بين فلسفتين: بين تأليه الله وتأليه الإنسان 2الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-05-18 23:53:51

أ.د. مهند الفلوجي

لندن

بين حـضارتين: مفارقـاتٌ بين الشرق والغـرب

(شهادة ُطبيبٍ عـربيّ في الغـرب)

الفصام النكد في الغرب: سلخ الإيمان عن العلم وبداية العلمانية

 

كانت علوم الشرق الإسلامي تقوم على دعامتي العلم والإيمان، وحين كان العالم الإسلامي هو السيّد القائد لنظام العالم القديم (Old World Order) لما يقرب من 8 قرون ( 700 - 1500 م) بما يُسمى عالميًّا بحقبة السلام العربي (pax arabica)، وكانت اللغة العربية آنذاك هي لغة التداول العالمي (Lingua franca) للعلوم والتجارة والعمارة والعسكرية والفنون وفي شتى مناحي الحياة. وعبر منافذ التسرب وقنوات التواصل بين الشرق والغرب (إمارة الأندلس الإسلامية، الدويلات الصليبية في الشريط الساحلي لحوض المتوسط، صقلية، إستنبول، مع السفارات والتجارات البينية) تسّربت العلوم من دفء الشرق المنير في عصره الذهبي رويدًا رويدًا، إلى الغرب البارد الذي كان يتخبط في دياجير الظلام في العصور الوسطى المظلمة. حتى إنّ كلمة الغرب مشتقةٌ من غروب الشمس، ومن "غروب" اُشتـُقّت كلمةُ (Europe) (كانت أوروبه بالفعل تمثّل حينَها غروب الشمس والعلوم معًا مقارنة بالشرق).  وكانت الحروب الصليبية التي ابتداها الغرب الأوروبي النصراني على الشرق الإسلامي ولقرابة 200 سنة قد نَحّت الإسلام عن أوروبة جانبًا، لتحلّ محله الكنيسة بدينها المُحرف وقساوستها الظلمة. كان الإيمان حينها متداخلاً في العلوم تداخل عنصر الأوكسجين في الهواء، وتداخل الماء في تركيب جسم الانسان والحيوان والنبات، وكتداخل الماء في سكر العسل لا ينفصل (الماء في العسل يشكل 16% بينما سكرياته: الفواكه/فركتوز والعنب/غلوكوز والقصب تشكل 77%)؛ كان تداخل الإيمان بالعلوم تداخلاً طبيعيًّا، لا تمازجًا مصطنعًا، كما في اللبن المُمذقر (اللبن المخلوط بالماء) أو في الشراب المخفف بالماء. 

ولما بدأت تباشير النهضة الأوروبية اقتداءً وتأثرًا بالشرق الإسلامي في التفكير الحرّ، وفي نهضة العلوم الأكاديمية، وإصلاح الدين بالحركة البروتستانتية، كانت النهضة الأوروبية والفلسفة الغربية الحديثة في حقيقتها فلسفة نمت وازدهرت في ظلال الفلسفة الإسلامية، برغم أنّ غالبية الأعمال الغربية كانت مسروقة مُنتحلة (plagiarized) من الشرق ومنسوبة إلى سارقيها ومُنتحليها، بعد إعادة صياغتها، ومن دون أدنى اعتراف بفضل أصحابها. ووقفت الكنيسة بسلطتها الدينية وبسلطان قساوستها وجبروت محاكم تفتيشها حجرَ عثرة أمام الفكر العلمي الحر، بل وتدخلت في فرض علومها الكَنسية الخاطئة في علوم التشريح والفسلجة والفلك (لتبنّيها آراء جالينوس وبطليموس اليونانيين). وبدأ صدام العلماء مع الكنيسة برغم المكابدة والمعاناة والتشريد والنفي والإقامة الجبرية، واستُشهِد صفوة علماء الغرب في محاكم التفتيش كما رأينا سلفًا في أمثلة (مايكل سرفيتوس) و(جوردانو برونو) و(جَليلو جليلي). وبدأ علماء الغرب يكفرون برجال الكنيسة الجبارين، وبدينها الظلوم الغشوم، وبعقم العلوم الكَنَسية (التي لا تستند لدليل البحث العلمي)، وبدأ الفصام النكد بين العلم والإيمان يتوسع ويستشري حتى كان النصر النهائي حليف العلم والعلماء ضدّ دين الكنيسة المُحرف وسلطانها الجائر.

ولم يكن ملوك أوروبا بمعزل عن تنكيل الكنيسة بالعلماء، بل كانوا هم أيضًا يعانون من تعسف الكنيسة وجبروتها للهيمنة على الملوك وتركيعهم لسلطانها، مما حدا بهم جميعًا للتضافر والتخطيط لتحجيمها وعزلها عن الحياة وعن السياسة؛ وبذلك ولدت العلمانية secularism (عزل الدين النصراني عن الحياة العامة) تسير جنبًا لجنب مع الفصام النكد بين العلم والدين. وقيّض الله لكسر شوكة الكنيسة مَلِكين أوروبيين غايةً في الدهاء والقسوة: الملك الفرنسي فيليب الرابع والملك الإنجليزي هنري الثامن،  ليذل بهما جبروت الكنيسة  الظالمة. وبانتصار ملوك أوروبا على الكنيسة الكاثوليكية انحصرت سيادتها في حيّ صغير محاط بجدران وسط روما وبموجب "معاهدة لاتيران Lateran Treaty" عام 1929م، صارت تُدعى "دولة الفاتيكان" Vatican City  or  Citta del Vaticano (أصغر دولة في العالم مساحةً -44 هكتارًا، وسكانًا -842 نفسًا !)، وانحسر معها الدين واقتصر مفهومه على علاقة العبد بربّه، واُختزلت النصرانية في المراسيم الشخصية وحسب، ونُحّيت بذلك عن الحياة العامة لتبقى ظلاًّ باهتًا شاحبًا مزويًّا ومنزويًّا عن السياسة). 

فمنذ القرن 12 وحتى مطلع القرن 14 كان بابا روما هو القائد العام الأكبر للممالك النصرانية الأوروبية خلال الحروب الصليبية، حتى إن ملوك إنجلترا وفرنسه بل وأباطرتها كانوا مثل قواد جيوش تحت إمرة البابا (باستثناء الإمبراطور فريدريك الثاني - صديق المسلمين، الذي فصلته الكنيسة مرتين في الحملة الصليبية السادسة).

ثم دبّ الخلاف بين البابا والإمبراطور الروماني المقدس (لقب رئيس الاتحاد الأوروبي للممالك النصرانية آنذاك) حول من يقود جيوش الممالك النصرانية دنيويًّا (لا دينيًّا).  فاحتدم الصراع بين فيليب الرابع (ملك فرنسه والمسمى أيضًا الملك الحديدي أو فيليب الوسيم – Philip IV the Fair or 'Philippe le Bel' or the Iron King) ضد البابا بونيفيس الثامن Pope Boniface VIII، وفرض الملك نقل البابوية من روما الى آفينيو Avignon (مدينة فرنسية) وفرض الضرائب على المدينة، ومن ثم صار جميع البابوات السبعة المتتالين فيها من أصل فرنسي من عام 1309م وحتى 1377م، وهذا ما يسمونه بـ "البابوية الآفينيويه" أو "السبيّ البابلي للبابوية" لغيابهم عن روما  Avignon Papacy or Babylonian Captivity، وبذلك سنّ الملك فيليب الرابع سُنّة تذليل وتطويع الكنيسة بين ملوك أوروبة، وقد استمر الصراع مجددًا للحقبة من 1378-1417م، وهذا ما يسمونه بـ الانقسام الغربي Western Schism . ومما قام به هذا الملك الحديدي أيضًا هو طرد اليهود واللومبارد من فرنسه عام 1306م، لأنهم التجّار المرابون الذين كانوا يشرِفون على عدد من مؤسسات البنوك، فاعتقلهم وصادر جميع أموالهم المنقولة لصالح الدولة.  كما قام هذا الملك الوسيم أيضًا بإبادة منظمة فرسان الهيكل (الماسونية)  'Knights Templar' عام 1307م، حيث قصمت هذه المنظمةُ ظهرَ فرنسه بالديون الهائلة في تمويل الحملات الصليبية بقيادة فرنسه لها (غلب اسم الفرنجة عند العرب بإطلاقه على جميع الصليبيين، وذلك بسبب القيادة الفرنسية لأغلب الحملات)، فرأى الملك فيليب الرابع  في منظمة فرسان الهيكل "دولة داخل دولة"  'a state within the state', فأنهاهـا بحجة قيادتهم للصليبيين وخسارتهم النهائية أمام المسلمين في عكا وبحجة الاستغلال والهرطقة.  وهكذا انتهت الحملات الصليبية بالاندحار والعار والشنار، بل وبدمار مموليها الكبار! فسبحان مُغيِّر الأحوال؛ وما أصدق قول الله تعالى في أمثالهم:  (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) الأنفال:36. كان لمنظمة فرسان المعبد (عدا جناحهم العسكري): بنك (مصرف) يموّل الصليبيين في أثناء حملاتهم، أي أنهم كانوا عصب الصليبيين الاقتصادي، وكانت علاقتهم بالبابا علاقة إشراف مباشر، وكانوا خلاف عامة  الشعب، مُستثنين من ضريبة العُشر (المُسمّاة بضريبة صلاح الدين؛ وهي ضريبة مُكونةٌ من عُشر دَخْل الفرد الأوروبي، فُرِضت أولاً عام 1188، في إنجلترا وفرنسا لدعم الحملات الصليبية ضد صلاح الدين) وضرائب أخرى، ومن قوانين الكنيسة والقوانين الدنيوية. وفي فجر الجمعة الـ 13Friday 13 /  من أكتوبر/تشرين أول 1307م  اقتحم رجال الملك حُرمة بيوتات ومدارس فرسان الهيكل وقاموا باعتقال كُلِّ فارس وجدوه هناك، وفي مارس/آذار عام 1314م أُحرِق حيًّا الأستاذ الأعظم لفرسان الهيكل الماسوني (جاك دي مولي) على نهر السين في باريس أمام نوتردام، وبموته انتهى الفصل الأخير من قصة فرسان الهيكل في فرنسه. منذ ذلك الحين ولحد تاريخ هذا اليوم، صار رقم اليوم 13 رقمًا مشؤومًا منبوذًا عند الأوروبيين، خصوصًا إذا صادف يوم الجمعة (Friday 13)، فترى الأوروبيين اليوم يرفضون رقم 13 في عناوين البيوت وعناوين الشوارع، بل يرفضوا حجز المقعد رقم 13 في الطائرة لتشاؤمهم منه، لدرجة أن الكثير من الطائرات رفعت رقم 13 تمامًا من تسلسل مقاعدها !!! 

لكن أول ملوك أوروبا تمردًا على سلطان الكنيسة الكاثوليكية الجائر، دينيًّا ودنيويًّا، هو ملك إنجلترا (الملك هنري الثامن  King Henry VIII )، بعد أن رفضَ بابا روما طلبَ الملك لتطليق زوجته الإسبانية الكاثوليكية (كاثرين الأرغونية Catherine of Aragon) للانفكاك منها والزواج بالإنجليزية البروتستانتية (آن بولين Anne Boleyn).  فشنّ الملك هنري الثامن عام 1533م هجومًا كاسحًا على الكنيسة الكاثوليكية في عموم إنجلترا وضواحيها مع حملة تشهير وتحقير بالبابوية (ومركزها: فاتيكان روما)، وغيّر الدستور الإنجليزي جذريًّا، ودعم الحركة البروتستانتية الثائرة على الكنيسة الكاثوليكية، وفصل الكنيسة الإنجليزية (الأنجليكانية) من الكنيسة الكاثوليكة ، وأعلن نفسه رأسها الأكبر، ونكّل بالمعارضين له ولزواجه من أتباع الكنيسة الكاثوليكية. وطلق "كاثرين" وتزوج"آن بولين" في نفس العام 1933م، و"آن بولين" هي أم الملكة (أليزابيث الأولى Queen Elizabeth I) التي حاربت إسبانية الكاثوليكية وانتصرت على الأسطول الإسباني (أرمادا)، وتحالفت مع الدولة العثمانية المسلمة، والتي موّلت حركة الإصلاح البروتستانتي أيضًا. بالمناسبة، أخت آن بولين هي: ’ماري بولين Mary Boleyn ‘ تُعدّ السلف الأعلى والجدّة الكبرى - كما يُقال-  لـ ونستون شرشل وشارلس دارون، بل وللأميرة ’ديانا سبنسر‘ التي طلقها الأمير وولي العهد  شارلس، لتتزوج بعده رجلَ الأعمال ’عماد الدين محمد الفايد‘ (المشهور باسم ’دودي فايد‘ Dodi Fayed) المصري المسلم، ومات الاثنان في حادث سيارة مشتبه به في باريس 31/8/1997م !.

ظهور الديمقراطية وسلطة الشعب المتمرد على الملوك ذوي الحق الإلهي: سرعان ما انقلب الحال وادعى هؤلاء الملوك أنهم مُعيّنون بأمر الله بما يُسمى حق الملوك الإلهي (Divine right of kings) من السماء، واستمروا بنظام التوريث، كما في إمبراطوريتي النظام القيصري الروماني والنظام الكسروي الفارسي، وأنه لا يحق للمحكومين محاكمة الملك ومقاضاته، فهذا من شؤون الله ؟! حتى تمّ التخلّي عن الحق الإلهي عقب الثورة المجيدة في بريطانيا (1688–1689)، وعقيب نجاح الثورة الفرنسية 1799م  والثورة الأمريكية (1765 - 1783) في أوروبا والأمريكيتين واستبداله بحكم الشعب من الشعب وباسم الشعب ديمقراطيًّا بنظامٍ جمهوري.

الفلاسفة السـبعة الذين صاغوا فلسفة الغـرب

هناك رموز غربية كثيرة، لها وزن في حقول الاختصاص، وتحظى بشهرة واسعة في الغرب، مثل: وليم شكسبير في حقل اللغة والمسرحيات الإنجليزية، ومثل آدم سميث الذي يُعدّ أبو الاقتصاد الإنجليزي (كانت رئيسة وزراء بريطانيا "مرغريت ثاتشر" تفخر باقتناء نسخة من كتابه "ثروات الأمم" Wealth of Nations)، وألبرت آينشتاين في علم الفيزياء؛ وهناك إميل دوركهايم  الفرنسي في فلسفة الاجتماع،  وجورج هيجل الألماني في الفلسفة الغربية المثالية، وهناك كوكبة متألقة من المخترعين والمكتشفين في حقول اختصاصاتهم لهم القِدحُ المُعـلّى في تطوير تقنيات الحياة وتسهيلها (مثل اختراع التلفاز والثلاجة والغسالة والتلفون والمذياع وتلفون الجوّال والبايسكل والسيارة والقطار والطيارة). لكن هذه الرموز والشخصيات، لم يكن لها تأثير كبير متميز في فلسفة الغرب الحديث، ولا باع لها في صياغة القرار لصُنّاع القرار.  انتحل المتأخرون من الفلاسفة ونهلوا من فلسفات قديمة، فأضافوا عليهم وطوّروا وأفرزوا، من بعد ذلك، محصلات فلسفية بأسمائهم، لها تأثير هائل مُدوّي ومُدمّر في فكر الغرب الحديث:  حكموا العالم برؤاهم وفلسفتهم، (وهم في قبورهم جاثمون). وهم الذين بذروا بذور الإلحاد في المجتمع الغربي الحديث.

والحقيقة أنّ هناك شخوصًا معينة ساهمت في تغيير شكل العالم الغربي، وصقلت فكر الفلسفة الأوروبية الحديثة؛ والباحث الذي يسبر أغوار الفكر الأوربي الحديث ويغوص في بواطن وأعماق الكتب الفلسفية ويتتبع جذورها بالبحث الدقيق والتقصي العميق، المقارن بتفكير الغرب الحديث وبواقعه العملي، يفضي لأربعة شخوص محورية مركزية أساس ولثلاث شخوص توابع لها مهمة أخرى:  تحكم الغـرب والعـالم (وإن كانوا ميّتين  يرزحون في قبورهم منذ زمن بعيد) تركوا بصماتٍ لا تُمحى في التفكير الأوروبي الحديث، وفي النسيج الفلسفي الثقافي الغربي.

هؤلاء الفلاسفة الذين صاغوا فلسفة الغرب هم:

1. الكبار الأربعة:

نيكولو مَكياﭭيلي (مُنظّر الغاية تبرر الوسيلة لبقاء الحاكم في السلطة).

توماس مالثوس (مُنظّر أزمة مالثوس وقلة الرزق، مُنظر القتل الجماعي الاستعماري، ومُنظر حركة تنظيم النسل) شارلس دارون (منظر أصل الأنواع، وأنّ أصل الإنسان من خلية أحادية، بالتطور  وبلا حاجة لله، وضمّ تحت جناحه ابن عمه كالتون: مُنظر علم تحسين النسل).

كارل ماركس (منظر المادية الجدلية).

2. التابعون الثلاثة:

هربرت سبنسر (منظر الدارونية الاجتماعية أو ما يُسمى العنصرية العلمية). 

فريدريك نيتشه (منظر موت الإله وولادة الإنسان السوبرمان). 

سيجمند فرويد (منظر الثورة الجنسية في العالم، الذي عدّ التدين مرضًا عصبيًّا).

هؤلاء هم الفلاسفة السبعة التي تضافرت نظرياتهم جميعًا، لتصوغ  محصلة الفلسفة الغربية الحديثة المُلحدة.

1. نيكولو مكيافيلي (1469 - 1527) Niccolo Machiavelli م):

ولد في فلورنسا (إيطاليا)، وتعلم فيها. شغل مكيافيلي وظائف بسيطة في حكومة مدينة فلورنســا، وحين اجتاحت الجيوش الفرنسية مدينة فلورنسا، وأطاحت بحكم -عائلة مديشي- سارع مكيافيلي لتأييد النظام الجديد، وتنقل في وظائف حكومية تحت ظل هذا النظام، حتى وصل إلى منصب "السكرتير الأول والمستشار الثاني" لجمهورية فلورنسا عام 1498م. وأوفد في عدة بعثات مهمة نيابة عن الحكومة إلى المدن الإيطالية والدول الأجنبية، واستطاع ميكافيلي خلال هذه المدة الاطلاع على خبايا الحياة السياسية وأسرارها عن كثب.  في عام 1512م عادت عائلة مديشي للحكم بمساعدة من البابا، وتم القبض على ميكافيلي وتنحيته عن منصبه بعد 14 عامًا من خدمته السياسية لجمهورية فلورنس. وتم نفيه إلى مزرعـته الواقعة على أطراف فلورنسـا؛ هناك كتب مكيافيلي (الأمير) عام 1513م كـ كـُتيبٍ مختصر لتعليم القادة فن السياسة والقيادة. وقد أهداه إلى لورينزو دي مديتشي  (Lorenzo de' Medici، وقد تضمن الكتاب أفكار ميكافيلي وتجاربه السياسية مع مجموعة نصائح لـ الحاكم، وكان يرجو أن ينال رضا الحاكم، لكنه فشل في ذلك، وظل في منفاه، حتى توفي فيه عام 1527م كئيبًا وحيدًا بلا وظيفة (فلم ينفعه كتابه بشيء).

ومبدأ مكيافيلي الأول هو "الغاية تبرر الوسيلة"، فـهو يرى أن القائد له شرعيته التي تبرر إضفاء مشروعية جميع الوسائل التي يستخدمها للوصول لهدفه، مهما كانت قاسية أو دراكونية Draconian، أي شديدة القسوة مشتقة من ’دراكو‘ Draco كاتب القانون اليوناني في أثينا، والذي أنزلَ أقسى العقوبات على أصغر الجرائم). وإنما يتبع أي وسيلة ملائمة لتحقيق هذا الهدف، وبلا اعتبار للدين والخلق لتحقيق الهدف.. فالغاية … تبرر الوسيلة .. وكان هذا المبدأ هو ما استند عليه في أغلب نصائحه في كتاب الأمير، والمسمى بالميكافيلية.

كتاب ’الأمير‘يتمحور على تقديس القوة؛ وهو دراسة عملية وتنبؤية بلا قيود الخلق والدين؛ لتأهيل الأمير ليكون هو الإنسان وهو الوحش في آنٍ واحد: بقوة الأسد وبدهاء الثعلب. هذا الأمير هو رئيس الجمهورية.. أو الملك.. أو الزعيم.. أو القائد. من القرن السادس عشر وحتى قرننا الحالي: الواحد والعشرين.  بل إنّ مبادئ ’المكيافيلية‘  صارت أسس في فنون الإدارة وقيادة المؤسسات المدنية الأخرى كالشركات والهوتيلات والمطاعم والمستشفيات.

لم يتم نشر كتاب "الأمير" إلا بعد وفاة ميكافيلي بخمس سنين، وأول من هاجم مكيافيلي هو" الكاردينال بولص"،  مما أدى لتحريم الاطلاع على كتاب ’الأمير‘ ونشر أفكاره، وعـدّت روما كتابه عام 1559م من الكتب الممنوعة وأحرقت جميع نسخه.  لكن بحلول عصر النهضة الأوروبية، ظهر من يدافع عن مكيافيلي، ويترجم كتابه. وفي القرن الثامن عشر مدحه "جان جاك روسو" و"فيخته"، وشهد له"هيجل" بالعـبقرية، حتى اعتبر مكيافيلي أحد الأركان التي قام عليها عصر التنوير في أوروبا.  وقد اختار "بنيتو موسيليني" (حاكم إيطاليا الفاشي) كتاب "الأمير" كموضوع لأطروحته التي قدمها للدكتوراه ، كما قيل: إن" هتلر"  كان يقرأ الكتاب قبل أن ينام كل ليلة، ناهيك عـمن سبقهم من الملوك والأباطرة كـ"فريدريك" و"بسمارك"  وكل من ينشد السلطة.

برغم مرور أكثر من 500 سنة على الكتاب، يبقى كتاب "الأمير" إلى اليوم من أهم المراجع التي تُدرّس السياسة في جامعات العالم، ويقرأه رؤساء الغرب وقادته، لتفعيل فلسفته في حياتهم السياسية. ويستمد الأمير ’قوته‘ من شغف مكيافيلي بالتاريخ لاستقصاء الأحداث، ومعرفة نتائجها، وإمكانية تكرارها - أي محاولة التنبؤ بالمستقبل .

يقول ميكافيلي في كتابه: (أن من الواجب أن يخافك الناس وأن يحبوك ولكن لما كان من العسير الجمع بين الأمرين، فإن من الأفضل أن يخافوك على أن يحبوك، هذا إذا توجب عليك الاختيار بينهما... وقد قال عن الناس بصورة عامة: أنهم ناكرون للجميل، متقلبون، مراؤون ميالون إلى تجنب الأخطار شديدو الطمع، وهم إلى جانبك طالما أنك تفيدهم).

برغم صواب بعض الآراء المكيافيلية، لكن يُنتقد « مكيافيلي » بشدّة على أنه نظّـر سياسته بوصف غالبية السلوك الإنساني على المقياس الذي يبرر به وحشية مبادئه، مُهملاً بذلك جوانب العدل والحق والخير، ومتناسيًا سلوك ذوي المشاعر والآلام والشكاوي، وأن  تُراعى حقوق الناس المحكومين ومشاعرهم الإنسانية.  إن استهانة مكيافيلي  بفضائل الأخلاق، والتمسك برذائلها، في سبيل الوصول للحكم والبقاء على كرسيه بالنار والحديد هو الغاية الكبرى عنده. وهو السبب في استشراء وسائل الغش، والفساد، والخديعة، واللصوصية، وأكل أموال الناس بالباطل، وهي الوسائل المفضلة للوصول إلى الثراء الفاحش، والاستمتاع بلذّات الحياة، وتدعيم الرأسمالية المفرطة. وحينما يروّج المجرمون آراء "مكيافيلي" بأنّ « الغاية تبرر الوسيلة» بإطلاقها على عـواهنها، دون قيود وشروط المنطق السليم، والحق الثابت، والفضيلة والخلق، فإنهم يتصرفون تصرّف الشياطين، يخادعون الناس ليفعلوا كل جريمة، دون أن يسمّيهم الناس مجرمين. لقد ستروا أنفسهم بطلاء "نظرية ميكافيلي". فلا يرون مانعًا من تجويع الألوف من البشر، وسرقة خيراتهم، ليستمتع مجرم واحد أو طغمة من المجرمين بمظاهر الترف والرفاهية، فالغاية تبرر الوسيلة. فلا مانع إذن أن يحرق "نيرون" إمبراطور روما المدينة بكاملها ليستمتع بمشاهدة لهيب النيران، ثم يدين بها النصارى الأبرياء، ويعاقبهم بهذه الجريمة النكراء. ولا تحرّج من مصارعة المجالدين Gladiators في حلبة المصارعة في روما حتى الموت أو أن يُلقى بوحش ضاري جائع، ليقتل إنسانًا بريئًا فقط، ليستمتع بمشاهدة الغالب ومصرع المغلوب.  باختصار، فإن المبادئ المكيافيلية هي التي وطّـدت في الفكر الأوروبي الحديث بأنّ الحياة هي "قانون الغاب" أو 'Jungle Law' يأكل فيه القويُّ الضعيفَ، وأنّ "القوة هي الحق" 'Might is Right' (حقّ القوة لا قوة الحقّ)!

2. توماس مالثوس (1766 - 1834)  Thomas Malthus

3. هربرت سبنسر (1903 - 1820)  Herbert Spencer

4.شارلس دارون (1809 - 1882) Charles Darwin:

كتب عالم الاقتصاد البريطانيّ توماس مالثوس «مقالة في مبدأ التكاثر السكانيّ» عام 1798: «إنّ قدرة التكاثر السكانيّ أكبر كثيراً من قدرة الأرض لإنتاج رزق الإنسان» (The power of population is indefinitely greater than the power in the earth to produce subsistence for man !)

لذا فالتكاثر السكانيّ إذا ما استمر دون توقف، يزداد بمتوالية هندسيّة، في حين أن الرزق يزداد بمتوالية حسابيّة.

ومعرفة بسيطة بالأرقام توضح ضخامة القوة الأولى إذا ما قورنت بالثانية». يرى مالثوس (وهو أصلاً رجل دين أنجليكاني) أن مجتمعات المُساواة الحُرّة عُرضةً للانفجار السكاني، يصِفها مالثوس بتعبير دراميّ مثير: «تكتسح الأوبئة الجائحة والأمراض المُميتة والطاعون على نحو مروّع لتهلِك الآلاف وعشرات الآلاف منهم. فإذا لم تنجح هذه تمامًا، فإنّ موجات المجاعة (والحروب) تأتي متأخرة، وبضربةٍ قاضية واحدة، تقوّض منسوب التعداد السكانيّ وتعدّله ليتساوى مع منسوب الغذاء في العالم». وعدّ أن تكاثر السكان ينضبط متناسبًا مع حدود الموارد المتوافرة بنوعين من الضوابط: الضوابط الإيجابية، التي ترفع نسبة الوفيات (كالمجاعة والأمراض والحروب)، وضوابط سلبية، تخفّض نسبة الولادات، كالإجهاض، وتحديد النسل، والبغاء، وتأجيل الزواج، والعزوبية (الامتناع عن التناسل). يزعم مالثوس أنّ التكاثر السكاني يفوق اعتياديًّا موارد الغذاء، مما يؤدّي من ثم إلى موت الأضعف جوعًا، وهو ما يسمّى بفاجعة أو أزمة مالثوس Malthusian Crisis. ولا يزال المؤرخون الأوروبيون يُعلـّلون الاستعمار الإسباني والأوروبي للأمريكتين وقتل قرابة 3 مليون من سكانها الأصليين (الهنود الحمر) على أنه جاء نتيجةً طبيعية لأزمة مالثوس!!!

وفي الوقت الذي عدّ الآخرون زيادة الإخصاب ذا فائدة اقتصادية (لازدياد عدد العمال المتاحين للعمل)، وقف مالثوس مناقضه، لأنه اعتقد أن الإخصاب بالرغم من رفعه للإنتاج الإجمالي، إلا أنه يخفض الإنتاج للرأس الواحد من العمّال. وكان لـ مالثوس أكبر الأثر فيما يُسمى حديثًا في أوروبا عمومًا وفي بريطانيا خصوصًا بـ تنظيم الأسرة المتمثلة بالعمليات الجراحية اليومية: قطع الحبال المنوية الذكرية Bilateral Vasectomy وربط قنوات فالوبي النسائية Fallopian Tubal Ligation .

مساوئ نظرية مالثوس:  تنبأ مالثوس بأزمة سكانية تتفجر في أواسط القرن الـ 19، ولكن لم يحدث شيء! ثم تنبأ أنصار مالثوس الجدد في كتابهم (قيود النمو) لعام 1972 بأزمة مستقبلية أخرى، كذلك كانت نبوءة خاطئة.

كذلك فإنّ محاولات الحدّ من النمو البشري عن طريق تنظيم الأسرة هي محاولات تداخلية جراحية، وأحيانًا قسرية وحشية (مثل عمليات العقم على نطاق واسع، أو سياسة الطفل الواحد المتبعة في الصين) وغالباً ما يرفضها الناس بالفِطرة. وحديثًا صارت ظاهرة «تأنيث الطبيعة» Feminization of Nature (بسبب التلوّث الكيميائي الواسع للكون) مثل الوباء الجائح، متسببة انتشار العقم كمرض الطاعون (انظر كتاب ديبورا كادبوري: تأنيث الطبيعة. طبعة حامش هاملتون (بنجوين) لندن 1997).  ثم إن مجلة "إيكونومست" (إصدار تشرين الأول/أكتوبر - تشرين الثاني/نوفمبر 2009، ص35–38) نشرت مقالاً عن "انخفاض الخصوبة وكيف أنّ مشكلة السكان تحلّ نفسها بنفسها"، وأنها ستهبط أعداد العالم المتوقعة 9.2 مليار نسمة عام 2050 إلى 5,8 مليار نسمة.

إنّ استعمار الأوروبيين للعالمَ الجديد (والمدفوعين برؤية مالثوس)، تسبب بجشع لا يُشبع في حبهم موارد الغذاء، وطمعهم بالمال بلا حدود، وشغفهم بجبروت القوة، والتسلط على الآخرين (وكأنه حق الولادة لأفراد الجنس الأبيض المتفوق Birth right). وأدى استعمار العالم الجديد أولاً إلى إبادة سكان أمريكا الأصليين مما تسبّبَ بدوره بنقص حادّ في عدد الرجال العاملين، مع ازدياد الحاجة الماسة إلى استيراد الأفارقة العبيد (الذين شرّدوهم من ديارهم) لأجل حلّ مشكلات المُستعمرات الزراعية لتزريع الغلاّت المختلفة: القطن، القهوة، التبغ، قصب السُّكر، سِيزال (ليف أبيض متين تتخذ منه الحبال)، أنواع البذور الزيتية، أشجار المطاط.

لقد كانت الحاجة ماسّـة إلى ملايين العبيد من أجل تحقيق أحلام المستعمرين التصنيعية، فمثلاً إنشاء "قناة بانما" لوحدها أدّى لوفيات هائلة وموت 28000 عامل (بسبب الحمى الصفراء والملاريا، والانجرافات الطينية).

في الواقع، إنّ المشكلة لا تكمن في ازدياد النمو السكاني (كما يعتقد أنصار مالثوس)، ولكنها تكمن في سوء التوزيع الجائر بين السكان. والأهم من ذلك فإنّ التخطيط الجيد يؤدي اعتياديًّا إلى وفرة إنتاج الغذاء؛ لذا، فإنّ أساس المشكلة يكمن في وفرة الإنتاج وسوء التوزيع. إنّ حصة الفرد الواحد من الغذاء، ووجبات الطعام البشرية قد صارت اليوم أكبر من ذي قبل؛ حتى صارت السُّمنة المفرطة اليوم داءً مستشريًّا كالوباء الجائح في العالم.

وحقيقةً، فإنّ وسائل الإعلام قلقة بشأن جبال الزبد والجبن المخزّن، الذي ماعَ وتلاشى أو صارَ نفايات (ترمى في البحر) كلّ ذلك من أجل تثبيت ورفع أسعار السلع، بحسب قوى السوق في العرض والطلب. كذلك، فإنّ هناك جبال الحبوب (من القمح والشعير والشوفان)، وبحيرات من الحليب والعسل (هذا عدا بحيرات الخمر)؛ ولم يوزّع شيءٌ من هذا الفائض الغذائي الهائل بالتساوي داخليًّا، ولا هو أُرسِلَ إلى الأقطار الفقيرة لتخفيف معاناتها.

بالرغم من مساوئ نظرية مالثوس العديدة، لكن مالثوس أثر في السياسيين وصناع القرار في العالم الجديد لافتعال حروب كوسيلةٍ لتخفيض سكان الأعراق الرديئة لمصلحة العرق الأوروبي الأبيض المتفوق (مُعزّزًا بذلك نظرة مركزية أوروبا للعالم Eurocentric vision). والحقيقة أنّ نظرية مالثوس أثرت في سياسة شركة الهند الشرقية البريطانية (كان جيمس ميل، الحاكم العام للشركة الذي شغل منصبه 1828–1835 صديقًا حميمًا ومُعجبًا كبيرًا بـ مالثوس). ثم إنّ رئيس الوزراء البريطاني وليم بت الصغير (الذي شغل منصبه 1783–1801 وأيضًا 1804–1806) كان أحد المُميّزين المتأثرين بـ مالثوس، فبعد قراءته لكتابات مالثوس، سحب فجأةً قراره الذي قدّمه لتمديد إعانة الفقراء (كونهم البشر الأضعف والدون)!!!

والأهم من ذلك كله أنّ نظرية مالثوس صارت بمنزلة قانون الاقتصاد الاجتماعيّ، وهي التي أثرت في استحداث فكرة البقاء للأصلح، المصطلح المرتبط بعالِم علوم الإنسان (الأنثروبولوجي) هربرت سبنسر (1820–1903)، ومرتبط بنظرية «إنجيل الثروة» لكاتبه أندرو كارنيجي (كانت لجنة كارنيجي هذا معنية بمشكلة الرجل الأبيض المسكين (!) في جنوب إفريقيا، ومن ثم لعبت دورًا رئيسيًّا في إقامة سياسة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا).

ثم كان مصطلح سبنسر: البقاء للأصلح (survival of the Fittest) هو الذي ألهَمَ شارلس دارون وألفريد راسيل والاص في استحداث نظريتهما حول «الانتقاء الطبيعي» (لنظرية التطور). ففي 1857 حرّر َ سبنسر عمله الكبير: «التقدّم: قانونه وسببه»(Progress: Its Law and Cause)  بسنتين قبيل نشر دارون كتابَهُ: عن (أصل الأنواع) المطبوع عام 1860. كان سبنسر مُلحدًا وشن حربًا على الدين ورجال الكنيسة الذين وصفهم بـ (فُسّاق المتـّقين) ونصح علانيةً بالإلحاد والمادية. كان سبنسر ودارون متعاصرين، بل كانا صديقين حميمين. فلقد قام سبنسر (المُعاصر لدارون) بدوره باستخدام نظرية التطور البيولوجي لدارون أخيرًا في 1870، مُستحدِثًا نظرية «تطور الطبقات الاجتماعية» وإضفاء الصبغة العلمية عليها بمزجها بنظرية التطور لدارون، وتقديم مفهوم جديد (خاطئ) هو: «الدارونية الاجتماعية -Social Darwinism»، ومن ثم صار يُسمى «العنصرية العلمية -Scientific Racism». وأهم ما فيها أن أصحاب الأعمال الكبيرة لهم الحق بابتلاع ذوي الأعمال الصغيرة، والتبرير لأعمال المتنفذين السُّراق الكبار في أثناء الثورة الصناعية. ودعمت هذه النظرية موجات التمدد الاستعماري (أو الاستخرابي)، والعنصرية، والقومية، والتسلح في العالم. مات سبنسر وحيدًا فريدًا بسبب عنصريته العمياء.

قرأ جميعُ مُنظري الدارونية «مقالة في مبدأ التكاثر السكانيّ» لمالثوس. فقد قرأ كلٌّ من "شارلس دارون"  Charles Darwin(1809 - 1882م)، و"ألفريد راسل والاص (1823-1913م)" لـ مالثوس واعترفا بالدور الذي لعبه مالثوس في تكوين أفكارهما. قرأ دارون مقالة مالثوس في مبدأ التكاثر السكاني عام 1838، أي بعد أربع سنوات من وفاة مالثوس، وأشار أنّ مالثوس هو الفيلسوف العظيم: «مبدأ مالثوس هذا ينطبق بقوة مُضاعفة على ممالك الحيوان والنبات، لأنه في هذه الحالة لا يوجد ازدياد صناعي لموارد الغذاء، وليس هناك انضباط عاقل للزواج». كما قال ’والاص‘: «.. ربما كان أهمّ كتاب قرأته هو كتاب مالثوس حول مبدأ التكاثر السكاني».

وهذا ما دفع ’توماس كارلايل‘ أن يعدّ مقالة الاقتصاد السياسي وخصوصًا مقالة مالثوس علمًا موحشًا وقابضًا للصدر: (Political economy is a dismal science).

صوّر دارون جميع الكائنات الحية، نباتاتٍ وحيواناتٍ، بارتباطها بشجرة ذات فروعٍ وأغـصان. يمثل جذع الشجرة فيها أشكال الحياة البسيطة (البكتريا)، التي تطوّر منها كلُّ شيء. وعـدّ دارون أن البشر لا يُستثنون من هذه العملية التطورية – كانوا أيضًا إحدى الغصون على إحدى الفروع في تاريخ تطور الحياة.

(يتبع)


عدد القراء: 7528

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 1

  • بواسطة د. رياض عدنان عويد من العراق
    بتاريخ 2016-07-12 14:12:14

    بارك الله فيك استاذنا الفاضل .عمر وعافية يا رب

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-