هل كان جون فيلبي رحالة أم جاسوسًا؟الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2023-01-30 06:11:00

د. علي عفيفي علي غازي

أكاديمي وصحفي

شخصية حيرت الجميع، نظر له البريطانيون على أنه يعمل لمصلحة العرب، ونظر له العرب على أنه يعمل لمصلحة بريطانيا في المنطقة العربية، وبينما ينظر له العرب على أنه جاسوس بريطاني في المنطقة، ينظر له البريطانيون على أنه عمل كجاسوس للنازية أو الاتحاد السوفيتي، وبينما ينظر له العرب كمسلم حسن إسلامه، ينظر له البريطانيون على أن إسلامه لم يكن أكثر من مناورة لتحقيق مكاسب شخصية، ولتحقيق غايته وهدفه الأسمى، وهو خدمة وطنه بريطانيا، ما يجعله شخصية محيرة، ومثيرة للكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول دوره في المنطقة العربية مطلع القرن العشرين، إنه هاري سنت جون فيلبي 1960 Hary St. John Philby 1885-، (جاك كما أطلق عليه أصدقاؤه) أو الحاج عبد الله فيلبي بعد إسلامه، رحالة بريطاني ولد في أسرة برجوازية أرثوذكسية، بجنوب شرق إنجلترا، ولد في سيلان (سريلانكا حاليًا) في 3 أبريل 1885، حيث كان والده يملتك مزرعتين للبن (القهوة)، وهو ثاني طفل لمونتي والده، وماي باتريشا أمه، ابنة القائد العسكري العام لسيلان، ثم درس في كلية تنتي بجامعة كامبردج العلوم الطبيعية والتاريخ والفلسفة والجغرافيا والأدب، واللغات، واهتم بمراقبة الطيور وجمع الحشرات والفراشات الملونة.

تخرج فيلبي في عام 1907 بتقدير ممتاز في اللغات الشرقية الحية: العربية، العثمانية، الفارسية، ما أهله للحصول على منحة مالية لدراسة اللغات: الهندوستانية، الأوردية في الكلية نفسها. ولاحقًا في الهند تعلم البلوشية، وما إن تخرج حتى التحق بالعمل في الخدمة المدنية في وزارة الهند، حيث قضى بمدينة لاهور عاصمة مقاطعة البنجاب 7 سنوات، السنوات (1908-1915).

والتحق في سبتمبر 1915 بالعمل في البصرة (العراق)، حيث التحق بالعمل مع السير بيرسي كوكس وأرنولد ويلسون، وسكرتيرته الشرقية جيرتروود بيل، في الإدارة العراقية، حيث عهد إليه كوكس بالإدارة المالية، وأعجب كوكس بتغيراته المالية وسياسته الضريبية الجديدة، وبتطويره لنظام المحاسبة الذي أوجده في العراق، ثم عمله حاكمًا سياسيًا في العمارة، ثم عمله كسكرتير لكوكس في بغداد، حيث عمل بانسجام مع جيرترود بيل وبيرسي كوكس، حيث حصل على وسام قائد في الإمبراطورية الهندية في سنة 1917. وكانت علاقة فيلبي بالسير أرنولد ويلسون متوترة منذ أن التقيا لأول مرة في البصرة 1915، ومن ثم اشتكى منه كثيرًا لكوكس، في وقت كان يجهز لبعثة إلى الملك عبدالعزيز في أكتوبر 1917، ومن ثم أسند هذه المهمة له، حيث كان مطلوبًا منه مناقشة ثلاثة موضوعات مع ابن سعود:  دعم ثورة الشريف حسين ضد العثمانيين، وإبعاد سعود بن عبدالعزيز الرشيد، أمير حائل عن دعم العثمانيين، حيث وافق ابن سعود على شنّ حملة عليه شريطة أن تزوده بريطانيا باحتياجاته، وتشديد الحصار على حركة تهريب المؤن والذخيرة التي يقوم بها البدو من الكويت لصالح العثمانيين، بالإضافة لتحسين علاقة الملك عبدالعزيز بالشيخ سالم الصباح، شيخ الكويت.

توطدت العلاقات بينه وبين الملك عبدالعزيز لدرجة أنه كتب تقريرًا أكد فيه ضرورة منح ابن سعود الدعم المالي إذا ما أرادت بريطانيا التصدي لمخططات العثمانيين في المنطقة، إلا أن ونجت المندوب السامي البريطاني في القاهرة رفض هذه المنحة خوفًا من استخدامها ضد الشريف حسين في الحجاز.  ونجح فيلبي في توطيد علاقاته مع عبدالعزيز آل سعود، الذي أُعجب به من أول لقاء، مما ساعده كثيرًا على السفر والتجوال في صحاري وقفار شبه الجزيرة العربية، إذ يسرت له المهام السياسية والعسكرية التي أسندها له ابن سعود الترحال في سهولة ويسر، وأمن وأمان، وكان حصيلة ذلك عطاءً فكريًا لم يجار من أي كاتب غربي آخر، وقد أصبحت أعمال فيلبي هذه مصدرًا لا غنى عنه للباحثين في تاريخ شبه الجزيرة العربية الحديث والمعاصر، وآثارها وجغرافيتها.

ترك فيلبي الرياض، في ديسمبر 1917، متوجهًا إلى جدة للالتقاء ببعثة هوغارث لتخفيف حدة التوتر بين جدة والرياض، خاصة أن الشريف حسين كان مستاءً من محاولة ابن سعود انتزاع الحجاز منه، حيث غادر جدة إلى القاهرة ليجتمع بسير ريجنالد ونجت، سردار الجيش المصري وحاكم عام السودان والمندوب السامي البريطاني، ورجال المكتب العربي، والمكتب العربي تأسس في فبراير 1916 من قبل مجموعة من الضباط السياسيين والمفكرين البريطانيين في القاهرة في إطار نشاطات وزارة الخارجية بهدف جمع خيوط الإدارة البريطانية في الشرق الأوسط في ظروف الحرب العالمية الأولى، حيث تم تزويده بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا آنذاك من آلات ومعدات لخدمة عملهم في تحسين عملية صنع القرار البريطاني فيما يتعلق بالشؤون العربية، وكانت وظيفته الرئيسة رفع التقارير والمذكرات لوزارة الخارجية ووزارة الحربية، وإشاعة الإشاعات، وتوليد الدعايات لتحفيز العرب للثورة ضد العثمانيين، وكثيرًا ما حصلت خلافات في وجهات النظر بين خبراء هذا المكتب ورجال الإدارة في لندن، بحكم خبرات الأولين ومعايشتهم. وأغلق في عام 1920 "بعد أن حثّ حكومة صاحب الجلالة على تبني سياسة جلبت كارثة إلى شعب سوريا وخيبة أمل لعرب فلسطين والخراب إلى الحجاز"، وفق مقولة أرنولد ويلسون، وبذلك يكون المكتب العربي قد استمر لأربع سنوات فقط.

لاحظ رجال المكتب العربي ميول فيلبي لابن سعود، وبعد أن التقى بالسلطان فؤاد الأول رحلة إلى فلسطين، حيث التقى في القدس برونالد ستورس، السكرتير الشرقي لدار المندوب البريطاني في القاهرة، ثم بالجنرال اللنبي، قائد الجيش البريطاني الذي احتل القدس، ثم واصل رحلته إلى البصرة، ليعود مرة أخرى للرياض ليواصل الضغط على ابن سعود ليهاجم ابن رشيد في حائل، فوصلها في 5 مايو 1918.

طلب الملك عبدالعزيز من فيلبي هذه المرحلة أن يغادر الرياض، ربما خوفًا عليه أن يلقى مصير وليم آرفن شكسبير، الذي قتل في إحدى معارك ابن سعود (جراب 1915)، أو ربما أراد أن يظهر للجميع أنه لا يتلقى توجيهًا بريطانيا كما كان يفعل توماس إدوارد لورنس Thomas Edward Lawrence 1888-1935 مع الشريف حسين وابنه الأمير فيصل، وبينما كان فيلبي يقوم برحلة استكشافية في جنوب الرياض تلقى اشعارًا من بغداد بأن مهمته قد انتهت، فودع ابن سعود في أكتوبر 1918، حيث وصل الكويت فعلم أن الحرب قد انتهت وأن الدولة العثمانية وافقت عل عقد الهدنة. ازدادت قناعة فيلبي في رحلته الثانية بابن سعود أكثر، وشعر أنه الرجل المناسب لتنفيذ مخططات بريطانيا، مخالفًا بذلك رأي أعضاء المكتب العربي في القاهرة.

حدث الخلاف بين جيرتروود بيل وولسن، إذ رأى فيلبي أن التصريح البريطاني الفرنسي في نوفمبر 1918 بخصوص تأسيس حكومات وطنية تكون سلطتها مستمدة من مبادرة السكان الأصليين واختيارهم الحر خطوة تحررية متقدمة إذ كان يريد من بريطانيا أن تمنح العراقيين فرصة الحكم الذاتي، بعكس ولسن الذي رأى أنه يعني خسارة بريطانيا لإحدى مستعمراتها، ورأت فيه المس بيل ضرورة يؤسف لها في العراق، وهنا شعر فيلبي أنه لن يستطيع العمل مع ولسن لأنه يناقض وعود بريطانيا تجاه العرب، لهذا طلب إجازة ورحل إلى لندن في يناير 1919، ورغم تفكيره في العودة للعمل في الهند، إلا أنه بعد 22 شهرًا قضاها في لندن عاد للعمل في بغداد مرة أخرى.

كلف فيلبي من قبل وزارة الخارجية بالذهاب للمرة الثالثة لابن سعود في الرياض لإقناعه بالاكتفاء بضم واحتي الخرما وتربة وعدم تهديد الحجاز، وألا يحج هذا العام، وذلك في يونيو 1919، فاستقل باخرة من مصر إلى جدة، وبينما يستعد لاجتياز صحراء الجزيرة العربية على ظهر الجمل، وصلته برقية وزارة الخارجية تخبره بأن هارولد ديكسون تمكن من اقناع ابن سعود بألا يحج هذا العام، ووصلته رسالة أخرى في أكتوبر 1919 تطلب منه العودة للندن لاصطحاب الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود في زيارته للندن، بهدف تقديم التهاني لبريطانيا بمناسبة انتهاء الحرب والنصر الذي أحرزه الحلفاء، وتعيين وكيل بريطاني في نجد، وإدامة المعونات المالية، وأمضى فيلبي 3 شهور مع الوفد النجدي، وخدمت هذه الزيارة فيلبي، إذ طلب الوفد النجدي خطيًا أن يكون فيلبي الوكيل البريطاني لديهم.

بعد مغادرة الوفد النجدي انشغل فيلبي في بعض اللجان التابعة لعصبة الأمم، واستغل علاقاته في الحصول في أبريل 1920 على وظيفة في فلسطين، وكانت إمارة شرق الأردن حينئذ في طريق التكوين بقيادة الشريف عبدالله بن الحسين، لكنها كانت تمر ببعض المشكلات الأمنية والمالية، وقد بعث وزير المستعمرات، ونستون تشرشل، لورانس إليها لمعالجة الوضع، وذلك في المحرم 1340هـ/ سبتمبر 1921م، ثم عين فيلبي في الشهر التالي كبيرًا لممثلي بريطانيا هناك، وقد نجح أول الأمر، في تكوين علاقة طيبة مع عبدالله، وتمكن من الحصول له على مساعدات مالية إضافية، كما نجح كذلك في علاقته مع هربرت صموئيل، المندوب السامي البريطاني في فلسطين، لكن الخلافات بينه وبينهما ما لبثت أن ظهرت، وتوترت علاقته بصموئيل كثيرًا، بالإضافة لأنه تلقى تلميحات من عبدالعزيز آل سعود بأنه سيكون من مستشاريه، ولهذا آثر أن يستقيل من العمل بدلًا من أن يُقال، وغادر شرق الأردن في رمضان 1342هـ/ أبريل 1924م.

بينما كانت ثورة العشرين قد اندلعت في العراق، فأنهت بريطانيا حكم ولسون، وعينت السير بيرسي كوكس مندوبًا ساميًا في العراق، فاصطحب معه فيلبي، وهنا لعب فيلبي دورًا في تشكيل الحكومة أول حكومة عراقية برئاسة عبد الرحمن الكيلاني النقيب، حيث كان أول عمل قام به هو المشاركة في اختيار وتنصيب الوزراء، ثم أوكل له كوكس مهمة إعداد الهيكل التنظيمي للجهاز الاستشاري فكان له دورًا في اختيار المستشارين البريطانيين، ثم عمل كمستشار لوزارة الداخلية، وأبرز دور له في تلك الفترة وضعه ما عرف بلائحة تعليمات مجلس الدولة، والتي كانت بمثابة دستور للحكومة العراقية المؤقتة، وأصبحت الأساس الذي حدد علاقة بريطانيا بالعراق بين عامي (1920-1930). وكان له دورًا في تنظيم وزارة الداخلية باعتباره مستشارًا ووزيرًا بالوكالة بسبب انشغال طالب باشا النقيب الوزير باهتماماته الخاصة.

بدأت نقطة الخلاف بين جيرتروود بيل وكوكس عندما اختير الأمير فيصل بن الحسين ملكًا على العراق، بعد جلائه عن دمشق، إذ لم يتفق هذا الاختيار ورأيه، إذ كان يرى في السلطان عبدالعزيز آل سعود، سلطان نجد والحجاز خير من يرسي دعائم السياسة البريطانية في المنطقة، فلما فشل في كسب موقف حكومته لترشيخ ابن سعود لعرش العراق، تبنى فكرة الجمهورية، ودعم ترشيح طالب باشا النقيب، ما أدى لاصطدامه بالإدارة البريطانية في العراق، وحدث بينه وبين كوكس والمس بيل خلاف، إذ جاء اختيار فيصل لعرش العراق، أن تحول فيلبي في نظر المس بيل "لمشكلة"، وبسبب الاختلاف بشأن الاستفتاء على اختيار فيصل، طلب كوكس من فيلبي أن يغادر بغداد، ويرحل عنها في عام 1921، ولم يعد إليها إلا زيارة في عام 1936 عندمنا قطع المسافة بين الرياض ولندن بالسيارة، فكان لابد له من المرور ببغداد، وكانت هذه آخر زيارة له للعراق.

يبدو النقد عنده لسياسة بريطانيا منذ أن كان طالبًا في الجامعة، إذ تكلم في اتحاد الطلبة منتقدًا تصرفات الحكومة البريطانية في حادثة دنشواي (قرية بطنطا - مصر) عام 1906، وذلك بينما كان طالبًا قبل سفره للهند.

ارتدى الزي العربي سنة 1917، وأعلن إسلامه في سنة 1930. واختار الوهابية ليكون أحد أتباعها، وكان بين العرب يصلي بخشوع، ولا يشرب الخمور، وتسمى باسم عبدالله خير الأسماء عند المسلمين، وكان دائمًا يحاول الظهور بمظهر المسلم الملتزم بتعاليم الدين، بينما في زيارته لبريطانيا كان يرتدي الزي الغربي، ويسكن الفنادق باهظة الثمن، ويشرب الخمور، وحرص على ألا يذكر اسمه العربي في أي من مؤلفاته.

حقق الإسلام لفيلبي الكثير من الأشياء: منها حرية دخوله إلى الأماكن التي يصعب على غير المسلم دخولها، كما أن اعتناقه المذهب الوهابي لأنه اشتغل مع وهابيين لا غير كما يقول محمد المانع في كتابه توحيد المملكة العربية السعودية (1982). ووجد فيه فيلبي منفذًا للربح المالي بمعنى أنه وجد في الاسلام مشروعًا رأسماليًا مربحًا، بالإضافة إلى تحقيق غاية أعمق وهي خدمة وطنه.

فيلبي كان موظف بريطاني أعد بشكل جيد ليخدم مصالح بريطانية معينة في المناطق التي عمل بها من خلال المنح الدراسية، والتأكيد على تعلمه اللغات الشرقية، وكان أمينًا في ترجمة خبرته بالمنطقة بما يخدم بلده. ولعلنا ندعم ذلك بأنه: اهتم بالعمل في حقل الآثار والتنقيب عن المكتشفات الآثارية وهو ستار استغله كثير ممن عملوا في الحقل المخابراتي في المنطقة العربية، كما أن دخوله الإسلام كان ستارًا كي يتقرب من مراكز صنع القرار بهدف خدمة أغراضه غير المعلنة، بالإضافة لامتلاكه الكثير من الجرأة لانتقاد سياسة بريطانيا في المنطقة من دون أن يتخذ ضده إجراء ما يؤكد أنه وضع مصلحة بلده نصب عينيه عكس ما كان يدعيه من أنه مع مصلحة العرب، كما أن ابنه كيم عمل فيما بعد في حقل المخابرات، ومن ثم لا يستبعد أن يكون الابن قد تخرج من نفس المدرسة التي تخرج فيها والده.

عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام 1914 تقدم فيلبي بطلب الالتحاق في صفوف الجيش البريطاني، ولكن طلبه لم يقبل؛ لأنه لم يكن قد تدرب على حمل السلاح. وكان فيلبي رحالة ويميل إلى الاستكشاف وقام برحلات لمجاهل شبه الجزيرة العربية، لدرجة أنه وصف بالمستكشف العظيم، ورائد شبه الجزيرة العربية، والمستكشف الأول، والمستكشف غير العادي، وترك ثلاث كتب عن رحلاته الاستكشافية: قلب جزيرة العرب، الذي تناول فيه رحلته الأولى في شبه الجزيرة العربية في عام 1917، الربع الخالي، والتي كان يحلم بأن يكون أول أوروبي يجتازها بين يناير 1932- وأبريل 1933، إلا أن حلمه لم يتحقق إذ سبقه بيرترام توماس في عام 1931، أرض مدين، والذي كتب فيه تفاصيل رحلته في شمال غرب الجزيرة العربية (1950-1951)، كما كتب اليوبيل العربي بمناسبة مرور 50 عامًا على حكم ابن سعود، والعربية السعودية الذي كتبه فيه عن وفاة ابن سعود، وتولي ابنه سعود الحكم، وكتاب أيام عربية، والذي يدون فيه سيرته الشخصية، وكتب كذلك عن دوره في الامتيازات النفطية في العربية السعودية كتاب "مغامرات النفط العربي".

يعود أول اكتشاف أثري خاص بعصور ما قبل الكتابة في شبه جزيرة قطر لعام 1931، حينما اكتشف جون فيلبي في منطقة تقع جنوب قطر، وقرب واحة أسكك عدد من الأدوات الحجرية المصنعة من حجر الصوان، ومتحجرات تعود إلى العصر الجيولوجي المُسمى بعصر المايوسين، وعُدّ هذا الاكتشاف الفريد من نوعه مؤشرًا للكشف عن معالم منطقة أثرية كثيرة تعود إلى عصور ما قبل التاريخ في شبه جزيرة قطر.

كان فيلبي مقتنعًا بأن هتلر لا يحمل نيات لمهاجمة بريطانيا، ولهذا التحق في عام 1939 بحزب الشعب، الذي نادى بالسلام مع ألمانيا، وعقد الاجتماعات ورفع اللافتات التي تطالب بمقاومة ما أسماه "تملقات ونستون تشرشل"، وكتب في جريدة التيمز يقول "أما مقتنع تمامًا بأن السيد هتلر لا يريد الحرب، ولعل هذا ما جعل البعض يعتقد أنه كان جاسوسًا للنازية. بعدما رجع فيلبي إلى الرياض في عام 1940 تحدث أمام ابن سعود عن أفكاره وموقفه من هتلر، وطالب ابن سعود بسحب استثماراته من بريطانيا، ولكن ابن سعود رفض ذلك ليقينه بأن بريطانيا هي القوة الملائمة لمساعدته، ولكن فيلبي استمر بنشر أفكاره في بلاد ابن سعود، ما أغضب الملك. قرر فيلبي في أغسطس 1940 زيارة الولايات المتحدة الأمريكية ليلقي محاضرات على الناس بشأن أفكاره السياسية بشأن هتلر، وبينما في طريقه إليها نزل في كراتشي فاعتقله البريطانيون، وتم نقله إلى لندن، حيث وضع في السجن حتى مارس 1941، ثم أطلق سراحه لأن تعصبه غير مؤذ، وفق ما قال في كتابه أيام العرب، بعدما قضى حوالي 8 شهور في محبسه.

وفي أبريل 1941 حاول اقناع ابن سعود بقبول الدولة اليهودية في فلسطين، وقدم له مقترح ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا (1940-1945) وحاييم وايزمان بشأن حصوله على 20 مليون دولار أمريكي لإعادة اعمار بلاده وإسكان العرب الذين سيهجرون، ولكن ابن سعود رفض مناقشة الفكرة رفضًا قاطعًا، فضلاً عن أنه اعتبر مبدأ الرشوة مبدأ مشينًا لا يمكن مناقشته وفق ما يقول فيلبي ف يأيام العرب وحاييم وايزمان في مذكراته وحافظ وهبة في كتابه جزيرة العرب في القرن العشرين.

وبعد إكمال الملك عبدالعزيز ضم الحجاز إلى نجد عاد فيلبي إلى جزيرة العرب، وبدأ يعمل في ميدان التجارة حيث أنشأ الشركة الشرقية، واتخذ من جدة مركزًا لها، وقد أصبحت تلك الشركة مصدرًا مهمًا من مصادر دخله طيلة حياته، ومع مرور الأيام ازدهرت أعماله التجارية، وذلك بحصول شركته على وكالة بيع سيارات فورد في المملكة، واشتراكه مع شركات أخرى في تأمين معدات حديثه للنهضة الحضارية، التي تبناها الملك عبدالعزيز، وبما حصل عيه من عمولة نتيجة اشتراكه في الترتيبات التي أدت إلى حصول شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا على امتياز التنقيب عن النفط في شرقي السعودية عام 1352هـ/ 1933م. على أن العمل في التجارة لم يكن، كما يقول فيلبي، من الأمور المحببة إلى نفسه.

وظل فيلبي في المملكة العربية السعودية وثيق الصلة بمؤسسها الملك عبدالعزيز، ولما توفي هذا المؤسس فقدت كثيرًا من إغرائها بالنسبة له، خاصة أن خليفته ابنه سعود، لم يحتمل انتقاداته وآراءه، فطرده من المملكة في أبريل 1955، حيث سافر برًا إلى بيروت. على أنه قد سمح له بالعودة إليها في العام التالي. وذلك بعد أن سويت المشكلات التي أثارها بمساع حميدة قام بها التاجر اللبناني السياسي المعروف حسين العويني.

انتدب فيلبي أستاذ زائر في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1957، وحضر مؤتمر المستشرقين في موسكو 1960 وقلد ميدالية خرتشوف، زعيم الاتحاد السوفيتي. وتوفي جون فيلبي في 31 سبتمبر 1960، بأزمة قلبية في لبنان، ودفن في مقبرة الباشورة الإسلامية. وكتب ابنه كيم على شاهد قبره "هذا أعظم مكتشفي جزيرة العرب"، وكيم هذا عميل بريطاني مزدوج‏ إذ هرب إلى الاتحاد السوفيتي، عام ‏1963‏ بينما كان يشغل مكانة بارزة في المخابرات البريطانية‏.

إلا أن الملاحظ حصل على ثلاث تكريمات في حياته الأولى عام 1917 عندما منح وسام قائد في إمبراطورية الهند، وميدالية خرتشوف، الزعيم السوفيتي، في عام 1960، كما تم تكريمه في عام 1933 من الجمعية الملكية الجغرافية في لندن بعد محاضرة ألقاها عن رحلته التي عبر فيها صحراء الربع الخالي.

 

المصادر والمراجع:

1- إليزابيث مونرو: فيلبي الجزيرة العربية، أحمد عمر شاهين (ترجمة)، (الرياض: مكتبة الملك فهد العامة، 1425هـ).

2- سانت جون فيلبي: بعثة إلى نجد 1917-1918، عبد الله الصالح العثيميين (ترجمة)، (الرياض: مكتبة العبيكيان، 1997).

3- منير يوسف طه: قطر في عصور ما قبل التاريخ، (الدوحة: المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث، 2003).

4. هاري سنت جون فيلبي: أيام العرب، (لندن: روبرت هيل المحدودة، 1948).

5- هاري سانت جون فيلبي: حاج في الجزيرة العربية، (الرياض: مكتبة العبيكان، 2001).

6 - Elizabeth Monroe: Philby of Arabia, (London: 1973).

7 - Philby, St. J. B.: "Across Arabia from the Persian Gulf to the Red Sea", the Geographical Journal, Vol. LIV, (1920).

8 - Philby, St. J. B.: The Heart of Arabia a Record of Travel Exploration, (New York: G. P. Putmans sons, 1923).

9 - Philby, St. J. B.: The Empty Quarter being a description to the Great south desert of Arabia Known as Ruba Ikhali, (New York: Holt and co, 1933).

10- Philby, St. J. B.: Arabian Jubilee, (New York: 1946).

11 - H. St. J Philby: Arabian Days, (London: Robert Hale Limited, 1948).

12- Philby, St. J. B.: Ayyam Philpy fial Iraq, (Beriut: 1960).

13-  Philby, St. J. B.: Arabian Oil Ventures, (Washington: D. C., 1964).


عدد القراء: 1432

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-