الإنسان والبيئةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-11-06 22:37:17

أ.د. عبد الله بن محمد الشعلان

قسم الهندسة الكهربائية - كلية الهندسة - جامعة الملك سعود - الرياض

مقدمـة

لم تكن البيئة في أي وقت مضى تمثل لدينا (بالمملكة العربية السعودية) هاجسًا أو أمرًا له قدره وحسابه حتى انبرى لها إنسان مملوء قلبه بحب وطنه ومفعم وجدانه بالغيرة على طبيعته ومرافقه وسماته ومعالمه وآثاره وتراثه وهو المغفور له صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي كان رائدًا من رواد هذا العمل الإنساني الجليل والبعيد الأثر وفي وقت نحن فيه أبناء هذه المملكة الواسعة الأرجاء المترامية الأطراف في أمس الحاجة إلى التفكير في بيئتنا وسلامتها والحفاظ عليها من جراء ما يعتروها من تحولات ومتغيرات نتيجة لطبيعة الحياة الحاضرة التي نعيشها وما فيها من مستجدات اقتصادية واجتماعية وصناعية وتقنية. ولذا انبثق مشروع "التوعية البيئية السعودي" للاهتمام بالبيئة وحمايتها من أخطار التلوث والذي تتبناه وزارة الدفاع والطيران من خلال برنامج التوازن الاقتصادي بالتعاون مع مصلحة الأرصاد وحماية البيئة وعدد من الوزارات والإدارات والهيئات الحكومية والأهلية الأخرى.

يحلم الإنسان دائمًا بالعيش في وسط بيئة سليمة وصحية ونظيفة خالية من المنغصات والمكدرات المادية والذهنية والنفسية، وإذا توفرت تلك المقومات وانتفت تلك الملوثات يتواصل العمل وتزدهر القدرات ويظهر الإبداع ويتحقق الإنتاج، ومن ثم تسير الحياة على هذا المنوال بأسلوب سوي ونهج قويم. لذلك نتطلع إلى تربة صحية نعيش عليها وماء صاف نشربه وهواء نقي نتنفسه.

ولا شك أن الاهتمام بالبيئة وسلامتها والحفاظ على سماتها الجمالية ومقوماتها التراثية يصب في أولويات مهام وتطلعات الوزارتين الفتيتين وزارة البيئة والمياه والزراعة ووزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، كما هو بلا شك من صميم اهتمامات وتوجهات الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة وذلك نحو تشجيع وتمويل الأبحاث المتعلقة بالبيئة كما تشاركها مراكز البحوث أمثال مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية، كما تنضم إلى القافلة الجامعات السعودية بما لديها من مراكز أبحاث رائدة ذات إمكانات علمية متطورة، لعل هذه الجهود كلها تسهم في الاهتمام بقضايا الطاقة والبيئة ووفقًا للخطوات التطويرية الحثيثة التي تسير بها الجامعات نحو إيجاد مراكز للتميز البحثي وكراسي البحوث وما يستقطبه ذلك من دعم كبير وتمويل سخي من قبل شخصيات وجهات ممولة لتمويل أبحاث تنويع الطاقة وترشيدها وحماية البيئة وسلامتها. 

البيئة وكيف ارتبطت بهاجس الإنسان في حياته ومعاشه في عصره الحاضر

تتجسد البيئة في كل ما يكتنف الإنسان وحياته في هذا الكون من مفاهيم ومظاهر متعددة أهمها الأرض والتربة والهواء والماء، وتمثل البيئة من حيث إنمائها وتطويرها وحمايتها والحفاظ على مصادرها ومقوماتها الطبيعية والاقتصادية هاجسًا عالميًّا تشترك فيه جل إن لم يكن كل دول العالم في عصرنا الحاضر. ولقد برزت مشاكل البيئة والتفكير في إيجاد الحلول لها على مستوى عالمي منذ زمن بعيد، وإن تعددت تلك المشاكل لكنها في نهاية المطاف تلتئم في صورة واحدة وتلتقي في إطار واحد، وهي ما يرتبط بالأرض التي نتواجد عليها والجو الذي نعيش فيه والهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه والمصادر الاقتصادية التي نعتمد عليها بعد الله في حياتنا ومعاشنا.

ماهية المخاطر الطبيعية التي قد تصيب البيئة بالدمار واندثار المعالم وتلاشي المقومات

المخاطر الطبيعية التي قد تترى على البيئة هي تلك الظروف أو العوامل التي تعمل على تدمير الاقتصاد أو تسبب الوفاة (الموت) للإنسان والعناصر الحياتية الأخرى التي تعيش فيها. ومن تلك الظروف تلك التي تكون خارجة عن إرادة أو تحكم الإنسان ذاته مثل الظواهر الجوية المتقلبة والفيضانات والزلازل والبراكين والجفاف والأعاصير والحرائق. أما تلك التي يكون الإنسان عادة مسؤولاً عنها وفي نطاق تحكمه فتنحصر مثلاً في تلوث المياه وتلوث الجو، كذلك التخلص غير السليم والصحي من النفايات والمخلفات السامة، كذلك المخاطر المرتبطة بفشل في الأجزاء المصنعة من أجل الحياة في البيئة مثل انهيار المباني وتداعي الجسور، كذلك التخلص غير السليم والمنظم لمواد خطرة مثل المواد المشعة من محطات التوليد النووية أو انبعاث الغازات الكيماوية من الحاويات المنقولة سواء من السيارات أو القطارات أو البواخر أو الطائرات نتيجة التصادم أو الانقلاب أو الانفجار أو الحريق.

إن التمييز بين الكوارث الطبيعية والإنسانية التي تحدث في البيئة لذو فائدة في التمكين من توجيه وحصر الاهتمام في كيفية التصدي لتلك الكوارث والتحكم فيها وتجنب مخاطرها أو على الأقل التخفيف من آثارها البشرية والمادية والمعنوية. ولكن كيف تقاس تلك الكوارث بمعايير قياسية؟ هناك طريقتان فالأولى عن طريق التأثير الأرضي وتقيس أبعاد الكارثة بحجم الطاقة، والمعيار الثاني يرنو إلى التأثيرات ويحاول قياسها، والفرق بين هذين المعيارين يتمخض في مقياسين تم التوصل إليهما لقياس شدة وتأثير الكوارث الطبيعية، فالأول يعنى بقياس المظهر الطبيعي للأرض ويحاول معرفتها بالحجم أو الطاقة، أما الآخر فيحاول التعرف على الأثر الذي تحدثه وتخلفه تلك الكوارث ومن ثم يعمد إلى قياسها، إن الفرق بين هاتين الطريقتين يمكن التعرف عليه على ضوء المقياسين التي تم التوصل إليهما لقياس الزلازل، فمقياس ريختر (Richter)  يقيس الزلازل بدلالة الطاقة المنبعثة، وهذه الطاقة تقاس بجهاز (السيزموجراف) وهو جهاز في غاية الحساسية جرى معايرته بحيث تدل كمية الإزاحة بواسطة الإبرة بداخل الجهاز على كمية الطاقة المنبعثة والمحمولة بواسطة الموجات السيزموجرافية، وحيث أن القيم التي تعرف بها شدة الزلزال كبيرة جدًّا بدءًا من اضطراب صغير يمكن التقاطه واكتشافه عن طريق الجهاز وقد لا يدركه الحس الآدمي إلى اضطرابات عنيفة تهز المباني وتتصدع لها الأرض، لذا فإن مقياس ريختر مقياس لوغاريتمي (أي ليس خطيًّا) ولهذا قد يسبب أحيانًا بعض الخلط وعدم الفهم في تفسير أرقامه ومعرفة دلالاتها، فمثلاً قد يظن البعض أن زلزالاً شدته 6 قد يساوي زلزالين شدة كل منهما 3 وهذا غير صحيح البتة. أما المقياس الثاني فهو مقياس ميركالي، وهذا المقياس لا يقيس الزلزال ذاته بل يقيس تأثيره على الإنسان وعلى مدى تأثيره التدميري لحياته ومنشآته. وقد يتميز مقياس ريختر على مقياس ميركالي بأن الأول له تطبيق أوسع نطاقًا وأكثر استخدامًا من الثاني وذلك لثباته في أي زمان أو مكان من العالم، ولعل سوءته الوحيدة أنه لا يعكس معلومات عن مدى التدمير الذي وقع لأنه قد يقع بمقياس كبير (7 مثلاً) في منطقة غير آهلة بالسكان فيكون تدميره أقل من مقياس صغير (4 مثلاً) ولكن وقع في منطقة ذات كثافة سكانية وعمرانية كبيرة.

الآثار الرد فعلية لعمليات التحضر المتواترة على البيئة لتشويه سماتها

للبدء في الإجابة على هذا السؤال نرى أن من الأهمية بمكان أن نتعرف على مدى تأثير عمليات التحضر وكذلك التصنيع على البيئة، فبالنسبة لازدياد عدد السكان وكثافتهم فإن ذلك يساعد على انبعاث نسبة كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وتقلص نسبة الأوكسجين في الجو كما أن المساحات الخضراء ستبدأ في التناقص بازدياد مساحات التحضر كما أنه سيزداد الطلب على الماء بصفته مادة حيوية للحياة والاستقرار كما أن الكثافة السكانية لها تأثير على الحياة النفسية والصحية والاجتماعية للسكان، وبازدياد السكان فإن درجات الحرارة ستأخذ في الارتفاع كما أن الإقبال على استنزاف مصادر المياه بسبب التحضر سيزيد من تلوث البيئة، وبالنسبة لوسائل المواصلات فإنها ستسهم في تلوث البيئة عن طريق انبعاث الغازات من الوقود المحترق وانبعاث الأدخنة الكيماوية وبخاصة ما تحتويه من عنصر الرصاص من بعض الماكينات، هناك أيضًا ارتفاع نسبة الضوضاء والمخاطر الصحية نتيجة لذلك وما سيزيد أيضًا من نسبة تلوث الجو.

والمخاطر التي يخلفها التحضر على البيئة وبخاصة المياه كبيرة وبعيدة الأثر بسبب كمية المياه العذبة والصالحة للاستعمال الكبيرة والكثيرة التي يجب توفيرها وتأمينها للسكان وما سيخلفه ذلك من كميات كبيرة أيضًا من مياه الصرف الصحي التي يجب إزاحتها والتخلص منها. وتعد مياه الصرف الصحي وكمياتها الكبيرة مسؤولة إلى حد كبير عن التلوث التي يلحق بمياه الشرب النظيفة والتي تتطلب نفقات كبيرة في تحليتها وجلبها وتوزيعها. كما أن المخلفات والنفايات التي تطرح وتتراكم في الأراضي الخلوية تشكل عاملاً أساسيًّا في تلوث المياه.

إن تأثير الصناعة على البيئة يمثل ضررًا أخف بالمقارنة بالتحضر نظرًا لأن التأثير ينحصر في مجموعة صغيرة من الاهتمامات، فبالنسبة للبتروكيماويات فإن الجو سيتأثر بأعمال المصافي وانبعاث الغازات السامة من المصانع، كما أن المياه ستتأثر من جراء الانبعاثات المنطلقة من المداخن والتي ربما تستقر أخيرًا في مصادر المياه وتختلط بها، كما أن التخلص من النفايات الصناعية أو التسرب الذي يحدث عرضًا أو أثناء النقل أو التخزين، كما أن الحياة الطبيعية والكائنات البحرية ستتأثر قطعًا من جراء العمليات الصناعية، وفي هذا ربما القضاء على الحياة والكائنات الطبيعية، كذلك ستتأثر الصحة العامة بسبب انبعاث الغازات والملوثات السامة.

ويعد التحضر والتصنيع ظاهرتين معروفتين على نطاق عالمي واسع، فهناك الكثير والكثير من البشر يزحفون إلى المدن ويتجمعون للحياة فيها ويقطنون بها مما يزيدها كبرًا واتساعًا، وهذه التجمعات البشرية ذات الكثافة العالية تتطلب مياهًا صاحة للشرب والاستعمال كما تتطلب أيضًا هواءً نقيًّا صالحًا للتنفس والحياة المريحة، تتطلب كذلك التخلص الصحي من النفايات التي تنجم من سير الحياة، كذلك إلى أنظمة حديثة من شبكات المواصلات إلى جانب مرافق الترويح والترفيه.

إن صناعة الزيت ذاتها قد تسبب آثارًا سيئة على البيئة منذ البدء في البحث والتنقيب والتكرير ثم الشحن والاستخدام. فعند البحث عن مكامن الزيت سواء على الأرض أو في أعماق البحار يجب التحكم في الآبار التي يجري التنقيب عنها ومعرفتها جيدًا خشية افتقادها فتكون مصدرًا لتسرب الزيت الذي سيضر قطعًا بالحياة البرية أو البحرية. إن تسرب كميات من الزيت ربما تسبب نفاق وإبادة الطيور وتلوث السواحل ينجم عنه ضرر بيولوجي مدمر على الحياة البحرية والمركبات العضوية قرب الشواطئ مثل القواقع والأسماك. إن تأثر تسرب الزيت في عمق البحر له أيضًا ضرره الفادح على الحياة البحرية والثروة السمكية. كما أن هناك مخاطر وأضرارًا تنجم من تسرب الزيت أثناء إنتاج الزيت وتجميعه قبل البدء بعملية شحنه إلى المصافي ومعامل التكرير، فعند تلك المصافي والمعامل هناك احتمال لانبعاث غازات الهيدروكربون وأكسيدات الكبريت (SOx) والذي ينجم عنه أكسدة المياه ويسبب تبعًا لذلك مشاكل في التنفس للإنسان، كذلك غاز كبريت الهيدروجين (H2S) السام جدًّا وذو الرائحة الكريهة، كذلك غاز ثاني أكسيد الكربون(CO2). ومن المعروف أن الزيت يشحن بواسطة البواخر ذات الصهاريج الضخمة أو بواسطة الأنابيب بكيمات كبيرة؛ وهاتان الوسيلتان ليستا معصومتين من تلويث البيئة، ولقد سمعنا عن الكثير من حوادث غرق البواخر واصطدامها وعطبها والذي نجم عنه تلوث واسع وصل أثره إلى الشواطئ والسواحل. وقد يعد ضخ الزيت في الأنابيب أخف ضررًا على البيئة وذلك لتوفر وسائل التحكم والهيمنة عليه بشكل أكبر.

إن تأثر البيئة بالغاز الطبيعي يعد إلى حد كبير أقل ضررًا من آثار الزيت، فمثلاً انطلاق الغاز الطبيعي (الميثان) في البيئة قد يكون له تأثير بسيط على البيئة بشرط أن لا يكون هناك حريق أو انفجار مصاحب له، فغاز الميثان معروف بأنه سرعان ما يتبخر ويتلاشى بسرعة في طبقات الجو مخلفًا ضررًا لا يذكر على البيئة.   

تأثير تكون وتراكم بعض الغازات السامة مثل ثاني أكسيد الكربون

أحد التغيرات الهامة جدًّا في الوقت الحاضر هو تزايد غاز ثاني أكسيد الكربون في طبقات الجو. وبلا شك فإن تواجد هذا الغاز في الجو مصدره احتراق الوقود الأحفوري، وكذلك القضاء على المساحات الخضراء وإساءة استخدام عناصر التربة. وهناك أيضًا غازات أخرى لها نفس الخصائص تضاف تباعًا إلى الجو المحيط، ويسفر هذا التكون بلا شك إلى تغير في أحوال الطقس والمناخ وبشكل أكثر نحو درجة حرارة أعلى، وهذا بلا شك يؤثر في حياة الإنسان المعيشية والإقتصادية. ويتم قياس نسب غاز ثاني أكسيد الكربون إلى حجم الغازات الأخرى في الجو وتعد هذه النسب مختلفة قرب الأرض وذلك بسبب فعل النباتات الخضراء واستهلاك الوقود. وتدل البيانات والمتابعات التي تمت في هذا المجال أن نسبة هذا الغاز تتزايد بنسبة 4% في كل عقد من الزمان. وحيث أن كمية الغاز ثابتة في الكون فإن تلك الزيادات جاءت من مصادر أخرى مثل حرق الوقود المتمثل في الفحم والزيت والغاز والمخلفات الحيوانية وكذلك القضاء على الغابات والأشجار والمسطحات الخضراء.

ظاهرة الاحتباس الحراري وعلاقتها بالبيئة

إن ظاهرة ما يعرف بالاحتباس الحراري أو البيوت المحمية (greenhouse effect) تؤثر بلا شك على درجة حرارة الجو وعلى سطح الأرض، إذ يقوم غاز ثاني أكسيد الكربون ببعث وامتصاص الأشعة عند موجات ذات أطوال محددة كما هو الحال بالنسبة للأرض والجو، فإذا زاد تركيزه فإن الجو يبذل مقاومة متزايدة أمام الإشعاع المنطلق نحو الفضاء. وحيث أن الإشعاع الشمسي القادم من الشمس لا يتأثر بالتغير في تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون فإن درجات حرارة السطح سترتفع نتيجة للمقاومة المتزايدة للتدفق العائد من الفضاء، كذلك فإن تزايد نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون ستساعد في ارتفاع درجة الحرارة، ولقد قدر العلماء أن نسبة تزايد هذه النسبة في عام 2100 إلى 100%. لذا فإن عدم اتخاذ اجراءات للحد من تزايد هذا الغاز فإن درجة الحرارة ستزداد درجة واحدة في عام 2025 مقارنة بعام 1990 و ثلاث درجات عند نهاية القرن الحادي والعشرين.

طبقة الأوزون وتأثيراتها المباشرة على البيئة والتخوف من تآكلها وتقلصها

وجود غاز الأوزون في طبقات الجو العليا ضروري لحياتنا ورفاهيتنا على سطح الأرض فهو يقوم بامتصاص كمية كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية القاتلة القادمة من الشمس يجعل الحياة ممكنة على سطح الأرض، وتكون كمية الأوزون أكبر ما يمكن عندما تكون البقع الشمسية أعظم ما يمكن. إن سبب استنزاف طبقة الأوزون يرجع إلى الأشعة الكونية والتفاعلات الضوء كيميائية لمركبات الكلوروفلور والملوثات الكيميائية ومركبات الفريون وأكاسيد النيتروجين.

والأشعة الشمسية التي تصل إلى الأرض تنتهي عند ملامستها لسطح الكرة الأرضية بموجات متناهية في الصغر (290510-9 متر)، وتقوم كميات صغيرة من الأوزن  (O3) الموجودة في طبقات تعلو سطح الأرض بمقدار 15 - 40 كم فوق سطح الأرض تمتص بعض تلك الإشعاعات ليتولد من ذلك حرارة في طبقات الجو العليا. إننا في أشد الحاجة لطبقة الأوزن لتحمينا من الأشعة فوق البنفسجية الضارة بإفرازات الخلايا في جلد الإنسان كما تسبب تغيرات في الجسم أو أمراضًا سرطانية. وهذه الطبقة تتكون بفعل قدرة الطاقة الكامنة في تلك الإشعاعات الشمسية بفلق ذرتي الأكسجين حيث يتحدان مرة أخرى بذرتي الأكسجين المتصاعد من الأرض والناتج من عملية التمثيل الضوئي في النبات ولكن طبقة الأوزون تظل دائمًا عرضة لهجوم متصل ومستمر من غازات كثيرة ومتعددة والمتصاعدة من الأرض.

إن استمرار تآكل طبقة الأوزون يمثل مشكلة عالمية لا يستهان بها؛ ويمكن أن تتظافر الجهود على مستوى دولي للتصدي لها بالتعاون على تقليص التلوث، ويعد الغلاف الجوي أفضل منفذ للتخلص من التلوث المتصاعد من الأرض ولكن هذا لايضمن تحلل واضمحلال بعض مكونات التلوث التي ستنتشر في الغلاف الجوي ومن ثم يتولد عنها عدم اتزان كيميائي لايكون بمقدورنا أن نتنبأ به ولكن علينا الآن أن نتصدى له.

إمكانيات تلوث الهواء وعدم صلاحيته

إن معايير تلوث الهواء لم تكن معروفة إلا منذ فترات زمنية بسيطة، وفي عصرنا الحديث أصبحت هذه المعايير تحظى باهتمام ورعاية معظم دول العالم وأضحت تلقى الكثير من العناية والإهتمام من قبل الكثير من المنظمات الدولية والمؤتمرات والندوات التي تعقد لهذا الغرض. وإذا كانت مسببات التلوث للهواء الجوي غير محددة لكننا نعتبر أن السيارات وحدها تسهم بنصيب لايستهان به في تلوث البيئة والهواء بما تنفثه عوادمها كل يوم من أبخرة دخانية وملوثات كيميائية وغازات كربونية، ولعل المثال التالي يبين لنا مصداقية ما ذكر في تأثير السيارات على الهواء الجوي.

مثال: لنفترض أنه يوجد بمدينة ما حوالي 1.200.000 سيارة مسجلة. ومن المعروف أن معدل انبعاث أكاسيد النيتروجين من السيارات هو 2.82 جرام لكل سيارة لكل كم، ومعدل انبعاث الهيدروكربون هو 1.6 جرام لكل سيارة لكل كم. فإذا افترضنا أن السيارة تقطع حوالي 55 كم في اليوم الواحد فإنه يمكن حساب كمية (حجم) الهيدروكربون التي سيمنى بها جو تلك المدينة في اليوم الواحد كما يلي:

كمية أكسيد النيتروجين المنبعث في اليوم = 2.82 5 55 5 1.200.000 = 186120000 جرام في اليوم = 186.12 طن في اليوم.

كمية الهيدروكربون المنبعث في اليوم = 1.6 5 55 5 1.200.000 = 105600000  جرام في اليوم = 105.6  طن في اليوم.

مجموع غازات النيتروجون والهيدروكربون = 291.72 طن في اليوم.

فإذا كانت كمية الغازات تلك لا يتم علاجها والتخلص منها بأي وسيلة متاحة فإن الهواء سيصبح غير صحي وبالتالي غير صالح للتنفس!.

الأثار السلبية التي تخلفها على البيئة بعض الأجهزة والمعدات الكهربائية بعد نهاية عمرها التشغيلي والاستغناء عنها، وكيفية التخلص منها بعد ذلك؟

تمثل بعض الأجهزة والمعدات الكهربائية والألكترونية بعد الإستخدام وانقضاء عمرها التشغيلي والرغبة في التخلص منها أهم مصادر الأخطار المؤثرة على البيئة وبخاصة ما يتصل بصحة وحياة الإنسان نظرًا لاحتواء الكثير منها على مواد خطرة ومشعة وذات علاقة بأمراض خبيثة وخطيرة. إن جمع تلك الأجهزة إما لإعادة تصنيعها مرة أخرى أو التخلص منها لأسلوب متبع ومنظم لدى الكثير من دول العالم منها على سبيل المثال لا الحصر السويد والدنمرك وألمانيا وهولندا وأستراليا واليابان. ويشكل التخلص من تلك الأجهزة والمعدات الكهربائية وبخاصة ما يحتوي منها على مواد خطرة مثل الثلاجات في عوازلها والمكيفات في غازاتها والتلفزيونات في موادها المشعة أهم هاجس للدول المصنعة لتلك الأجهزة أو المستهلكة لها؛ كما أن الحكومات والهيئات التشريعية في تلك الدول سعت إلى تشجيع عملية تدوير تصنيعها وليس للتخلص منها فحسب.

التعرف على مدى تأثير محطات الكهرباء على البيئة وبالتالي كيفية تخطيط واختيار المواقع المناسبة لها؟

إن الغازات والأدخنة والأبخرة المنبعثة من عوادم محطات الكهرباء تسبب بلا شك أضرارًا للبيئة قد تؤدي إلى تدهورها وتلفها والقضاء على عناصرها ومعالمها وجمالياتها، فعند التخطيط لإنشاء محطات كهربائية هناك جملة اعتبارات يجب أن تؤخذ في الحسبان؛ فالطاقة الكهربائية مهمة في حياة الإنسان في هذا العصر لتيسير حياته من إنارة وتسخين وتبريد وتشغيل أجهزة وآلات ..إلخ، ونظرًا لتعدد أنواع المولدات وأحجامها وكفاءاتها وطرق تشغيلها واختلاف وقودها فإن اختيار النوع المناسب الذي يفي بكل الاحتياجات والأغراض قد لا يبدو سهلاً مضمون النتائج لأن هناك عدة عوامل تتصل بحياة الإنسان وبيئته التي يعيش في وسطها إذ يجب أن تكون خالية من الضجيج والتلوث والمخاطر الصحية، وفي الدول الصناعية -حيث أن للبيئة اعتبارًا كبيرًا- هناك ضوابط ومعايير عند بناء المحطات الكهربائية والتحكم في المولدات من حيث تأثيرها على البيئة والصحة وتلوث الهواء ومظاهر الطبيعة الجمالية. فالمحطات التي تعمل بالطاقة النووية مثلاً لها تأثير مباشر وغير مباشر على البيئة وحياة الإنسان فيها، فالمحطات النووية تحتاج إلى مساحات شاسعة لإنشائها وكميات هائلة من المياه لتبريدها ناهيك عن الذعر والهلع الذي سيدب في نفوس المجاورين خوفًا من كارثة محتملة إذا حدث أي تسرب نووي نتيجة خطأ إنساني أو عطل آلي، ولعل البعض لا يزال يذكر العطب الذي لحق بمحطة الطاقة النووية في جزيرة الأميال الثلاثة بولاية بنسلفانيا في أمريكا في 28 مارس 1976م عندما أصاب المبرد خلل أدى إلى ارتفاع درجة حرارة المفاعل وما صاحب ذلك من تسرب بعض الإشعاعات النووية مما حدى بالآلاف من السكان إلى النزوح بعيدًا عن المناطق المجاورة للمفاعل خوفًا من التعرض لتلك الإشعاعات، كذلك حادثة المفاعل النووي في تشيرنوبل بروسيا في 26 أبريل عام 1986  عندما تسربت إشعاعات نووية من حاوية التفاعل النووي للمفاعل.

 إن تقويم مدى آثار هذه المحطات على البيئة وانعكاساتها على صحة الإنسان والكائنات الحياتية الأخرى لأمر حيوي للوصول إلى قرار سليم نحو اختيار أنسب المولدات ووقودها ومواقع بنائها فإذا كانت المحطة تعمل بالفحم أو الغاز الطبيعي كوقود فإن أول ما يخطر في البال هو تلك الغازات المنبعثة كأكسيد الكبريت والكربون والنيتروجين والذرات الدقيقة التي تتطاير في الجو فيتشبع بها، كذلك الحرارة المشعة ومخلفات الوقود وهذه بجملتها تشكل مخاطر جمة على البيئة وبالتالي على صحة المجتمع وسلامته.


عدد القراء: 7375

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-