الطاقة الذرية والمتجددة .. قوة دافعة نحو توطين التقنية وتأصيل المعرفةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-11-25 02:19:14

أ.د. عبد الله بن محمد الشعلان

قسم الهندسة الكهربائية - كلية الهندسة - جامعة الملك سعود - الرياض

مقدمــــة 

تأسست مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة بموجب الأمر الملكي رقم أ/ 35 وتاريخ 3/ 5/ 1431هـ

كي تتولى هذه المدينة مهام إعداد برامج الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في المملكة، وبخاصة في مجالات توليد الكهرباء والطاقات المتجددة وتحلية المياه وتحضير النظائر المشعة لاحتياجات الأبحاث الطبية والصناعية، مما سيمكن المملكة من استشراف حاجة المجتمع والتخطيط لتلبيتها بشكل دقيق ومدروس، يساعد في زيادة معدلات التنمية، ويعطي المملكة القدرة المعرفية ضمن الاتفاقات والمعاهدات الدولية المتعلقة بموضوع الأمان النووي، التي تنظم استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، وتوفر المواد الضرورية للاستخدامات الطبية والزراعية والصحية وكافة الاحتياجات الوطنية، وهذه المدينة تفتح بابًا واسعًا للمساهمة في التنمية المستدامة في المملكة، وذلك باستخدام العلوم والأبحاث والصناعات ذات الصلة بالطاقة الذرية والمتجددة في الأغراض السلمية، بما يؤدي إلى توطين التقنية ورفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة، وبخاصة أن المملكة تشهد نموًا مطردًا وبمعدلات عالية للطلب على الكهرباء والمياه المحلاة، وذلك نتيجة للنمو السكاني والامتداد الحضري إلى جانب الأسعار المدعومة للمياه والكهرباء، ويقابل هذا الطلب المتنامي على الكهرباء والماء طلبًا متزايدًا على الموارد الأحفورية (النفط والغاز) الناضبة لاستخدامها في توليد الكهرباء وتحلية المياه، التي ستستمر الحاجة لتوفيرها بشكل متزايد، ولذلك فإن استخدام مصادر بديلة مستدامة وموثوقة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة يقلل من الاعتماد على تلك الموارد ومن ثم يوفر ضمانًا إضافيًّا لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه في المستقبل ويحفظ في الوقت ذاته تلك الموارد الأحفورية، الأمر الذي سيؤدي إلى إبقائها مصدرًا للدخل لحقب طويلة من الزمن.

الكهرباء والماء من الطاقة الذرية

تزود الطاقة الذرية دول العالم بأكثر من 16% من الطاقة الكهربائية؛ فهي تمد 35% من احتياجات دول الاتحاد الأوروبي، كما أن اليابان تحصل على 30% من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة الذرية، بينما تعتمد بلجيكا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا وسلوفينيا وأوكرانيا على الطاقة الذرية لتزويد ثلث احتياجاتها من الطاقة، وذلك لأن كمية الوقود النووي المطلوبة لتوليد كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية أقل بكثير من كمية الغاز أو البترول اللازمة لتوليد الكمية نفسها. فطن واحد من اليورانيوم يقوم بتوليد طاقة كهربائية أكبر من ملايين من براميل البترول، كما أنها طاقة نظيفة لا تطلق غازات ضارة في الهواء كغازات ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت والنيتروجين التي تسبب الاحتباس الحراري والمطر الحمضي والضباب الدخاني. ومن الجدير ذكره أن الحديث عن إنتاج الماء بتحلية مياه البحر المالحة قد يسير بشكل متواز مع عملية إنتاج الكهرباء من الطاقة الذرية، حيث تستغل الحرارة الناتجة من تلك الطاقة في تبخير مياه البحر، ومن ثم تحويلها إلى مياه عذبة صالحة للشرب، كما هو المعمول بها لدينا في منطقة الخليج العربي، ولكن من خلال تطبيق الطرق التقليدية في إنتاج الطاقة الحرارية.

ماهية الطاقة الذرية

تعد الطاقه، الذرية من أعظم مصادر الطاقة في العالم، حيث يمكن استغلالها في مناحي شتى كتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وفي استخلاص النظائر المشعة في الطب وتحسين المنتجات الزراعية وغير ذلك من الاستخدامات السلمية التي لا حصر لها، بيد أنها من جانب آخر ينظر إليها على أنها من أكثر مصادر الطاقة حساسية وأكثرها إثارة للجدل والهواجس كونها قد تستخدم في صنع القنابل النووية أعظم الأسلحة فظاعة وأشدها فتكًا وتدميرًا. ويعرف عنصرا اليورانيوم والبلوتونيوم على أنهما العنصران المستخدمان في إنتاج الطاقة عن طريق الانشطار النووي، إذ إن كل ذرة من ذرات اليورانيوم والبلوتونيم لها نواة عند مركزها تتكون من (بروتونات ونيوترونات)، وعند الانشطار النووي تتصادم ذرة النيوترون مع ذرة اليورانيوم وعندئذ تنفلق النواه إلى جزئين مطلقة كمية هائلة من الطاقة كما أنها تحرر نيوترونين أو ثلاثة لتتصادم هذه النيوترونات مع ذرات أخرى، ويحدث الانشطار نفسه  في كل مرة، وهو ما يسمى بالتفاعل المتسلسل، ولهذا يمكن أن يحدث ملايين الملايين من الانشطارات في جزء من المليون من الثانية، وهذا هو ما يحدث بالفعل عندما تنفجر قنبله نووية. وعندما تنتج طاقة نووية للأغراض السلميه العادية فإن الانشطارات تحدث في آلة مصممة، لذلك تسمى المفاعل النووي أو الفرن الذري، حيث يتم التحكم في سرعة الانشطارات بطرق مختلفة منها استخدام قضبان التحكم في عزل بعض النيوترونات بعيدًا عن عملية التفاعل.

استخدامات الطاقة الذرية

تستخدم الطاقة الذرية في وقتنا الحاضر في أغراض ومناح شتى، منها توليد الطاقة الكهربائية، كذلك يمكن من خلالها تسيير السفن الضخمة (عابرات المحيطات)، وكذلك الغواصات لأن المفاعلات النووية لا تحتاج إلى أكسجين، ولذا يمكن للغواصات النووية البقاء تحت الماء لحقب زمنية طويلة. كذلك تستخدم الطاقة النووية في الطب حيث إن هناك أنواعًا معينة من الذرات الناتجة في أثناء الانشطار النووي تساعد الأطباء في تشخيص بعض الأمراض ومكافحتها، وتسمى هذه الذرات بالنظائر المشعة، وهي ذات استخدامات أخرى كثيرة في الصناعة والزراعة. كذلك يمكن استغلال الطاقة الحرارية الناتجة عن الانشطار النووي في تحلية مياه البحر والحصول على مياه عذبة، كما يمكن استغلال هذه الحرارة في تشغيل توربينات لتوليد الكهرباء، كما يحصل استغلالها الآن بالطرق التقليدية لتحلية مياه البحر المالحة لدينا في دول منطقة الخليج العربي.

اعتبارات السلامة والأمان في استخدامات الطاقة الذرية

هناك جهود كبيرة بذلت وتبذل في أثناء عمليات تصميم المفاعلات النووية وبنائها من أجل الوصول إلى أعلى درجات السلامة والأمان. ومن المعروف أن كل دولة تستخدم الطاقة الذرية في كافة الأغراض السلمية، تنشئ هيئات رقابية حكومية ومستقلة لمراقبة استيراد وتركيب وتشغيل وتخزين كل الأجهزة والمواد التي يصدر عنها إشعاعات مؤينة ضارة بالصحة والكائنات النباتية والحيوية. ويصبح وجود هذه الهيئة أكثر ضرورة عند البدء ببناء مفاعلات بحثية أو مفاعلات لإنتاج الطاقة.

خيارات الطاقة الذرية

إن اعتماد خيار الطاقة الذرية في المستقبل يرتكز أساسًا على عدة عوامل جوهرية، منها مدى توفر المصادر الأخرى للطاقة (بترول، فحم، غاز طبيعي، طاقات متجددة)، كذلك مدى الوعي البيئي ووجود الجهة المستثمرة (دولة، قطاع خاص)، كذلك مدى المستوى التقني لامتلاك التقنيات النووية في ميدان المفاعلات النووية، كذلك مدى نمو الطلب على الطاقة في البلد، إذ يرتبط بالنمو المتزايد والنشاط الاقتصادي العالمي، كذلك توفر الوقود النووي الذي يعتمد على ما هو متوفر من اليورانيوم أو ما يمكن توفيره عبر اكتشافات جديدة بتقنيات جديدة. وهناك أيضًا عدة عوامل جوهرية يجب أخذها في الحسبان عند التفكير في الاستحواذ على الطاقة الذرية واستغلالها والاستفادة منها، ومن تلك العوامل ما يلي:

أ)  إدارة النفايات المشعة: يجب أن يتم التفكير فيه لاسيما على ضوء التكلفة العالية للتخلص من تلك النفايات وإيجاد أماكن تدفن فيها (عميقًا) تحت سطح الأرض، مع العلم بأن مراكز البحوث الذرية في جميع أنحاء العالم تعمل جاهدة على التخلص من تلك النفايات الضارة بإيجاد تقنيات حديثة آمنة لحل تلك المعضلة.

ب‌) الأمان النووي: وهو ذو سجل مثير للجدل بالنظر للحوادث المأساوية المثيرة للفزع كالحادثة التي حصلت في جزيرة الأميال الثلاثة بولاية بنسلفانيا بأمريكا في 28 مارس 1979م، وما أحدثته من هروب للسكان القريبين منها، وكذلك حادثة مفاعل تشيرنوبل في روسيا، والتي حدثت في 26 أبريل من عام 1986م، والتي تعد أكبر كارثة نووية شهدها العالم، وكذلك أحدث حادثة وهو كارثة زلزال اليابان الكبير الذي وقع في 11 مارس 2011م وما تبعه من انفجار مفاعل فوكوشيما النووي، وريما يؤدي التوسع في استخدام القدرة النووية إلى زيادة احتمالات وقوع مثل هذه الحوادث العارضة مما يستدعي جهودًا إضافيةً وخططًا استبقاقية، لتلافي مثل تلك الحوادث وتجنب أخطارها الماحقة.

ج‌) إنتشار الأسلحة: إن المخاوف من انتشار السلاح الذري يساهم في عدم التمكن من اعتماد الخيار الذري في بعض الدول لا سيما تلك التي يتوجب عليها شراء المفاعلات والمواد النووية من الخارج وكيفية علاج والتخلص من نفاياتها.

د)  موقف الرأي العام من الطاقة الذرية: إن درجة القبول لدى الرأي العام تحدد مدى قيام متخذي القرار باعتماد الخيار الذري كمصدر ضمن مصادر الطاقة الأخرى.

هـ) توفير المهارات في الميدان الذري: ويعد هذا الأمر مهمًا في ظل وجود قرار باعتماد الخيار النووي، حيث إن الوصول بالمهارات الوطنية في أي ميدان -لاسيما ميدان الطاقة الذرية- يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، وبرغم توفر هذه المهارات في الدول الكبرى فإنها بدأت تحس بالقلق إزاء تقلص الاهتمام بهذا التخصص في الجامعات ومراكز البحوث، لذا وضعت مشاريع وطنية ودولية (بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية) للحفاظ على المعرفة، وهذا ما يستدعي أن تتحول الدول الأخرى بمجهودات إضافية لتوفير حد معقول من المهارات النووية ذات الأغراض والتوجهات السلمية.

و) البحث والتطوير: إن وجود مهارات وكفاءات في علوم الطاقة الذرية مؤهلة ومدربة على إنتاجها وإدارتها والهيمنة عليها سيؤمن اندفاعًا في مجالات البحث والتطوير لاستغلال أمثل للطاقة الذرية بوصفها مصدرًا ثريًّا وموثوقًا وآمنًا من مصادر الطاقة المستقبلية يمكن الركون إليه والاعتماد عليه.

الخاتمـــة

إن حجم التحديات المصاحبة لقضايا مصادر الطاقة وتأثيراتها على السلامة والصحة والبيئة ستبقى في العقود القادمة كبيرة ومثيرة للجدل، ويبقى على الدول التي تمتلك القدرات الذرية والنووية أن تساهم في تطوير مفاعلات أكثر أمانًا وأقل تكلفة وأفضل جذبًا للاستثمار التجاري، بيد أن القرار يبقى غير كاف، إذ يجب أن يسبقه قرار بإعداد العلماء والمهندسين والفنيين القادرين على مواكبة تصميم وتركيب تلك المفاعلات وتشغيلها بكفاءة وأمان. ويمكن القول: إن هذا القرار يجب اتخاذه بغض النظر عما إذا كان ثمة خطط لبناء مثل تلك المفاعلات النووية أم لا، فبدلاً من أن نوجه طلابنا نحو دراسات لا ولن تجدي، يتوجب أن يكون هناك توجيه نحو دراسات الطاقة الذرية للأغراض السلمية. إن الحاجة لوجود علماء ومهندسين وفنيين في ميدان الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية هي حاجة جلية وملحة سيما في وقتنا الحاضر، وقبل أن يفوتنا القطار ثم نتطلع حولنا فنجد العالم قد سبقنا، ونحن ما برحنا نراوح مكاننا ولازلنا ننتظر الركوب للمحطة القادمة، وهذا ما تجلت عنه الرؤية الحصيفة للمملكة 2030 في السباق مع الزمن واللحاق بالركب قبل فوات الأوان.


عدد القراء: 5237

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-