية اللقاء بمدير الشركة.. فيتوتر السرد وتكون ذروته في السؤال: هذا أنت من شركة الجنائن الخضراء؟ فينقلب السارد رأسا على عقب كونه ليس المطلوب للاجتماع فهو من شركة الجنائن المعلقة وما بين كلمتي الخضراء والمعلقة يتحدد مصيره وفي هذا ترميز اليغوري إلى ضغط الإحساس بالاستلاب الذاتي..
ومع ذلك يظل السارد يحلم بأمل هو بمثابة بعد ثالث يعيد له توازنه في شكل لقاء فنتازي مع الحظ وقد صار رجلاً يركض والناس تركض وراءه وكاد السارد أن يمد يده ليمسك الرجل/الحظ، لكن اتصالاً من زوجته أيقظه وأعاده إلى الواقع..
وإذا كانت الذاكرة والأمل تشتغلان على مستوى الزمن كبعدين ذاتيين؛ فإن التخييل بالحلم سيحقق بعدًا ثالثًا يهيمن على الذات مشتغلاً على مستوى التحبيك، كما في قصة (دفء الثلج) حيث مرأى المرأة وهي تجر صغيرها في زلاقة يثير في الرجل أملاً يعتريه كبعد ثالث لبعدين آخرين الأول واقعي هو الغربة التي رُمز لها بالثلج والبعد الثاني موضوعي هو الوطن الذي رُمز له بالدفء.
وإذ يجذبه المرأى في بلاد الغربة فإنه أيضًا يضع نفسه موضع الأب كاستباق زمني آخر يأخذه إلى شعور لم يعتده في بلاد الغربة فرسم صليبًا على النافذة وسرح بخياله وهو يحلم بكاهن وشاب وشابة متسائلاً عن العلاقة التي تربطهما.
وقد يجعل التخييل القصة فنتازية مشبعة بالسحر واللامعقول فتبدو المسرودات ذواتا شعرية استعارية ويغدو البعد الثالث فيها لغويا مع بعدين منظورين أحدهما واقعي والآخر مجازي كما في قصة (ما اسم هذه الوردة) إذ تؤدي الوردة التي تتوسط الشاب والفتاة بعدًا رمزيًا يتمظهر في دلالة الحب في تماه لا شعوري مع بعدين آخرين هما التكنولوجيا والاقتصاد.
ويسهم التوظيف الفنتازي للحداثة ممثلة بالسيد مكدونالد والسيدة تويوتا والسيد بيل في توكيد البعد الثالث وهو أن الحياة ما عادت حبًّا وصداقة بل مصالح. والحياة أيضًا عمل وتنافس. وبدلاً من أن يقول الشاب للفتاة أنه يحبها قالا لبعضهما لنفترق. ولهذا حمد السيد مكدونالد الله أن الحياة تحررت من الحب.. في حين ذهبت السيدة تويوتا إلى أن الحب ظل في بلاد بعيدة فيها النفط والشمس والسواعد ويرى السيد بيل أن الشمس ينبغي أيضًا سلبها من تلك البلاد لأن في ذلك مصلحة تسرق الحب حتمًا..
واعتمد الكاتب في قولبة حيوات مجموعته (حكايات من عنكاوا) على اليومي كبعد ثالث يكمل البعدين المادي متمثلاً في المال والروحي المتمثل في الصلاة وجدليتهما داخل الذات وخارجها.
والشخصيات مستمدة من الواقع المعتاد والمألوف مثل حلاق القرية وصانع الخمر ومعلم المدرسة، وهذا الاستمداد جعل القاص الكبير غائب طعمة فرمان يعد حكايات سعدي المالح من أدب الريف الراقي والأقاليم العراقية والمدن الصغيرة في العراق شمالاً وجنوبًا وأنه" إذا كان للأكراد وأدبهم القصصي ما قبل الثورة أيضًا ولبعض الأقليات الأخرى فإن هذا الأدب قد تطور ما بعد الثورة واكتسب أبعادًا أعمق وأوسع"15
وعلى الرغم من أن إقرار فرمان بأن سعدي المالح يملك تجربة حياتية وإلمامًا غير قليل بتلك البقعة من ريف الشمال وأنه صادق التجاوب ضمن أدواته المحدودة في التعبير عن مشاعر أهلها وآمالهم وطموحاتهم غير أنه وجده يفتقر للديمومة16 ولقد سمى المالح قصصه حكايات؛ وعدها فرمان قصصًا قصيرة ونحن نوافقه الرأي بسبب توفر عناصر السرد القصير من الشخصية والتأزم والتكثيف والتقانات المختزلة.
ونقف عند أول حكاية وعنوانها (الخالة فاتة) التي أشاد بها القاص فرمان وهي تسرد بضمير الغائب وبطلتها امرأة اعتيادية تتوزع شخصيتها بين بعدين (واقعي وديني) إلا إن اليومي يأتي هنا مشكلاً بعدًا ثالثًا يسمح بتوسيع تجربتها لتكون صورة إنسانية عامة وكلية ثيمتها العجز بسبب تقدم عمرها.. ويشظي الشعور بالوحدة ذاكرة العجوز بالهذيان ويكون عملها اليومي في سوق القلعة هو المكمل لشخصيتها وباستعمال قصة مضمنة في القصة الأصلية على شكل حلم عن جيش مغولي يهاجم القلعة قلعة أربيل تنفرج عقدة القصة على شكل مفارقتين الأولى حلم الخالة انها رأت وجوه الجنود مألوفة لأشخاص تعرفهم فتصرخ وتستيقظ لترى الشمس "مولودًا حديثًا يلقي ابتسامته على منارة الجامع"17
والمفارقة الثانية دهشة جارها خميس وزوجته حين اكتشفوا موتها وحيدة على سطح دارها" نهضت زوجته.. ذعرت حالاً وصاحت خالة فاتة خالة فاتة.. لما لم تجب انحنى عليها خميس يديها كانت باردة رغم دفء الجو"18 وهذه النهاية المفتوحة هي التي منحت القصة الديمومة التي كان فرمان قد أنكر استعمال سعدي لها..
وفي قصة (ماكنة الحلاقة) يكون اليومي هو البعد الثالث للصبي الذي توزعت شخصيته بين بعدين درامي ووطني وهذا ما أسهم في تصاعد السرد فضلاً عن التناوب بين فعلي المضي والحضور ناهيك عن تكرار الجمل (ارفع رأسك قليلاً) (أحن رأسك) الذي جعل اللحظة السردية طويلة كشريط بانورامي لحياة صبي في الثالثة عشرة يعيش تجربة الحلاقة بالماكنة لاول مرة وتكون خاتمة القصة مفتوحة لكنها ليست صادمة وقد راحت أمه تحصد شعره بعد أن وقع الحلاق في يدي الانكليز في توكيد موضوعي أن الأم هي الأصل كمعادل موضوعي للوطن وبذلك يدوم الحدث البسيط ويستمر لاسيما بانعطافة الكاتب نحو سرد عن تاريخ الكراسي "حتى الكراسي أنواع هناك كرسي قوي متين وآخر هزيل.. يتصارع جميع الناس منذ القدم.."19
وتكون قصة (شعو) عبارة عن سرد ليوميات بائع خمر كرجل بسيط تواجهه مواقف معتادة ولقد أسهم تكرار بعض العبارات والأمثال والكلمات الشعبية في رفع وتيرة السرد ومنعه من النزول إلى السطحية مثل "ينزل في الزردوم مثل السمن" و"يصفي القلب ويخدر العقل وينظف الحنجرة"20 مع استعمال كلمات عامية مثل بقجة وأبو الكلبجة ودلولوي وغيرها.
وتكون مسرودات قصة (حادث في مقهى) عبارة عن أطفال صغار يدفعهم حب الاستطلاع كفعل يومي في تشكيل البعد الثالث لذواتهم المتطلعة للمعرفة مثل ملاحقة دبابات الجنود وهذا ما يجعلهم مأزومين فيذعرهم هول ما يفعله هؤلاء بمن يمسكون به من أهل القلعة" بحث عشرات الجنود في القرية عن صاحب المقهى المختفي الذي اتهم بتنفيذ عملية ضد الجيش"21.
ومثلها قصة (حرس قومي) التي وجدها فرمان فاشلة بسبب سطحيتها وقصة (الأغا) التي تسجل لحظات اليوم الدراسي الأول لطفل وكذلك قصة (خمسة فلوس) بضمير المتكلمين لمجموعة الأطفال وقصة (حب) وقصة (بطيخ الجيران) بضمير المتكلم وفي هذه القصص نجد أن المسرودات كلها تمتع ببعد ثالث يمثله اليومي المعتاد في ظل بعدين متضادين هما البعد الذاتي والبعد الواقعي ليغدو ظهور البعد الثالث حلا لتأزم تلك المسرودات، فتعتاد الواقع وتتصالح مع ذواتها مقتنعة ببساطة المعيش اليومي، وهذا ما يجعلها حساسة فطنة لكنها ليست سطحية أو ساذجة.
وإذا كانت قصص (حكايات من عنكاوا) مجرد تسجيل واقعي للحظات حياتية يومية معتادة إلا إن تأزم الشخصيات هو المعيار الذي به تتصاعد وتيرة السرد لتنقل القصة من المعتاد والبسيط إلى المعقد والمشتبك؛ وهذا عادة ما يتطلب إجادة فنية في رسم المسرودات والاتجاه بها من السطحية إلى الفاعلية..
وهذا ما يدلل على كون هذه الحكايات قصصًا قصيرة فالحكاية متن سردي يحكي لحظة عابرة أو مشاهدة يومية متكررة. وإذ لم تكن لحظة الاحتدام واضحة في بعض القصص ومستوى البوح والتعبير الاستعاري متفاوت في بناء المتن الحكائي؛ فإن هذا أمر طبيعي لكون البعد الثالث للشخصيات يتقنع باليومي ويتوارى خلفه وبالشكل الذي استوجبه هذا المنحى في السرد القصير.
2ـ ترسيم الشخصية كبعد ثالث:
أن تلمس البعد الثالث في رسم شخصيات قصص مجموعتي (مدن وحقائب وحكايات من عنكاوا) لن يكتمل ما لم نقف عند المستوى التشكيلي متمثلاً بالتقانات الفنية التي وظَّفها سعدي المالح ومكَّنته من صنع البعد الثالث لشخصيات قصصه.. وكالآتي:
2 ـ 1 الترقيع: تقانة تسهم في تعزيز مظهرية البعد الثالث لتعلن واضحة للوجود جنبًا إلى جنب بعدين ظاهرين أيًّا كان موضوعهما وفحواهما وفي هذه التقانة يتوقف السارد ليدمج السرد بخطاب ثانوي ثم يستأنف بعدئذ سرد الحكاية الأصل كانعكاس لموقف فلسفي ورؤية فينومينولوجية وحياد عن نسق تراتبية الفعل السردي الذي فيه صيرورة المحكي اليومي كأن يكون أغنية أو مثلاً أو قصة ضمنية أو بيت شعر، كما في قصة (الخالة فاتة) إذ ينتقل السارد من لصق حلم قصير إلى الواقع المعيش مستعملاً ألفاظًا عامية البقجة النخالة الكبابخانة والدلاخانة وعبارات اخرى عامية22.
ومن بعد ذلك يتم ترقيع القصة الأصل أو الإطارية بقصة ضمنية داخل القصة هي قصة محسن وزوجته فتلتقي القصتان بطريقة منسابة وطبيعية في النهاية.
ولا غرو أن يجعل الترقيع نص الحكاية هو نص الواقع... والإنسان فيها هو المركز بأنويته وذاتيته وهويته وفي هذا توكيد لواقعية الفاعلية الانسانية وتفنيد لفكرة إماتة البطل بدعوى موت الانسان وموت المؤلف.
ويتجسد البعد الثالث للمسرودات في قصة (فتاة على كرة) من خلال استعمال تقانة الترقيع إذ تتوسع خيوط السرد وتتلاقى وشائج الحكي، وبما يمنح الشخصيات حرية التحرك داخل المعرض التشكيلي بالتوصيفات الصورية القارة أو بضمير الخطاب أو بالتضاد أو بالانشطار أو بالحكاية الخرافية23.
ويسهم ظهور المرأة لوبا في زيادة تأزم البطل ويتصاعد مستوى الاستبطان النفسي والتداعي الشعوري للهوية كبعد ثالث بازاء بعدين آخرين هما الغربة/الوطن.. وتتواتر الأسئلة وتترجرج روح البطل ويهيم بجسده متنقلاً بين لوحات المعرض وصوره.
ويعمل السرد الموضوعي على توسيع الترقيع بالاستذكار والاسترجاع" اللعنة قالها ثانية وحاول أن يضبط نفسه غير أنه ما ان رأى المرأة العجوز.. حتى احمرت خداه خجلا"24 ولا غرابة أن تكون المونولوجات الداخلية شكلاً ترقيعيًا يأتي به سعدي المالح بطريقة اللصق والتثبيت والتكرار ولقد أسهم التناوب السردي بين المونولوج والحوار الصامت والحوار الحر غير المباشر جنبًا إلى جنب استعمال التناوب الصوتي بضمائر السرد الثلاثة، في صنع نوع من اللعب الستنميتري الخارق للمعتادية وهو أيضًا اصطناع فني القصد منه تحدي الزمن ومحاولة تفتتيته والتحايل عليه.
ويوظف الترقيع في القصة القصيرة (حادث في مقهى) بثلاثة مشاهد متتابعة هي مشهد مسك ثلاثة شبان ومشهد سقوط القناني ومشهد محاصرة المقهى..
2ـ ـ 2 القرين: يفضي استعمال هذه التقانة الفنتازية إلى تدعيم البعد الثالث للشخصية من خلال انشطارها كما في قصة (فتاة على كرة) إذ يقع البطل في بئر عميقة ذات فوهة عريضة ثم يشاهد نفسه تقص حكايتها ثم يرى نفسه وسط مجموعة سياحية وقد انشطر عقله إلى شطرين" شطر هنا وشطر هناك وابتسم.. مع انه كان يجدر به أن يطلق عليها ابتسامة الشك.."25.
وهذا الانشطار هو البعد الثالث المكمل لبعدي الوطن/الغربة ثم يجد نفسه انه هو الشاعر الذي انشد للسلطان ومات في مكان بعيد عن موطنه ولا أحد يعرف سر موته "البرد نخر عظامي فالحنين إلى الوطن أشد قسوة من كل المحن خذوا عظامي إليه رغم البعد لتشعر في مثواها بالدفء والحمد"26.
ثم يتحول القرين بطريقة استيهامية إلى حصان طائر مستدعيًا حكاية أسطورية عن قصة الخلق وان هناك سبعة أبواب يتطلب فتح أختامها ليكون الختم السابع بلون الشمس كامرأة على رأسها أكليل من ثلاثة عشر كوكبًا حبلى تصرخ من ألم المخاض .. ويتضح البعد الثالث للانشطار بالتساؤل "فلمَ تجهد نفسك عناء البحث عن خشب ضئيل في هذه الصحراء المقفرة؟"27 وكأن البطل هو جلجامش28.
وهنا ينهض السارد من الحلم الأسطوري ليعود إلى الزمن الحاضر زمن السرد فيرى لوبا تنتظره متفرسة في وجهه ويتغرب المشهد بخطاب مع الحصان عن لوبا ثم يتحول إلى ضمير التكلم ثم الخطاب ثم الغياب ثم الخطاب ولكن هذه المرة في لوحة جديدة فيها الفتاة التي تقف على كرة محتفظة بتوازنها هي المعادل الموضوعي للسارد نفسه "هل تعتقد أنني أبقى واقفًا على كرة طيلة حياتي؟"29 كتجسيد لروحه المنشطرة الهائمة المضطربة المزدوجة وتكون المفارقة وقوعه الفنتازي الذي به انتهت القصة نهاية مفتوحة "مثلما تقع الثمرة الناضجة من غصنها ورأى نفسه يركض مطاردًا الحصان بأقصى سرعته يخفق قلبه خفقانًا شديدًا30".
2 ـ 3 التناص: إن للمستنسخات النصية المتعددة دورًا مهمًا في بناء شخصيات القصة القصيرة التي قد تتمرد على آليات السرد التقليدي والهدف هو إظهار البعد الثالث للشخصية عبر الاشتغال على الذاكرة والمكان..
وللمستنسخات النصية في قصص المالح القصيرة مصادر ومشارب مختلفة منها استعمال مقطع شعري معروف أو الإتيان بسياقات ثقافية مختلفة تتداخل وتختلط أو بفتح فضاءات التاريخ بغية الترميز أو الاستعانة بأغان معروفة بغية تجسيد فاعلية الذاكرة كبعد ثالث، كما في قصة (أمل) اذ يؤدي التعالق مع أغنية أم كلثوم (أمل حياتي) في صنع مشهد مسرحي يدلل على أن في فقدان الذاكرة ما يُشظي الانتماء ويضيعه.
ويتعالى الوجد الديني بالحب الأنثوي في قصة (مريم) بالاستنساخ النصي لأغنية ذائعة هي (ست الحبايب يا حبيبة) التي تتناثر جملها بين سطور القصة القصيرة بميلودية يدشنها استعمال الفنتازيا حيث دموع الفتاة، تتحول إلى مسبحة من لألئ" كلما خرجت لؤلؤة التقطتها بحذر وخرزتها إلى السلك واحدة جنب الأخرى لتكتمل المسبحة.." رفعت راسي إلى المطربة فرأيت صليبًا معذبا في عينها"31.
وينتج عن التموضع ما بين كلمات الأغنية وحوارات الفتاة بعد ثالث هو الشعور بالتبدد والضياع، بإزاء البعدين الجسدي والروحي "لماذا أخذت مني الصليب إذا كنت لا تريد الصلاة"32.
ويتعالى الوجد الديني في صورة صوفية فتكون ليلى هي المعادل الموضوعي للأم التي تعنيها المطربة في أغنيتها ولكن ليلى ليست سوى طيف لمثال صوفي راق متمثل بمسبحة من لالئ وتكون المفارقة في انفراط عقد اللؤلؤ وتناثره، تعبيرًا عن التبدد الروحي في عالم الجسد" قالت المطربة أهلاً وسهلاً فيكم واخفت صليبها في مكان ما من عينها"33.
وللتناص مع الأمثال الفصيحة والعامية حضور مميز في قصص المالح القصيرة وكلها تدعم البعد الثالث للشخصيات القصصية، إذ يرد في قصة (الحظ) تناص مع المأثور (كذب المنجمون ولو صدقوا)34 كما يرد في قصة (فتاة على كرة) المثل الشعبي (مثل الأطرش في الزفة) أو في قصة الخالة فاتة المثل (هل هززت كاروك والدك) وفي قصة شعو يرد المثل (ينزل في الزردوم مثل السمن) ومتعالقات نصية أخرى مثل (لا تفكر لها مدبر) و(العز للرز والبرغل شنق حاله) أو (أيها الفأر اللعين أنت تلعب بعبي فعلاً)35 وكلها تدعم مظهرية البعد الثالث في الشخصية القصصية.
وإجمالاً فان لفعل القراءة سلطة في الحكم على العمل الأدبي ضمن نقطة رسو ثالثة في الحياة سماها بول ريكور بـ(خاصية ما قبل سردية للتجربة الإنسانية).
الإحالات:
1 - هم الحقيقة مختارات، ميشال فوكو، ترجمة مصطفى المسناوي ومصطفى كمال ومحمد بو لعيش، منشورات الاختلاف، طبعة أولى، 2006 /11
2 - م .ن/ 14
3 - الزمان الوجودي، عبدالرحمن بدوي، طبع دار الثقافة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة، 1973/ 11
4 - الوجود والزمان والسرد فلسفة بول ريكور، تحرير ديفيد وورد، ترجمة وتقديم سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، طبعة أولى،/52
5 - الذات عينها كآخر، بول ريكور، ترجمة وتقديم وتعليق د. جورج زيناتي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، طبعة أولى،2005 /95
6 - الزمان الوجودي/14
7 - مدن وحقائب مجموعة قصصية، سعدي المالح، دار الينابيع للطبع والنشر والتوزيع، طبعة ثانية، 2009/ 34
8 - م .ن /29ـ 30
9 - م .ن /39
10 - م .ن /41
11 - م .ن /64
12 - الوجود والزمان والسرد فلسفة بول ريكور/ 30
13 - مدن وحقائب/ 87
14 - م .ن /88
15 - حكايات من عنكاوا، سعدي المالح، دار الحور للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، سورية، 2012/7ـ 8.
16 - ينظر: م .ن / 8
17 - م .ن / 13
18 - م .ن / 18ـ19
19 - م .ن / 22
20 - م .ن / 32
21 - م .ن / 36
22 - ينظر: م .ن / 13
23 - ينظر: مدن وحقائب / 5ـ 72
24 - م .ن / 8
25 - م .ن / 19
26 - م .ن / 16
27 - ينظر: م .ن / 22
28 - م .ن / 22
29 - م .ن /26
30 - م .ن / 27
31 - م .ن / 44
32 - م .ن / 45
33 - م .ن / 55
34 - م .ن / 91
35 - ينظر: مدن وحقائب / 31ـ36.
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- الجسد الأنثوي بين الانسلاخ وأدًا والبزوغ سردًا .. قراءة في قصة قصيرة لعلوية صبح
- الشك بين تصارع الأضداد والغوص في التساؤل .. قراءة في رواية «جمرات من ثلج»
- التداخل الأجناسي والتغاير الأسلوبي في القصة القصيرة جدًّا
- السرد الروائي بين التاريخي والتخييلي في رواية «قواعد العشق الأربعون»
- القصة القصيرة وبروتوكولات السرد ما بعد الحداثوي معاينة في مجموعة سايكو بغداد لرغد السهيل
- التخصيب السردي في رواية (مقتل بائع الكتب) لسعد محمد رحيم
- التوحد السردي موضوعًا وتقانة في رواية ( الطيف) لهيثم بهنام بردى
- الكينونة المؤنثة بين أمل العودة وخيبة الضياع قراءة في قصيدة الأم والطفلة الضائعة
- رواية التاريخ .. معاينة في التمثيل الثقافي
- مسارب المبادرة في التصعيد الدرامي في قصص (حافات الحلم)
- الأخلاق بين أفلاطون والفارابي
- سطوة الحكاية وسرديات الاستعادة في رواية (في بلاد النون)
- رواية التاريخ: المعطيات المعرفية
- رواية التاريخ: المعطيات المعرفية
- الحرج النقديّ في (السرديّة الحرجة) للدكتور عبدالله الغذاميّ
- الجنون بوصفه مهيمنة فكرية في قصص لطفية الدليمي
- طه حسين والبحث الحفري
- البعد الثالث للشخصية في قصص سعدي المالح
- جيرار جينيت والسرد ما بعد الكلاسيكي
- أحمد فارس الشدياق: ريادة سرديّة.. تُنقد بإتباعيّة
- تراثنا السردي: من التناص إلى الأقلمة
- ثلاثة مآخذ نقدية على برسي لوبوك
- قصص الأطفال والسَّرد غير الطبيعيّ
اكتب تعليقك