الزاوية الإيجابيةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2019-10-03 13:31:51

محمد بن عبدالله الفريح

كاتب ومفكر

كان ذلك الرجل يركض هنا وهناك، يجمع العلب الفارغة التي كانت تتخلص منها الطائرات المقاتلة التي تقصف قريته.

الكل كان مذعورًا إلا هو، فقد كان يسعى وراء هدف لا بد أن يحققه، حتى في أيام الحرب، كان ينظر إلى الأحداث من زاوية إيجابية، كان يسمي تلك العلب التي تسقط من السماء «هدايا الرئيس الأمريكي».

إنه يعيش في بلد يسمون الفشل (محاولة) متى يبدأ الفشل؟ يبدأ الفشل عندما تستمع للمثبطين، ويبدأ الفشل عندما تعتقد أن الآخرين هم فقط يستطيعون، ويبدأ الفشل عندما تقرر أنت وحدك التوقف عن المحاولة. لنضع كل محاولة فاشلة تحت أقدامنا، فهي ترفعنا إلى أعلى.. .

ولد ذلك الرجل قبل الحرب العالمية الثانية بأربعين سنة من عائلة فقيرة، مات خمسة من عائلته بسبب سوء التغذية، وقد فشل في الدراسة، فتركها ، وهو في الصف الثامن ثم عمل بعد ذلك في ورشة صغيرة، وأقبل على ميكانيكا السيارات، وأحبها، فاقترض مبلغًا من المال؛ ليعمل حلقات صمام لشركة سيارات كبرى، ولكنها مع الأسف لم توافق مقاييس الشركة.

فهل توقف عن المحاولة؟ كلا، فقد دخل المدرسة ليطور تصميم الصمام، وبعد سنتين من الجهد والعمل وقع مع الشركة العقد الذي كان يعلم به، ولكنه يحتاج إلى بناء مصنع؛ لتزويد الشركة بالكمية المطلوبة، ولقد كانت البلد في حالة حرب، فرفضت الحكومة طلبه بتزويده بالإسمنت. فهل توقف عن المحاولة؟ كلاب قام هو وفريقه باختراع عملية لإنتاج الإسمنت للمصنع.

وما أن بدأ التصنيع، حتى قصف المصنع في أثناء الحرب، فهل تتوقعون أنه توقف عن المحاولة؟ كلا، أعاد بناء الأجزاء المتضررة من المصنع، ثم بعد أيام قصف المصنع مرة أخرى.

فهل ندب حظه مثل ما نفعل أحيانًا؟ كلا، ثم كلا، فقد أعاد بناء المصنع مرة ثانية. وهكذا بدأ يصنع الكميات المطلوبة لتلك الشركة، لكن عندما كان يعيش نشوة النجاح، حدث زلزال كبير، فأصبح المصنع أثرًا بعد عين، فباع فكرة الصمام الشركة.

فهل تظنون أن رجلاً بهذا الطموح والعزم يتوقف؟

إنه رجل يعشق القمم، وفي هذه الأثناء حدث في بلدته أزمة أخرى، فقد عانت اليابان انقطاعًا في إمدادات البنزين، وكمت هو المعتاد سيقول أكثر الناس: إنها أزمة، ولكن صاحبنا بعزيمته قال: إنها فرصة، وقام بتصنيع دراجات هوائية بمحرك يعمل على الكورسين المتوافر، ونجحت الفكرة، وحققت نجاحًا ساحقًا. وبعد كل هذه المحاولات جاءت الإنجازات، فعام 1968 باعت شركة هوندا مليون دراجة نارية للولايات المتحدة.

وكانت تلك هي البداية للانطلاق للعالمية، حيث يعمل اليوم في شركة هوندا ما يقارب من مئة ألف عامل؛ لأن رجلاً واحدًا فقط عزم على ألا يتوقف عن المحاولة.

لقد استطاع (سيكيروهوندا) أن يقف صلب العود أمام الفقر، والفشل الدراسي، وموت خمسة من عائلته بسوء التغذية، والحرب، وتحطم مصنعه مرتين، والزلزال المدمر، والركود الاقتصادي، إضافة إلى ذلك المنافسة الشرسة والعنيفة والمستمرة من الشركات الكبرى، فأيهما أسوأ حظًّا نحن أم هوندا؟!

درس: إن هوندا يعلمنا أن ننهض بعد السقوط؛ لنكون أشد وأقوى من قبل، وقد قال عندما استلم الدكتوراه الفخرية: «أؤكد لكم أن النجاح يمثل واحدًا في المئة من علمائنا، الذي ينتج عن تسعة وتسعين في المئة من الفشل».


عدد القراء: 4257

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-