الخلايا الشمسية بداية عصر جديد للطاقات المتجددةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2019-02-05 14:30:08

أ.د. عبد الله بن محمد الشعلان

قسم الهندسة الكهربائية - كلية الهندسة - جامعة الملك سعود - الرياض

مقدمة

خلق الله الشمس والقمر وكافة الكواكب والأجرام السماوية كآيات وشواهد دالة على اتساع ملكوته وكمال قدرته وعظم سلطانه وجعل شعاع الشمس مصدرًا للضياء على الأرض وجعل الشعاع الساقط على سطح القمر والمنعكس منه نوراً (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا) يونس: 5، فالشمس تجري في الفضاء الخارجي بنظام متزن أي أن مدار الأرض حول الشمس محدد وبحساب دقيق، وأي اختلاف في مسار الأرض سيؤدي إلى تغيرات مفاجئة في درجة حرارتها وبنيتها وغلافها الجوي، وقد تحدث كوارث إلى حد لا يكون عندها بقاء للحياة في كوكبنا الأرضي فقدرة الله تعالى وحدها جعلت الشمس الحارقة رحمة ودفئًا ومصدرًا للطاقة حيث تبلغ درجة حرارة مركزها لملايين من درجات الحرارة المعروفة لدينا بحيث تتدرج في الانخفاض حتى تصل عند السطح إلى تلك الدرجات التي نستطيع من خلالها أن نكيف حياتنا على هذه الأرض (كائنات حية ونباتات)، حيث أضحت طاقة الشمس المصدر الرئيسي للطاقة في كوكب الأرض ومنها توزعت وتحولت إلى مصادر الطاقة الأخرى كتلك المخزونة في طاقة الرياح والطاقة الحرارية في جوف الأرض والطاقة المولدة من مساقط المياه والطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة كالفحم الحجري والأخشاب، وبما أن الطاقة الشمسية هي أهم مصادر الطاقة المتجددة خلال القرن القادم فإن جهود كثير من الدول تتوجه لها بمختلف صورها وترصد لها المبالغ اللازمة لتطوير الدراسات والمنتجات المتعلقة باستغلال الطاقة الشمسية كإحدى أهم مصادر الطاقة البديلة للنفط والغاز القابلان للنضوب والتلاشي، ولقد قد أعطى النصيب الأوفى والأوفر في البحوث والتطبيقات لمجال تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية وهو ما يعرف بـ "الخلايا الشمسية solar cells" أو بمسمى آخر "الكهرضوئية photovoltaics"، وهذا المصدر من الطاقة هو أمل الدول النامية في التطور حيث أصبح توفر الطاقة الكهربائية من أهم العوامل الرئيسة لإيجاد البنى الأساسية فيها حيث لا يتطلب إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية إلى محطات مركزية للتوليد بل تنتج الطاقة وتستخدم  في ذات المنطقة أو المكان وهذا ما يوفر الكثير من تكلفة النقل والمواصلات، حيث تعتمد هذه الطريقة بصورة أساسية على تحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية، وتوجد في الطبيعة مواد كثيرة تستخدم في صناعة الخلايا الشمسية والتي تجمع بنظام كهربائي وهندسي محدد لتكوين ما يسمى باللوح الشمسي والذي يعرض لأشعة الشمس بزاوية معينة ووسائل لمتابعتها ليتم إنتاج أكبر قدر وحجم وكمية من الطاقة الكهرباء.

ورغم أن الطاقة الشمسية قد أخذت تتبوأ مكانة هامة ضمن البدائل المتعلقة بالطاقة المتجددة إلا أن مدى الاستفادة منها يرتبط بوجود أشعة الشمس طيلة وقت الاستخدام أسوة بالطاقة التقليدية، وعليه يبدو أن المطلوب بعد تحويل تلك الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية هو تخزين تلك الطاقة للاستفادة منها أثناء فترة احتجاب الإشعاع الشمسي. وهناك عدة طرق تقنية لتخزين الطاقة الشمسية تشمل التخزين الحراري الكهربائي والميكانيكي والكيميائي والمغناطيسي. وتعد بحوث تخزين الطاقة الشمسية من أهم مجالات التطوير اللازمة في تطبيقات الطاقة الشمسية وانتشارها على مدى واسع، حيث أن الطاقة الشمسية رغم أنها متوفرة إلا أنها ليست في متناول اليد وليست مجانية بالمعني المفهوم. فسعرها الحقيقي عبارة عن المعدات المستخدمة لتحويلها من طاقة كهرضوئية إلى طاقة كهربائية وكذلك تخزينها إذا دعت الضرورة. ورغم أن هذه التكاليف حالياً تفوق تكلفة إنتاج الطاقة التقليدية إلا أنها أخذة في الانخفاض المتواصل بفضل البحوث الجارية والدراسات المكثفة.

وقد أثبتت التجارب والتطبيقات العلمية والعملية إمكانية استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء على نطاق تجاري، وقد منّ الله سبحانه وتعالى على بلداننا العربية في أراضيها الواسعة وأرجائها المترامية بكميات وافرة من الأشعة الشمسية، ومما ساعد في البحوث والدراسات لهو التطور الكبير في التقنية والتقدم العلمي الذي وصل إليه الإنسان والذي فتح آفاقًا علمية جديدة في مجالات استغلال الطاقة الشمسية، هذا بالإضافة إلى ما تمتاز به الطاقة الشمسية بالمقارنة مع مصادر الطاقة الأخرى في بساطتها وعدم تعقيدها بالإضافة إلى أنها طاقة نظيفة لا تلوث والبيئة المحيط ولا تترك مخلفات أو فضلات مما يكسبها وضعًا خاصًا في هذا المجال وخاصة في القرن القادم.

الخلايا الشمسية

يمكن تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية وطاقة حرارية من خلال آليتي التحويل الكهرضوئي والتحويل الحراري للطاقة الشمسية ويقصد بالتحويل الكهرضوئي تحويل الإشعاع الشمسي أو الضوئي مباشرة إلى طاقة كهربائية بوساطة الخلايا الشمسية (الكهرضوئية)، وكما هو معلوم هناك بعض المواد التي تقوم بعملية التحويل الكهرضوئية تدعى أشباه الموصلات كالسيلكون والجرمانيوم وغيرها. وقد تم اكتشاف هذه الظاهرة من قبل بعض علماء الفيزياء في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حيث وجدوا أن الضوء يستطيع تحرير الألكترونات من بعض المعادن، وقد نال العالم أينشتاين جائزة نوبل في عام 1921م لاستطاعته تفسير هذه الظاهرة. وأخذ الاهتمام بهذه الظاهرة يتطور حتى بداية الخمسينيات الميلادية حين تم تطوير شرائح عالية القوة عن مادة السليكون تم وضعها بأشكال وأبعاد هندسية معينة في ألواح مصنعة وقادرة على تحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية، بيد أن تكلفتها كانت باهظة جدًا، هذا وقد كان أول استخدام للألواح الشمسية المصنعة من مادة السليكون في مجال الاتصالات في المناطق النائية، ثم استخدامها لتزويد الأقمار الصناعية بالطاقة الكهربائية حيث تقوم الشمس بتزويد الأقمار الصناعية بالطاقة الكهربائية، ولازالت تستخدم حتى يومنا هذا وبكفاءة عالية وعمر افتراضي يتجاوز العشرين عامًا. ولقد تم تصنيع نماذج كثيرة من الخلايا والألواح الشمسية تستطيع إنتاج الكهرباء بصورة عملية، كما أنها تتميز بأنها لا تحتوي على أجزاء أو قطع متحركة، بالإضافة إلى أنها لا تستهلك وقودًا وعمرها التشغيلي طويل ولا تتطلب إلا القليل من الصيانة وتغيير قطع الغيار. ويتحقق أفضل استخدام لهذه التقنية تحت تطبيقات وحدة الإشعاع الشمسي (وحدة شمسية) أي بدون مركزات أو عدسات ضوئية ولذا يمكن تثبيتها على أسطح المباني ليستفاد منها في إنتاج الكهرباء، كما أن كفاءتها تصل إلى ما يقارب 20% أما الباقي فيمكن الاستفادة منه في توفير الحرارة للتدفئة وتسخين المياه. كما تستخدم الخلايا الشمسية في تشغيل نظام الاتصالات المختلفة وفي إنارة الطرق والمنشآت وفي ضخ المياه وغير ذلك من الاستخدامات والتطبيقات الأخرى. 

تقوم الخلايا الشمسية بتحويل الأشعة الشمسية مباشرة إلى طاقة كهربائية. ويقوم مبدأ عمل تلك الخلايا على تحويل جزء من الإشعاع الشمسي إلى طاقة كهربائية بشكل مباشر. وتصنع الألواح الشمسية من وصلة ثنائية تتكون بين طبقتين من السيليكون مختلفتين في نوعية الشوائب المضافة. وعندما تتعرض الألواح الشمسية للضوء تتحرر الإلكترونات من إحدى الطبقتين إلى الأخرى وينشأ فرق جهد كهربائي ينتج تلك الشحنات الكهربائية.

إن كفاءة الألواح الشمسية بشكل عام معقولة (في حدود 20%) وهذا يعني أنه إذا كانت الطاقة الشمسية الساقطة على لوح شمسي ذي كفاءة 15% تساوي 1000 واط/م2 فإنه سيتم تحويل 150 واط/م2 إلى طاقة كهربائية في درجة حرارة الظروف المثالية التي تكون عند 25 درجة مئوية، ويعنى ذلك أن جزءًا صغيرًا فقط من الإشعاع الشمسي الساقط على الألواح الشمسية يتم تحويله إلى كهرباء، ولكن ما مصير الجزء الأكبر من هذا الإشعاع الساقط على اللوح الشمسي ياترى؟ الجواب، هو أن جزءًا منه يُفقد في البيئة المحيطة باللوح الشمسي على شكل طاقة حرارية وجزءًا غير قليل منه يمتصه اللوح الشمسي ذاته مما يسبب ارتفاعًا في درجة حرارته، ولهذا دلالة على أن درجة حرارة الألواح الشمسية مرتبطة بالإشعاع الشمسي الساقط عليها الذي لا يتم تحويله إلى كهرباء الأمر الذي قد يسبب انخفاضًا في كفاءة الخلايا الشمسية بسبب ذلك القاقد من الطاقة، ولعل هنا يبرز السؤال التالي: لماذا تنخفض كفاءة الألواح الشمسية مع زيادة درجة الحرارة؟ والجواب باختصار وبعدًا عن التعقيد العلمي نقول إن ارتفاع درجات الحرارة يقلل من الطاقة التي تكتسبها حاملات الشحنة - في مادة السيليكون التي تصنع منها الألواح الشمسية - من الإشعاع الشمسي الأمر الذي تقل معه الطاقة المفيدة التي تنتجها وبالتالي يتقلص ما يمكن أن نجنيه من تلك الخلايا الشمسية. 

ومما ينبغي أن يُعلم هو أن مواصفات الألواح الشمسية المدونة عليها عادة ما تكون صحيحة في ظروف مختبرية قياسية (أهمها: 25 درجة مئوية و 1000 واط/متر مربع)، فإذا قيل إن اللوح الشمسي قدرته 150 واط مثلاً فهذا إنما يكون في هذه الظروف القياسية، وأي اختلاف عن هذه الظروف ينتج تغيرًا في هذه المواصفات، فمثلاً كل ارتفاع 10 درجات مئوية فوق 25 درجة مئوية تسبب فقدًاً مقداره 5% تقريبًاً، إضافة إلى ذلك فإن عمر الألواح الشمسية يتأثر بدرجات الحرارة فكلما زادت درجة الحرارة قل العمر الافتراضي لها، ففي حين يكون العمر الافتراضي للألواح الشمسية يتراوح بين 25 و 30 سنة عند درجات حرارة مرتفعة نسبيًا  يمكن أن يزيد عمرها الافتراضي إلى 48 سنة في حال تم تشغيلها عند درجات حرارة أقل وذلك حسب ما ذهبت إليه بعض الأبحاث والدراسات، لذا، يمكن أن يساعد تبريد الألواح الشمسية - بطريقة مناسبة - في الحفاظ على كفاءة الألواح من الانخفاض مما يسهم في زيادة العمر الافتراضي لها ويساعد في تحسين إنتاج الطاقة لكل مساحة متر مربع في نظام الطاقة الشمسية الكهربائية وتوسيع مجال الاستثمار الاقتصادي فيها على نحو تجاري واقتصادي.

وإضافة لما ذكر آنفًا فإن ثمة عوامل رئيسة يجب اعتبارها والأخذ بها في مراحل التخطيط والتصميم والتركيب لتلك الألواح الشمسية ألا وهو اختيار المواقع المناسبة من حيث درجة الحرارة المحيطة لما لذلك من دور رئيس في تحديد كفاءة الألواح الشمسية وجدواها، كما أن زاوية الميل (أو زاوية سقوط الإشعاع الشمسي) وطريقة تركيب الألواح وسرعة واتجاه الرياح وصيانتها من الغبار والأتربة والتلوث  له تأثير لا يستهان به في رفع كفاءتها وتحسين أدائها وإطالة عمرها التشغيلي.

استثمارات الطاقة الشمسية في الوطن العربي

يدرك المهتمون في مجال الطاقات المتجددة أن الأراضي العربية هي من أغنى مناطق العالم بالطاقة الشمسية ويتبين ذلك بالمقارنة مع بعض دول العالم الأخرى، ولو أخذنا متوسط ما يصل الأرض العربية من طاقة شمسية وهو 5 كيلو وات – ساعة/متر مربع/اليوم وافترضنا أن الخلايا الشمسية بمعامل تحويل 10 % وقمنا بوضع هذه الخلايا الشمسية على مساحة 16000 كيلو متر مربع (في الصحراء المغربية على سبيل المثال) لأصبح بإمكاننا توليد طاقة كهربائية تساوي (410 × 400 ميجا واط ساعة في اليوم)، وهذا شيء يفوق أحيانًا أكثر ما نحتاجه في حالة فترة الاستهلاك القصوى. ومن البديهي أيضًا أن مخزوناتنا من الثروات النفطية في بلداننا العربية يحتمل أنها ستنضب بعد مائة عام على الأكثر وهي أفضل المصادر للطاقة في وقتنا الحاضر وذلك لعدم وجود كميات كبيرة من مادة اليورانيوم في بلداننا العربية بالإضافة إلي تكلفة أجهزة الطاقة وتقدم تقنياتها خلال السنوات الخمسين الماضية واحتمال عدم اللحاق بها وهو ما يجعلنا مقصرين في استثمارها، ونأمل أن لا تفوتنا الفرصة في إيجاد تقنيات عربية لاستغلال الطاقة الشمسية وهي لا زالت في مهدها ومشارف انطلاقها وتطورها.

إن لاستخدام بدائل الطاقة مردودين مهمين أولهما جعل فترة استخدام الطاقة النفطية طويلة وثانيهما تطوير مصادر بديلة أخرى للطاقة بجانب مصدر النفط الحالي.

ومن الاستخدامات المحدودة لاستغلال الطاقة الشمسية في البلاد العربية تلك التي تنحصر في تسخين المياه والتدفئة وتسخين برك السباحة، كما  تعتبر الطاقة الشمسية أحسن وسيلة للتبريد حيث إنه كلما زاد الإشعاع الشمسي كلما زادت كفاءة أجهزة التبريد الشمسي وزادت معه سعة التبريد. ولو استعرضنا حركة البحث العلمي والتطبيقات السارية للطاقة الشمسية في الوطن العربي لتبين لنا أن استخدام السخانات الشمسية أصبح شيئاً مألوفاً في بعض البلدان العربية بينما بقيت صناعة الخلايا الشمسية متأخرة بصورة تجارية في جميع البلدان العربية، وقد يعزى ذلك لارتفاع تكلفة إنشاء المصنع الأولية وعدم توفر الكوادر الفنية المدربة والمؤهلة لذلك. إن معظم التجارب الميدانية والمختبرية لاستغلال الطاقة الشمسية في الوطن العربي لا تزال في مراحلها الأولى ويجب تنشيطها والإكثار منها، و لو استعرضنا ما تقوم به دول العالم في هذا المجال وبخاصة الدول المتقدمة صناعيًا والتي لا تملك خمس ما تملكه الدول العربية من الطاقة الشمسية لوجدنا أن ألمانيا وفرنسا واليابان تنفق على مشاريع الطاقة الشمسية ما يعادل جميع ما تنفقه الدول العربية مجتمعة وينطبق هذا على عدد العاملين في مجالات الطاقة المتجددة حيث يعمل في فرنسا وحدها ضعف اللذين يعملون في جميع الدول العربية في هذه المجالات .

الخاتمــــة

وختامًا فإننا نتطلع إلى مزيد من الدراسات والأبحاث الرائدة التي تثري من هذا الجانب الهام في استغلال الطاقة الشمسية كمصدر متجدد للطاقة حيث ندرك أن له مزايا متعددة بيئيًا وصحيًا واقتصاديًا سيسهم بمشيئة الله في تطوير البحث العلمي في جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية وفقًا للخطوات التطويرية الواسعة التي تسير بها في مجالات الاهتمام بقضايا الطاقة والبيئة والمناخ من إيجاد مراكز للتميز البحثي وكراسي البحوث وما يستقطبه ذلك من دعم كبير وتمويل سخي من قبل جهات صناعية وحكومية لتمويل أبحاث تنويع الطاقة وترشيدها وحماية البيئة وسلامتها.


عدد القراء: 5541

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-