نماذج من متاحف المشاهـير في العالم العربيالباب: مقالات الكتاب
د. علي عفيفي علي غازي أكاديمي وصحفي |
يُطلق الأديب والروائي المصري أشرف العوضي، مدير تحرير مجلة الدانة القطرية، دعوته لإنشاء متحف للمشاهير في مصر من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، فتخرج صرخة مدوية تتلقفها أقلام الكتاب والأدباء والصحفيين والمؤرخين وكل المثقفين والمهتمين بالثقافة في مصر والعالم العربي، وتنزل كقطرة ماء على أرض ظمأى، فتتناثر ذراتها بين شقوقها لتروي عطش المثقفين المصريين لرغبتهم في إيجاد متحف يلم شمل مقتنيات الراحلين منهم، والذين سيلحقون بهم، وذلك انطلاقًا من حبهم لوطنهم مصر، ورغبة في إيجاد مزار سياحي ثقافي عالمي في الوطن العربي يجتذب السياح من كل بقاع العالم المعمور لزيارة مصر، والتعرف على مشاهيرها على مدار تاريخها العريق الممتد لأكثر من سبعة آلاف سنة.
لكن هذه الدعوة لا تزال في طور التمخض، وبحاجة إلى جهد كبير متواصل، ونأمل أن تجد من يثابر وراءها حتى تُصبح عين اليقين وحق اليقين، وتنتقل من عالمها الافتراضي إلى عالمنا الحسي الملموس، ولهذا فإنني أقترح تشكيل لجنة تعلن عن تدشين جمعية تحت مسمى "متحف للمشاهير في مصر"، وتشهر من وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية، ثم يُشكل لها مجلس إدارة، ويفتح لها حساب بنكي في أحد البنوك، ويُعلن عن الاكتتاب والتبرع لها، مع الحصول على الموافقات اللازمة من وزارة الخارجية المصرية لتلقي التبرعات من خارج مصر، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى يسعى مجلس الإدارة للحصول على تخصيص لأرض بمساحة مناسبة، على أحد الطرق الصحراوية في مصر، وليكن طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، ليُقام عليها المتحف المقترح والمزمع إنشاؤه، إن شاء الله. وأعتقد أن الجهات الإدارية والثقافية في مصر لن تُمانع أبدًا في مثل هذا التخصيص، ولن تدخر جُهدًا في سبيل أن يرى هذا المقترح الحياة، ويخرج إلى ضوء الشمس من ظلمات الليل البهيم، وبعد التخصيص يُعلن عن وضع حجر الأساس في احتفال عالمي كبير، على أن تُجرى مسابقة دولية لوضع تصميم له أسوة بمكتبة الإسكندرية المعاصرة، على أن يُراعى في التصميم أن يتضمن أجنحة للمؤرخين والأدباء، والآثاريين، والعلماء، ورجال الدين، وغيرهم. وأخيرًا نأمل أن تكون هذه الفكرة نواة لسلسلة متاحف مماثلة في العالم العربي.
وفكرة متاحف المشاهير قديمة متجددة، حيث يشهد العالم الكثير منها، لكن في هذا المقال سوف نطوف ببعض النماذج من العالم العربي، فمن أمثلة متاحف المشاهير في مصر متحف محمود مختار، (1891-1934) أشهر مثال مصري، ومعلم الأجيال، وذاكرة الأمة، وصاحب تمثال نهضة مصر. وظهر متحفه للضوء على يدي جماعة "أصدقاء فن مختار"، التي تكونت بعد وفاته في سنة 1934، وكانت ترأسها السيدة هدى شعراوي، واتجهت الجماعة إلى إقامة متحف لحفظ تراثه، ولاقت الفكرة ترحيبًا وتعاونًا من عائلة الفنان وورثته، الذين تنازلوا بغير تردد عن الأعمال الفنية التي تركها في باريس والقاهرة، من أجل تنفيذ هذا الهدف، ودشن متحفه عام 1938 بإشراف وزارة المعارف، ونقلت تماثيله من باريس إلى القاهرة لتضم إلى المتحف، إلا أن المتحف اكتمل عندما تولى الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، وزارة المعارف في الوزارة الوفدية (1950-1952) فعمل على إعادة بقية آثار مختار من باريس لإعداد المتحف الذي تعهدت الدولة بإقامته لأعماله، وعندما تولى الدكتور ثروت عكاشة وزارة الثقافة والإرشاد القومي (1958-1962) حرص على إقامة بناء جديد خاص للمتحف، فكان أول متحف من نوعه شيدته مصر في بقعة جميلة بالعاصمة في حديقة الحرية بأرض الجزيرة تكريمًا للمثال الرائد. وافتتح عام 1962 في إطار الاحتفال بمرور عشر سنوات على ثورة يوليو 1952 المجيدة. ومن أشهر محتويات المتحف تماثيل: كاتمة الأسرار، رأس سعد زغلول، حاملة الجرة، إيزيس، رأس فتاة مصرية، نحو الحبيب، عند لقاء الرجل، الفلاحة، حارس الحقول، عروس النيل، الراحة، بنت الشلال، على شاطئ الترعة، على ضفاف النيل، العودة من السوق، الحزن، سيدة جالسة، لقية في وادي الملوك، بائعة الجبن، إلى النهر، العودة من النهر، فلاحة ترفع الماء، شيخ البشاريين، رياح الخماسين، مناجاة، فون إله الحقول، القيلولة، رأس الدكتور علي إبراهيم، ابن البلد، رأس زنجية، وغيرها.
تعرف مصر متحفًا آخر لأحد المشاهير، هو متحف محمد محمود خليل وحرمه،(1877-1953) في القصر الذي أوصى المرحومان بأن يؤول إلى الدولة بعد وفاتهما، بما يحتويه من تحف فنية نادرة، جمعها صاحب المتحف بمعاونة خبراء الفن الفرنسيين على مدار أربعين عامًا، كما يحتوي المتحف كذلك على لوحات ثمينة من أعمال فنانين إنجليز وبلجيكيين وإيطاليين من القرن التاسع عشر، ثم لوحات لبعض المصورين المصريين المعاصرين، منهم محمود سعيد، وإيمي نمر، ويضمّ المتحف مجموعة قليلة من التماثيل، إلا أنها تُعطي فكرة صحيحة عن تطور هذا الفن في فرنسا ابتداءً من هودون، الكلاسيكي الواقعي الذي نال شهرة عالمية في نحت التماثيل الشخصية، إلى باري، نحات الحيوانات الكبير، وأخيرًا رودان، قمة النحت الفرنسي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وبالمتحف تمثال نصفي من البرونز لسعد زغلول باشا (1858-1927) أبرز الزعماء المصريين على مدار التاريخ. وبالمتحف مجموعة نادرة من الأحجار الكريمة، وأخرى من اللاك الصيني والياباني، وثالثة من القيشاني الشرقي والغربي، وبهذا تتعدد أنواع الفنون الجميلة والفنون التطبيقية في المتحف، ويُعدّ ثاني متحف للفن الأوروبي الحديث في الشرق العربي، وفي مصر بعد متحف الجزيرة للفنون الأوروبية، وكلاهما يضمّ أكبر وأثمن مجموعات الفن الغربي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
وتشهد مدينة الإسكندرية، عروس البحر الأبيض المتوسط، متحف محمود سعيد، (1897-1964) بمنزله، ليضمّ الكثير من أعماله لتُتاح أمام أبناء الوطن كمثل يُحتذى لمن اعتزوا بتراث بلدهم وأضافوا إليه إضافات جديدة فيها ثراء للفن والمجتمع، وليؤكد على ما أداه نحو الحركة الفنية المعاصرة في مصر، فهو أحد الرواد المصريين الذين وضعوا للفن التشكيلي المعاصر الأسس القويمة نحو فن مصري في النصف الأول من القرن العشرين، ويُعدُّ بتجاربه المتعددة، وثقافته الواسعة، مدرسة خاصة في التصوير، آمن برسالة الفن التشكيلي في مصر، وشارك في المعارض الداخلية والخارجية، وشجع كل محاولة شابة في طريق الفن مما جعل الدولة تُكرمة بالجائزة التقديرية في حياته، وتضمّ بعضًا من أعماله إلى متحفه بعد وفاته؛ لتكون تراثًا يدعم الحركة الفنية حاضرًا وتاريخًا تعتز به الأجيال المصرية.
وتعرف دولة قطر نموذج لمتاحف المشاهير، إذ يأتي متحف الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني، الذي يحرص على نشر المعرفة المتحفية لتعميق الفهم التاريخي للتراث العربي والإسلامي والإنساني، ويضمّ المتحف ثلاث مبان تبلغ مساحتها 35 ألف متر مربع، بنيت على طراز القلاع الخليجية، ويضمّ 18 جناحًا، تجمع بين جدارنها وفي خزائنها المقتنيات المتنوعة والمختلفة التي يمتلكها مؤسس المتحف، فتضمّ قاعات للسلاح الإسلامي، والفنون الإسلامية، والأعمال المعدنية والزجاجية الإسلامية، والمنسوجات والحلي الإسلامية، والمخطوطات واللوحات، والمتحجرات، والسجاد الشرقي، والنقود والعملات، والطوابع البريدية، والسفن القطرية، ولوحات الخط العربي، وبيت القرآن، وبيت الأديان، والبيت القطري التراثي، والفنون الموسيقية، والسيارات الكلاسيكية، والفنون التشكيلية القطرية، وغيرها، وذلك في إطار جهوده للتعريف بالتاريخ العربي والإسلامي والإنساني. ولهذا نال المتحف عضوية المنظمة العالمية للمتاحف التابعة لليونسكو عام 2002. والمتحف في المحصلة يهدف لعرض المقتنيات الخاصة بالشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني، فضلاً عن أنه يضمّ المتحف مكتبة تحتوي على أكثر من 12 ألف مجلد من أهم الموسوعات التاريخية العربية، ومجموعة ضخمة من دواوين الشعراء العرب، وعددًا كبيرًا من الموسوعات الفقهية والدينية، إلى جانب الكتب الأدبية والروايات وكتب اللغة والنحو وغيرها.
يوجد في دولة الكويت متاحف للمشاهير، منها متحف طارق السيد رجب، وهو متحف تخصصي يهدف إلى نشر الثقافة، وتمّ تشييد المبنى في عام 1978، على مساحة 1600 متر مربع، وافتتح رسميًّا عام 1980، ويضمّ المخطوطات المبكرة، والأدوات الزجاجية، والمخطوطات، والحلي والمجوهرات، والسيراميك، والأزياء والنسيج، والأدوات المعدنية، والآلات الموسيقية، والأسلحة الإسلامية، وبه مكتبة تحتوي على أكثر من 12 ألف كتابٍ في التاريخ والفن والسيراميك والفخار والجغرافيا، والهندسة المعمارية، والمعادن، والأدوات المعدنية، والكتب النادرة، والأزياء والنسيج والمخطوطات، والأسفار والحلي والمجوهرات، والزجاج، وغيرها.
ومن أشهر متاحف المشاهير في الكويت متحف بيت ديكسون، وهو متحف تاريخي يتبع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ويرجع تاريخ إنشائه إلى بدايات القرن التاسع عشر، تقريبًا عام 1894، على مساحة 1800 متر مربع، وخلال المدة (1910-1917) جرت تعديلات على البيت بعد أن استأجره المعتمد السياسي البريطاني نوكس في أغسطس 1904، وفي عام 1915 أفتتح البيت رسميًّا كأول مكتب للبريد في الكويت، ثم أصبح مقر المعتمد البريطاني في عام 1929، وهي السنة التي عُين فيها الكولونيل ديكسون معتمدًا لبريطانيا في الكويت، وقام وزوجته فيوليت بإجراء عمليات إصلاح وإعادة بناء متواصلة طوال مدة معيشتهم بالبيت حتى وافته المنية في سنة 1959، وواصلت أرملته العيش في البيت وعرفت عند الكويتيين باسم "أم مسعود"، وبقيت في البيت حتى نقلت إلى بريطانيا على كره في أثناء حرب الخليج 1990، وتوفيت هناك، فتحول المبنى إلى متحف بإشراف المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وأعيد ترميمه وتزويده بصور المعتمدين البريطانيين في الكويت، ومقتنيات عائلة ديكسون في تلك الحقبة، وسمي البيت باسمه، لما عرف عنه من حبه للكويت، وافتتح رسميًّا في 23 يناير 2001، ويضمّ صالات العرض ومكتبة، وقاعة المحاضرات، ومركز المعلومات، ومكتبة تحتوي على الإصدارات الخاصة بالعلاقات الكويتية البريطانية.
وتُعد لبنان رائدة فى وضع حجر متحف المشاهير في الطريق لمغارة جعيتا من أروع متاحف المشاهير، إذ يضم مشاهير عرب ولبنانيين. وفيه 50 تمثالاً بالسيليكون لمشاهير سياسيين وفنانين، بعضها يتحرك ويتكلم، وبعضها يغني. وفي جبل لبنان يوجد متحف ماري باز في دير القمر، والذي يضمّ حوالى 100 تمثال لشخصيات أدبية وفنية وسياسية لبنانية، وفيه 85 تمثالًا من الشمع لوجوه لبنانية شهيرة منذ القرن السادس عشر حتى اليوم، وافتتح للزوار في 7 يوليو 1997. وكذلك متحف نقولا سرسق، وهو متحف الفن الحديث في لبنان، بين 1961 واليوم، وفيه مجموعة قطع وأعمال فنية إسلامية.
ويوجد في لبنان كذلك متحف أمين الريحاني، والذي يضمّ مقتنياته، وتعود فكرته إلى هجرة أمين الريحاني في عام 1940 من لبنان، فعكف شقيقه ألبرت على جمع تراثه من كتب ومخطوطات ورسائل وأوراق خاصة ومقتنيات، فقضى أربعة عشر عامًا في مهمة شاقة تمكن من خلالها جمع معظم التراث ليشكل بذلك نواة المتحف عام 1953، وتابع ألبرت مهمته إلى أن وقف على كل أعمال شقيقه أمين ومتروكاته. وفي عام 1990 افتتح المتحف أمام الزوار، ليعرض تراث وأعمال أمين الريحاني، ويضم عشرة أجنحة، وفيه صور للعائلة والمؤلفات من عربية وإنجليزية. وصور ووثائق لنشاطات وتكريمات الريحاني، ومجموعة من الرسوم الفنية لعدد من الأدباء والشعراء والفنانين الأمريكيين، الذين شاركوا في النشاطات الأدبية والفنية مع الريحاني، وبعض خصوصياته كالآلة الكاتبة ونماذج من قصائده بالإنجليزية، ومجموعة من الصور الفوتوغرافية لملوك ورؤساء البلدان العربية التي زارها، والرسائل المتبادلة بينهم وبينه. وبعض المخطوطات، ومحاضراته ومراسلاته مع بعض المستشرقين، والتكريم الذي شهده من النادي الثقافي الأسباني في مدريد، والأندية اللبنانية والسورية في أمريكا وكندا. وأخيرًا ما كتب عنه في حياته وبعد مماته، بالصحافة العربية والأجنبية، والمؤلفات والأطروحات التي وضعت عنه بلغات مختلفة. وخُصّص بالمتحف جناح لزوجته، وهي فنانة أمريكية تزوجها عام 1916، ولم ينجب منها. وفي هذا الجناح مجموعة من لوحات زيتية ورسوم كاريكاتورية بالرصاص تُشكّل جميعها نموذجًا متكاملاً لأعمال "برثا" التشكيلية التي درست الرسم مع كبار فناني عصرها. وفي هذا الجناح سرير الريحاني النحاسي إلى جانب صندوق من صناديق ثيابه على الصيغة التي كانت مألوفة في زمنه.
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- التاريخ الأوروبي وتاريخ أوروبا
- مكتبة المسجد النبوي الشريف
- الاستشراق الجديد و الإسلام
- مدارس الخط في العالم العربي
- نشأة التشيع وإشكالية خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم
- موقف الغرب من القرآن الكريم
- التراث المادي والتراث المعنوي
- نماذج من متاحف المشاهـير في العالم العربي
- التوسع العثماني.. مجاله وكيف وقع تنظيمه
- أرمن بغداد بأقلام رحالة
- أوائل ترجمات معاني القرآن الكريم في اللغات الأوروبية
- إقطاعية تبنين «تورون» وقلعتها في عصر الحروب الصليبية
- التراث والمعاصرة في الخطاب الإعلامي المعاصر
- الأفلاج في كتابات رحالة أوروبيين في شرقي الجزيرة العربية
- ألعاب أطفال البدو في كتابات الرحالة
- الرحالة الغربيون وآثار الشرق في متاحف الغرب
- هل فارتيما أول حاج أوروبي إلى مكة المكرمة؟
- ليوا في كتابات الرحالة الغربيين
- العلاج بالكي عند البدو كما رصده الرحالة الغربيون
- رحلات الصيد في الجزيرة العربية بعيون الرحالة الغربيين
- أبو ظبي في كتابات الرحالة الغربيين
- رحلة ثيسجر إلى تهامة في عام 1945
- رؤيــة الـرحـالـة للتحية البدوية
- آلات الطرب البدوية في كتابات الرحالة
- الأمومة عند بدو العراق والجزيرة العربية كما رآها الرحالة الغربيين
- الأهازيج الشعبية كمصدر تاريخي
- الـصــور الفوتوغرافية مصدرًا تاريخيًا
- رؤية الرحالة لطقوس وعادات الأعراس في الجزيرة العربية
- عالمية الإسلام والعولمة الغربية دراسة مقارنة
- هل كان جون فيلبي رحالة أم جاسوسًا؟
- البولندي برثالاميوس شاهمان وعامان في الدولة العثمانية
- منهجية التوثيق من مواقع الانترنت
- رحلات لويس شيخو للبحث عن المخطوطات
- تداعيات الحرب العالمية الأولى على الشرق الأوسط
- الحقيقي والمتخيل في رواية «غصن أعوج» لأحمد عبدالملك
اكتب تعليقك