تقدم الغرب وأسرار سيادته للعالم الأسرع إفاقة بعد مصيبة الباب: مقالات الكتاب
أ.د. مهند الفلوجي لندن |
من خيال الغرب الخصب عشقه لثقافةَ التغيير للأحسن وكرهه الركود التقليدي (status quo) ويؤمن أن: "ما يتخيله الإنسان يستطيع إنجازه في عالم الواقع" (What man can perceive, man can achieve)؛ فقد تخيل الإنسان غزو الفضاء ففعلها بواقع بعد الخيال، وتخيل الهبوط على سطح القمر ففعلها أيضًا، وهكذا الواقع ينبع من خيال الغرب الجامح. ومن أقوالهم "إذا كان هناك إرادة، فهناك حل" (When there is a Will, there is a Way)؛ و"إذا كان القديم ذهب، فالحقيقة تقتضي التغيير لإستباق الأمور" (Old is Gold, but Truth is Change to be on the Top of Things).
وثقافة الطاعة العمياء تولد الخوف من التغيير فيظل الركود التقليدي ويستمر الفشل المؤسساتي. لكن ثقافة التغيير للأفضل تتطلب المرونة (Flexibility) والعقلية المُستقبِلة (Receptive Mentality) لتلتقط أفكار التطور والتجديد، مع الشجاعة لفرض التغيير. وهدف التغيير هو تحسين الكفاءة لأجل التميز على الأقران والتنافس الدائم لمركز الطليعة على القائمة(To be Always on the Top of the List).
أقول: عندما كنت أحضر لدرجة الدكتوراه من جامعة لندن عام 1985 في مستشفى هامرسميث، استرعى انتباهي تجديد جميع الطابعات اليدوية إلى إليكترونية وتغييرها الفوري لجميع الردهات والمكاتب وفي آن واحد، وعرض الطابعات القديمة للبيع الرخيص لمن شاء اقتناءها محليًا ولوكلاء دول العالم الثالث. وكذلك كانت طفرة التغيير في عروض التعليم من السلايدات اليدوية التقليدية Slide-Show Presentations إلى برامج البوربوينت الإليكترونية Power-Point Presentations.
هذه التقنيات المستحدثة مع سلاسة التنظيم الإداري العبقري genius organizer تشكل طفرة في النهوض العلمي المتميز، وإلا فالتقنيات الحديثة قد تكون موجودة في بعض بلاد الشرق، لكنها لا تؤدي وظيفتها بدون التنظيم الإداري العبقري في ترويجها وتوزيعها على المختصين أولاً وتعميمها ثانيًا.
والغرب يؤمن بأن الفشل ليس إلا خطوة على طريق التعليم والنجاح (Failure is a step on the learning curve) ويعتقدون أن الفشل الحقيقي يكمن في عدم المحاولة أصلاً، وإلا كيف تتعلم وتعرف من دون محاولة (وإسلامنا يؤمن بأن: لكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة (الصارم هو السيف) ويبقى النبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة).
ويهتم الغرب بروح الفريق في العمل teamworkوتعيين الفريق لا يستند للكفاءة العلمية والقدرة العملية وحسب بل يتطلب X-factor الذي يتمثل في الشغف الشخصي passion وحب الإبداع والتفكير الجانبي خارج الصندوق.
فأصبح الغرب بذلك كعبة لهجرة الأدمغة (Brain Drain) تجتذب عقول المهاجرين وتستقطب المهنيين والأكاديميين من شتى بقاع العالم (ناهيك عن تحسين أحوالهم المادية وراحة بالهم بالأمن المستتب وسلاسة الحياة الإدارية ثم حماية القانون ورعاية الدولة لهم). صار الغرب أرضًا خصبة (fertile land) لرعرعة بذور الإبداع والتميزوالتنافس (Seeds and Soil) بغض النظرعن أصولهم وأعراقهم، فنبغ في الغرب عرب مثل المهندسة المعمارية زها حديد (العراق)، وجراح القلب مجدي يعقوب (مصر)، ومحافظ لندن صديق خان (باكستان)، ورئيس أكبر شركة تصنيع للحديد بالعالم لاكشمي ميتال (الهند)، ومليونير شركة البتروكيمياويات والأقمشة سري براكاش لوهيا (إندونيسيا)، وغيرهم كثير.
وبرغم كثرة وتنوع المؤسسات الحكومية في الغرب، لكنه يمتاز أيضًا بكثرة وتنوع النوادي الخاصة التي تسمح بالتلاقح الفكري (Intellectual Cross-fertilization) للقاءات والندوات وتقريب وجهات النظر وإيجاد البدائل في التخطيط المستمر للخمس والعشر سنوات المستقبلية مع مساحة كبيرة من المرونة بتوفير الخيارات البدائل للخطة آ plan A، فإن فشلت فالخطة ب plan B، فإن فشلت فالخطة ج plan C، وهكذا. وممارسة التدريبات على احتمالات الكوارثof fire of disasters Drills . والحلول العملية للمعضلات المستعصية والكثيرة، بطرائق التميز والإبداع، مثل:
- العصف الذهني Brain-storming
- والتفكير الجانبي أو الأفقي وليس العموديLateral thinking (horizontal not linear vertical thinking)
- والتفكير خارج الصندوق Thinking outside the box
ومن الخيال الخصب النموذج الفنلندي لتعليم وتربية الأطفال
قضيت ردحًا من الزمان ينيف على الثلاثين عامًا متعايشًا في الغرب ولم أشهد في حياتي من يعشق القراءة كالغربيين، فتراهم يقرأون الكتاب تلو الكتاب بنهمٍ ومتعةٍ لا توصف، وهم في الباصات والطائرات والقطارات فوق الأرض وتحت الأرض وفي السفن. وسواء كان الكتاب قصة أدبية، أو خيالاً علميًا، أو عملاً توثيقيًا في السياسة أو الإدارة والاقتصاد أو الفلسفة او التاريخ والجغرافية، أو في الطبخ أو في الزراعة، يخيل لي أنهم يأكلون الكتاب أكلاً!!!
ولا يؤمن الغرب بنظام التعليم النظري التقليدي، قدر اعتماده على الدراسات العملية والميدانية والبحث والتطوير؛ فدرس الأحياء عندهم ليس مجرد قراءة كتاب بل تطبيق عملي (مثلاً غرف الماء من بركة آسنة وفحصها تحت المجهر لمشاهدة الأحياء المختلفة) ولا يتطرق الفساد ولا الرشوة لنظام التعليم بالغرب، حيث أن ضوابط الدراسة والامتحانات صارمة. ولهذا ترى الغربيين ومنذ نعومة أظفارهم قادرين على العمل في السوبرماركيتات أو الفنادق أو بيع الطعام وقطع التذاكر في السينما لأجل ممارسة العمل ولجني شيئًا من المال؛ في حين تجد المتخرجين من جامعاتنا العربية مصدومين عند مواجهة الحياة العملية لأول مرة بل وغير قادرين على العمل مباشرة!
يبدع باسي ساهلبيرغ 2012 في مدونته عن الدروس الفنلندية Pasi Sahlberg’s Finnish Lessons: وما الذي يمكن أن يتعلمه العالم من التغيير التربوي في فنلندا؟ والتي ساعدت على قتل 99.9٪ من جراثيم حركة التعليم الإصلاحي التقليدي العالمي Global Education Reform Movement أو المسماة اختصارًا GERM، فنظام التعليم الفنلندي غير مصاب بلوثة حركة إصلاح التعليم العالمية أو GERM. والسبب في ذلك واضح: القوة المهنية والصحة الأخلاقية للمدارس الفنلندية. ظهرت GERM منذ الثمانينيات وأصبحت معتمدة بشكل متزايد كأصولية لمحاولة تحسين جودة التعليم وإصلاح المشكلات الظاهرة بأنظمة التعليم العام في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وإنجلترا وأستراليا وبعض البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية. على النقيض من ذلك، فإن السمات النموذجية للتعليم والتعلم في فنلندا هي:
• ثقة عالية في المعلمين ومديري المدارس كمهنيين رفيعي المستوى.
• تشجيع المعلمين والطلاب على تجربة أفكار وأساليب جديدة، وبعبارة أخرى، وضع الفضول والخيال والإبداع في قلب التعلم.
• الغرض من التعليم والتعلم هو السعي وراء سعادة التعلم وتنمية الطفل كله.
أفضل طريقة لتجنب عدوى GERM هي إعداد المعلمين والقادة جيدًا. يجب أن يكون جميع المعلمين في فنلندا حاصلين على درجة الماجستير في التعليم أو في مجال تخصصهم. هذا يضمن أنهم جيدون في ما يفعلونه في الفصول الدراسية وأيضًا فهم كيف يمكن تحسين التدريس والتعلم في مدارسهم. مديرو المدارس هم أيضًا خبراء في التغيير التربوي ويمكنهم بالتالي حماية مدارسهم ونظامهم المدرسي من الجراثيم الضارة.
قدمت فنلندا نموذجًا تعليميًا مبتكرًا رائعًا، يحدد القائم عليه (باسي ساهلبرغ Sahlberg Pasi) الاختلافات الرئيسية بين GERM ونموذج التعليم الفنلندي (Sahlberg’s Finnish Lessons في 2012) وكيف أنقذ فنلندا من GERM كالتالي:
1. يدعي برنامج GERM أن المنافسة بين المدارس ستضمن أن المدارس ستسعى جاهدة لتوفير أفضل تعليم ممكن. يفضل النموذج الفنلندي التعاون بين المدارس بحيث يمكن مشاركة أفضل الأفكار.
2. التعلم الموحد هو حل GERM لضمان حصول جميع الطلاب على نفس التعلم الذي يمكن قياسه بكفاءة. يضع النموذج الفنلندي إطارًا واضحًا ولكنه مرن يمكن للمدارس والمعلمين من خلاله إنشاء تعليم مخصص وفقًا لاحتياجات الطلاب الفردية.
3. يركز برنامج GERM على القراءة والكتابة والحساب كأهداف أساسية للتعليم، بينما يركز التعليم الفنلندي على الطفل ككل.
4. برنامج GERM يحمل المعلمين المسؤولية عن النتائج من خلال الاختبارات الموحدة والتفتيش والمكافآت والعقوبات. لقد بنى النموذج الفنلندي الثقة في مهنية المعلم بمرور الوقت ويمنح المعلمين الكثير من الحرية والمسؤولية.
5. في نظم GERM يتم إعطاء الآباء الاختيار بين المدارس لتشجيع المنافسة الصحية. تعتقد فنلندا أن هذا يؤدي إلى الفصل العنصري وبدلاً من ذلك تقدم المزيد من الأموال للمدارس التي تحتاج إلى دعم بهدف خلق المساواة في نتائج المتعلم.
والفائدة الأخرى للنموذج الفنلندي هي الوصول إلى التعليم الخاص وتفضيل التداخلات الوقائية. وهذا يعني أن ربع عدد الطلاب يتلقون نوعًا من الدعم أثناء تعليمهم.
والاهتمام بالطفال يعدّ محورياً في الغربُ، فالأطفالَ هم مُلكَ الدولة ويستثمرون فيهم المستقبل الواعد، ويستحثون عوائلهم للعناية والرعاية، وإلا فالدولة تتدخل لتحمي الأطفال من أي اعتداء عليهم جسديًا أو جنسيًا أو نفسيًا، ولو كان من عوائلهم. ويُعامل الطفل كالبالغ تُجاب أسئلته وفضوله بكل جدية وصدق. فالطفل بالغ صغير كما أن البالغ هو طفل كبير (Adult is a big child and child is a young adult) وهذه المعاملة تربي الأطفال على النضوج المبكر وتحمل المسؤولية (Responsibility) منذ الصغر. ويعلمون أطفالهم منذ نعومة أظفارهم السلوك الحضاري بتعليمهم العبارات الثلاث:
1. رجاءً: عند أي طلب (Please)
2. أشكرك: لمن يسدي لك معروفًا (Thank you)
3. أعتذر: عند الغلط (I am sorry)
وهذه التنشئة خلقت جيلاً من المبتكرين الصغار. فمثلاً: بريتاني فينجرBrittany Wenger هي فتاة جامعية مريكية تبلغ 17 عامًا قدمت عام 2012 تقنية "الدماغ الاصطناعي" - لتقييم عينات الأنسجة لسرطان الثدي - إلى Google Science Fair وفازت بالجائزة الكبرى. وكانت محط أنظار الإعلام لتعطي محاضرات للأطباء، فابتكارها استخدم الكمبيوتر للكشف عن سرطان الثدي بدقة تصل 99٪. وأطلقت تطبيقها Cloud4Cancer الذي يسمح للأطباء بإدخال بيانات السرطان للبحوث المستمرة.
ومن الخيال الخصب محاكاة الحيواناتBiomimicry في تصاميمها وتراكيبها وأنظمتها البيولوجيه واستلهامها للتطبيق العملي بما ينفع البشرية. ومنها الابتكارات التالية:
- إبرة زرق بلا ألم وابتكار إبرة الخياطة الجراحية المضلّعة ذات الوجوه الثلاثة والمستلهمة من فم البعوض ولسعته الغير مؤلمة.
- مصابيح الضوء الليلية LED light bulbs مستوحاة من الذباب الناري Fireflies
- لواصق الغراء القوية من بوليمر الحامض الأميني DOPA الموجود في القواقع البحرية Mussels: Adhesives الملتصقة بالصخور بإحكام.
- الصندوق الأسود Black Box في الطائرات وهو مسجل صوتي محمي من الصدمات ومستوحى من جمجمة نقار الخشب Woodpecker المحمية بماصات أربعة اسفنجية ضد الصدمات الميكانيكية مع سوائل المخ الفقري.
- إزالة الملح من الماء لاستعماله لري النباتات وذلك بعد تبخير مياه البحر ثم تكثيفها كمياه صافيه خالية من الملح، والطريقة مستوحاة من الجمل الذي يقوم بجمع ماءه بعد تبريد زفيره بالليل Camel Nostrils: Saltwater Desalination for Irrigation.
- للطائر الحوّام قابلية الطيران للوراء وان يحوم في مكانه، وهذه الظاهرة ألهمت جامعة ستانفورد وجامعة ميشيغان بفحص نسب طول الجناح إلى عرضه والتي تساعده في قابلية الحوم (3.5 – 4 للطائر الحوام) وتنفيذها عمليًا في طائرات الهيليكوبتر Hummingbirds: Helicopter Technology.
- قابلية الزرافة (وهي أطول حيوان على الأرض) لدفع الدم للدوران بسبب جلدها السميك الليفي والغير مطاط مع نحافة الكاحل وصحته، ألهم العلماء لعمل منظومة ضغط compression system في المرضى الذين يعانون من وذمة الكاحل المؤدية لتقرحات أسفل الساق بسبب الدوالي Odema resulting venous leg ulcers.
- اكتشف العلماء في جامعة واريكWarwick University أن سمك القد القطبي Arctic Cod لا يتجمد في المياه الباردة بسبب إحتواء دمها على بروتين مانع للتجمد antifreeze glycoprotein مما دفع العلماء لتكوين بوليمر Polyvinyl alcohol يحافظ على سيولة الدم Antifreeze in Blood ويحافظ على حيوية الخلايا.
- وفي اليابان عام 1989 أعادوا تصميم مقدمة القطار الطلقة Bullet train الذي يحدث دويًّا هائلاً عند خروجه من نفق القطار بما يزعج الناس على بعد 400 متر، فكان المهندس الياباني ناكاتسو Nakatsu ممن يهوى مشاهدة الطيور Birdwatcher فقدم تقريره لمحاكاة ثلاثة طيور، فقاموا بصرف الملايين لتحويل مقدمة القطار لتحاكي مقدمة رأس وصدر طائر الرفراف Kingfisher الذي يغوص بسرعة باختراق المياه لمسك الأسماك بمنقاره بهدوء حيث يباغتها بعدم إحداث صوت باختراقه أمواج المياه. وحاكوا ريش البوم لتصميم المنساخ أعلى القطار pantograph لإحكام العلاقة، وقاموا بتصميم انسيابية الأسلاك فوق القطار لتحاكي انسيابية جسم البطريق. أنظر:
https://kottke.org/17/11/biomimicry-turning-birds-into-bullet-trains
قيم الغرب الأساسية العـشرة The 10 Core Western Values
لا يتقدم الإنسان بدون ضوابط من القيم لاستنهاض الهمم في معتركات حياته العامة، ويمكن اعتبار القيم الغربية الأساسية في الديمقراطية والحرية والعدالة حجر الأساس لحضارة الغرب. لكن المسلمين الممارسين وذوي الإطلاع يدركون أن الحرية والقيم الديمقراطية ليست شيئًا جديدًا عليهم، فلقد دعا الإسلام منذ نشأته للحرية الكاملة والعدالة والقيم الديمقراطية، وخطبة الوداع Farewell Sermon قبل 1400 سنة (10هجري/631 ميلادي) هي أول إعلان لحقوق الإنسان في العالم، قبل الميثاق العظيم Magna Carta البريطاني 1215، وقبل إعلان إستقلال الولايات المتحدة الأمريكية United States Declaration of Independence 1776، وقبل إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسية La Déclaration des droits de l'Homme et du citoyen 1789، وقبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان Universal Declaration of Human Rights 1948. كما أن الإسلام قد سبق العالم بمقاصد الشريعة الخمسة التي تهدف لحفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل/العرض، والمال. ومقولة عمر بن الخطاب الشهيرة في الدفاع عن قبطي مصري ضد تجني ابن عمرو بن العاص عليه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) هي مقولة لم يسبقه فيها أحد.
أدناه: منظومة القيم الغربية مستخلصة (بتصرّف) من قيم بريطانيا وأمريكا الأساسية بطيفها المتنوع للحياة الكريمة، والخطط المستقبلية، ولديمومة استنهاض الهمم والاستفاقة من الكوارث والمصائب:
1. الفردية individualism والإعتقاد بأن كل شخص فريد وخاص وأهمية الخصوصية privacy
2. العـدل وتكافـؤ الفرص justice and equal opportunities
3. الراحة المادية material comfort
4. الديمقراطية (بأدواتها ومشاريعها) مع الحرية (مثلاً حرية التعبير والتملك) democracy and freedom
وتندرج تحتها التسامح الديني toleranceواحترام المعتقدات المختلفة.
5. العلوم والتكنولوجيا science and technology
6. التقدم والتغيير progress and change (ثقافة التغيير للأحسن).
7. المنافسة competition الشريفة المحمية بسلطان القانون.
8. إمكانية التنقل mobility (العمودي (اجتماعي / اقتصادي) وكذلك التنقل المادي).
9. التطوع volunteerism والإيمان بمساعدة الآخرين والإحسان philanthropy والعمل الخيري والجمعيات
10. العمل والكفاءة والإنجاز action and achievement وقياس النتائج التركيز على الوظيفة والبراغماتية (العملي الواقعي)>
والغرب هنا عملاق في ثقافة الإعلانات Business Advertisement is a Culture وعولمة التسويق Marketization and Globalization وكأن الغرب قارون العصر الحديث، ولعل ميزانية شركة واحدة بالغرب تعدل ميزانية دول مثلاً شركة إينرون Enron بلغت ميزانيتها $67.503 billion بينما بلغت ميزانية أفغانستان بعد الغزو الأمريكي ما يعادل $11 million دولار (بقدر ثمن طائرة هيلوكبتر واحدة).
عبقرية التنظيم Genius organizer في خدمة البلاد والعباد والتخطيط للمستقبل Planning for future
منذ القدم، تراكمت خبرات سنين وعصور في الغرب في تعاملهم مع الكوارث والنهوض منها بسرعة. فبعد أن اجتاحهم الطاعون الكبير عام 1665 تمكن سكان لندن مثلاً من التعامل معه وإرجاع الحياة لمجاريها الطبيعية. ما فتأ تهديد الطاعون ينقضي حتى نزلت على أهل لندن فاجعة أخرى هي حريق لندن الكبير عام 1666 الذي ابتدأ في محل للخبز. امتدت نيران الحرائق خلال ضواحي لندن لتدمر 13,200 بيتًا وتحرق 87 كنيسةً، مع الصيرفة الملكية ومبنى البلدية، وكنيسة سانت بول الشهيرة. وكان ذلك الصيف هو الأشد حرارة بسبب كثافة الحرائق التي تركت البيوت والمباني الخشبية آنذاك حطامًا ويبابًا يابسًا. وأفاقت لندن من مصائبها وسارعت باستبدال بناياتها الخشبية ببنيان قوي ومانع للحرائق. وعادت المؤسسات الخدمية من ماء وكهرباء وغاز وبريد ومصارف وقنوات تصريف النفايات وغيرها، عادت بعنفوان وتنظيم مذهل يحبس الأنفاس بروعته وعبقريته. ولا يأتي ذلك من فراغ، بل من روح العمل الجماعي الخيري وتشجيع المبادرات الخيرية للإصلاح. ولكن المؤسسات الرسمية كانت تدفع للأجير أجره حسب الجهد والوقت ونوعية العمل، وإذا تعمل أكثر تحصل المزيد من المال كحوافز للعمل الدؤوب المتواصل. وتقوم مؤسسات اليوم على التركة المتينة من مؤسسات الأمس. وتقديم أفضل الخدمات في السكن والماء والكهرباء والغاز إنما ينبع من الشعور بالمسؤولية والتفاني للخدمات الرسمية بلا رشوة وبلا فساد بالضبط كنظام التعليم الذي يخلو تمامًا مما تعودنا عليه في بلادنا من الفساد والرشوة وعدم الانضباط.
وأفرز التفاني لخدمة البلاد في السلم والحرب مصطلحات خاصة باللغة الإنجليزية، مثلاً الصلابة بلا تراجع Relentless، الثبات العنيد tenacious، والرزانة والتحمل بلا شكوى stoic والتي يعبر عنها الإنجليز بصلابة الشفة العليا (stiff upper lip).
وخدمة البلاد والعباد هي الأساس لانتخابات الحكومة الدورية، وهم يعلمون أن الرأس هو الأساس فهو تحت الرقابة المستمرة لتأدية الواجب وإلا العزل من المنصب (المنصب هو تكليف لا تشريف)، وكما في مقولة الغربيين الشهيرة: السمكة تفسد من الرأس فما دون (A fish rots from the head down).
وصارت البيوت الإنجليزية يضرب بها المثل لخدماتها المميزة والممتازة من ماء وكهرباء وغاز من أقصى شمال بريطانيا لأقصى جنوبها حتى قيل أن متع الحياة خمسة: المال الأمريكي والبيت الإنجليزي وطعام حوض البحر المتوسط والزوجة اليابانية والحبيبة الفرنسية!
(Joys of life are five: American money, English house, Mediterranean food, Japanese wife, and French lover)
حتى قيل أن أفضل مكان في العالم للتقاعد هو في إنجلترا. وأنظر لروائع برامج التلفزيون الهادفة والمفيدة في مجالات الطب والحياة والبحوث الأكاديمية، والمتعة الهادفة التي لا تستثني أي شريحة من المجتمع. فلا يكاد يخلو برنامج تلفزيوني مهم من خدمة التحادث بكتابة النصوص للصم، والتعليق في مواضع الفيلم الصامتة للعميان، وإشارات الكلام للصم والبكم. والألعاب الأولومبية يعقبها العاب المعوقين جسديًا والمسماة Paralympics.
وأنظر لعبقرية التنظيم في الشوارع حيث هناك ممر خاص للبايسكلات، وممر خاص للباصات، مع ممرات السيارات عامة، ومواضع خاصة للمشاة مع مواضع العبور للمارة محمية بإشارات المرور الملونة ومن يتخطاها يعرض نفسه لأعلى العقوبات المادية قانونيًا والرقابة مستمرة هناك بالكاميرات وشرطة المرور وغيرهم.
وشاهد براعة التنظيم في كثرة المنتزهات في قلب لندن كمتنفس للناس وسط المدينة المزدحمة، وكلها مجانية الدخول والتجول فيها خدمة للناس وترفيهًا ورياضةً وصحةً، وفيها البرك المائية حيث يربى فيها البط والوز وما يُبهج النفس ويزيح عنها هموم العمل في عطلة نهاية الأسبوع. وكان بإمكان الدولة أن تبيعها أو تستبدل أرضها بعمارات ووحدات سكنية تربح منها الملايين. وهناك منظومة الطرق المائية والقنوات المستحدثة في إنجلترا England waterway and canal system بل وهناك قنوات مائية فوق أنفاق القطارات .Aqueducts over train tunnels ثم هناك الإدامة والصيانة الدورية في نظافة الشوارع والتواليتات العامة وفي تقليم الأشجار الدوري كل فترة من الزمن لتنمو من جديد بعنفوان ونشاط.
وصارت ميزة الالتزام بالمواعيد Punctuality إحدى مواصفات الغرب المهمة في سرعة إفاقته من الكوارث. وصار العمل الدؤوب من الساعة 9 صباحاً للساعة 5 عصرًا يوميًا مع عطلة أسبوع (السبت والأحد) منهاج العمل في الغرب تمجده أغانٍ فولكلورية لحشد الهمم كأغنية (Working nine to five). وتجد القيمة الثمينة للوقت في الغرب، فمواعيد العيادة الخارجية في المستشفيات تدار بحِرَفية إدارية وبالمواعيد الزمنية المضبوطة دونما انتظار مُمل ولا مضيعة للوقت. وفي مواقف الباصات تجد ألواحًا لجدول مجيء الباصات لتلكم المحطة وبالتوقيت المضبوط Time Boards for Buses. كذلك في محطات القطار والمطارات تجد جداول ومواقيت الإقلاع والوصول بالزمن المضبوط. وللغرب رؤ ية مستقبلية شاملة طموحة وتحولية رائدة عالميًا يتنافسون بينهم وبدون تقاعس وبسرعة لفتح الافاق الجديدة والوصول لهدف الرؤية بسرعة السلطة التنفيذية. وصارت الرؤية والتخطيط المستقبلي للـ 5 و10 سنوات القادمة مع إيجاد الخيارات البدائل plan A B C من أسس نهوض الغرب. ولعل طول النفس والصبر والمصابرة من مزايا الغرب في الإدارة والسياسة والعلاقات الخارجية.
أضف لذلك، أنواط الملكة اليزابيث التقديرية والجوائز والشهادات الفخرية السنوية والامتيازات التشجيعية كالإجازات الدراسية المدعومة رسميًا وبسلاسة ادارية متناهية مما يلهب الحماس والتنافس والتفاني لخدمة الوطن والانتماء إليه ونهضته. قارن ذلك بالمعوقات الكثيرة في بلادنا العربية والإسلامية وشحة التشجيع المادي والمعنوي ومظلوميتنا في أوطاننا التي تستحثك على عدم الانتماء للوطن كما في معلقة طرفة بن العبد: وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً .... على المرء من وقع الحسام المهند
سرعة الإفاقة بتلقيح سكان بريطانيا ضد جائحة الكورونا 2020/2021
لنأخذ بريطانيا مثالأ حيًّا لسرعة إفاقة الغرب من مصيبة المصائب (جائحة فيروس الكورونا COVID-19) التي اجتاحت أركان العالم، وأهلكت الملايين من سكانه. قامت بريطانيا بتجنيد جميع وسائل إعلامها لتوعية جميع شرائح الشعب بالوقايات الأربع: غسل اليدين وقناع الوجه والتباعد الاجتماعي واستنشاق الهواء الطلق.
وجندت مستشفياتها لاستقبال حالات العدوى كأولوية على حساب جميع الحالات الأخرى. وقامت مراكز التسويق والسوبرماركيتات بسد حاجات التموين والتغذية على مدار 24 ساعة، وقامت مراكز البلديات بتوفير صناديق التموين المجاني كدرع حماية لمن هم فوق الستين من العمر خوفًا من إصابتهم. وقامت الدولة بالحجر المنزلي وبتعويض الموظفين والشركات 80% من رواتبهم الشهرية. وقامت الدولة بإجراءات صارمة في المطارات والحدود لمنع انتقال العدوى إليها وصنفت الدول بالمناطق الحمراء المصابة والخضراء السليمة والصفراء الغير معروفة الإصابة. وأنشئت مراكز عديدة لفحص الإصابة بوساطة مسحات البلعوم والأنف. وقامت بتصنيع لقاحها استرازينيكا-أكسفورد والتأكد من أمانته وسلامته ومن ثم استحثاث الشعب للتلقيح في مراكز كثيرة في كل مدينة وجندوا لذلك الممرضين والممرضات والأطباء وطلاب الطب والتمريض. وفي 20 يوليو 2021 أعلنت بريطانيا تلقيح 85% من سكانها وبالجرعتين مما يضمن مناعة القطيع وأعلن رسميًا عن رفع الحجر المنزلي والتباعد الإجتماعي والعودة للحياة الطبيعية لكن الإستمرار بلبس الكمامات. هذا في وقت تتخبط فيه دول العالم الأخرى بجدوى التلقيح واللقاحات وهي تترنح بقوائم الموت اليومي.
التميز والتنافس لمواقع الطليعة Distinction and Competition for Top places
والغرب مستقبل (Receptive) لأي إبداع وابتكار واختراع، وسبّاقين لإستقطاب كل خبرة عالمية بغض النظر عن المصدر، وهم مواكبون لمن يفوقهم علمًا فيتعلموا منهم كالتلاميذ إلى أن يكونوا نظراء لهم. ومع الزمان وتراكم وتنوع الإبتكارات والخبرات صار الغرب بوتقة إنصهارللإبداع العالمي. ولا يكتفي إلا بالمزيد المستمر أكثر من، وفوق مستوى الجميع، بل وما وراء قدرات الآخرين(More and Above and beyond others) . وتقوم الدولة بحماية وتشجيع تبادل الأفكار المبدعة (بين مؤسساتها الحكومية والخاصة وبين الوطن والبلدان المحيطة القريبة والبعيدة) (State protects and encourages exchange of ideas)
وترحب المؤسسات العلمية ببراءات الاختراع من الجميع وتجيّرها لبريطانيا مثلاً، بل وتسمح بصعود الشباب لمراكز البروفيسوريه
(يشجعون الكفاءات الشابة ونحن نحاربها ونضع المعوقات والموانع ضد الكفاءات).
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- جذور ثقافة الكراهية: «التشيع العربي والتشيع الفارسي» لنبيل الحيدري
- الفايكنغ والإسلام: تاريخ منسيّ يوثقه معجم الفردوس
- الفايكنغ والإسلام: تاريخ منسيّ يوثقه معجم الفردوس (2)
- تاريخ جراحة التجويف البطني - الإسهامات العربية (2-2)
- بين حـضارتين: مفارقـاتٌ بين الشرق والغـرب (شهادة ُطبيبٍ عـربيّ في الغـرب)
- بين فلسفتين: بين تأليه الله وتأليه الإنسان 1
- بين فلسفتين: بين تأليه الله وتأليه الإنسان 2
- بين فلسفتين: بين تأليه الله وتأليه الإنسان 3
- بين فلسفتين: بين تأليه الله وتأليه الإنسان 4
- بين دِفءِ الشرق وبرودةِ الغرب
- تاريخ جراحة التجويف البطني - الإسهامات العربية (1-2)
- الطهارة والقذارة بين الشرق والغرب -1
- الطهارة والقذارة بين الشرق والغرب – 2
- الطهارة والقذارة بين الشرق والغرب - 3
- رومانسية الحب بين الشرق والغرب- 1
- رومانسية الحب بين الشرق والغرب- 2
- التأثير العربي الإسلامي في الحضارة الغربية
- فلسفة المرض وحكمته البليغة وفن التعامل مع الألآم ومعاناة الحياة
- التأثير العربي- الإسلامي على الغرب في ثقافة الطعام والإتكيت
- التأثير العربي في ثقافة الخبز والقهوة والتمر والعسل
- بين مطبخين: الغـذاء، داء أم دواء ثقافة الطعام ودورها بنشر الأمراض والأوبئة
- الجائحة القاتلة: أسرار ڤَيروس كورونا المستجد ودور المسلمين التاريخي العالمي للقضاء عليه
- العالم بعـد كورونا: عِـبَـر وإعـادة نظـر
- لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟.. أسرار سيادة الغرب للعالم في ضوء التفسير النبوي للتاريخ
- تقدم الغرب وأسرار سيادته للعالم الأسرع إفاقة بعد مصيبة
- تميّز الغرب وتقدمه على العالمين
- توظيف الإعلام والتعليم في الغرب
- التفوق العسكري وتقدم الغرب: أوشكهم كرة بعد فرة
- فلسفة الغرب العسكرية: خسارة معركة لا تعني خسارة الحرب
- ثورات العالم وتقدم الغرب بالتصنيع
- تقدم الغرب بديمومة البحوث والتطوير
- تقدم الغرب بضمان قاعدة اقتصاد قوية مستقرة ومستدامة
- تقدم الغرب: بين إنسانية شعوبه وحكوماته
- العـدل: الميزة الخامسة والأخيرة لتقدم الغرب
اكتب تعليقك