رومانسية الحب بين الشرق والغرب- 1الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2018-02-11 21:14:29

أ.د. مهند الفلوجي

لندن

الحب هو الميل إلى الشيء، منه ما هو مشروع ومنه ما هو مذموم، ومنه الجبلي الفطري، ومنه الاختياري المكتسب. ولكي نسبر أغوار الحب بين الشرق والغرب نبتدأ بقصص قصيرة من الحب في الغرب:

ثلاث قصص من الحب الغربي:

كنت مقيم الجراحة الأقدم في مستشفى شمال إنجلترا عام 1981م، وأدخلت فتاة شابة في العشرين من عمرها  لقسم الطوارئ،  تشكو من ألم في أعلى البطن استقر بعد دخولها المستشفى في جهة البطن اليمنى السفلى وكان الألم مصحوبًا بفقدان شهية وتقيؤ؛ تأكد من فحص بطنها ومن فحص عينة الدم وارتفاع عدد الخلايا البيضاء إن تشخيصها السريري هو التهاب الزائدة الدودية الحادّ. أُحيلت المريضة لصالة العمليات الجراحية لإجراء عملية استئصال الزائدة الدودية، وأثناء تحضيرها للعملية وُجد وشم مضحك (David Only 4 U) أي "لكَ وحدك ديفيد" فهِم َ الجميع منه أن المريضة قد وقعت في غرام ديفيد الذي شغفها حبًّا لدرجة إنها نحتت اسمه على جسدها. انتهت العملية ونُقلت المريضة إلى غرفتها وكان الحبيب ينتظرها فنادته الممرضة: انتهت العملية يا(ديفيد)، فصاح: أنا صاحبها واسمي (ريشارد)!!!  ياللمصيبة، خاب ظن الممرضة وجميع الطاقم الجراحي بهذه العلاقة! لكن الأدهى والأمرّ أنّ هذه المريضة في متابعتها السريرية جاءت إلى العيادة الخارجية للمستشفى مع صاحبها فناداه الجراح: أنت صاحبها ريشارد، فاعترض قائلاً: أنا صاحبها لكن اسمي (جون)!!! ياللهول، صديق ثالث في علاقةِ حبٍ مختزلة  في أشهر معدودة! أي حبٍّ هذا!

بل إن صديقًا لي (مسلمًا عربيًّا)، سألته مرة: ما أغـرب ما شهدته في الغـرب؟ فأجابني بلا تردد: (إن الإنسان يستلطف الإنجليزية، فيخرج وينام معها بالفراش، ثم يؤنبه ضميره أن ما فعلوه حرام لا بد من استحلاله بالزواج، فتجيبه مستغربة: أي زواج تتكلم عنه؟ لقد قضينا ليلة جميلة سويًا وكفى، فلماذا الزواج)؟ لقد أفحمته باستحلالها الحرام لأجل المتعة الجنسية البحتة، فعرف أنها امرأة لعوب تخرج وتنام مع الآخرين، فتركها ولام نفسه. 

كانت معنا في المستشفى طبيبة جرّاحة استشارية ترفض الزواج، بلغت الأربعين من عمرها فعصفت بها أحاسيس الأنوثة تتشوق لطفلٍ تربيه، فما كان منها إلا أن تزينت في اليوم الرابع عشر من دورتها الشهرية (أعلى فترة للإخصاب) وخرجت للبار أو الخمارة فاختارت أوسم شابٍ تقع عيناها عليه لتكون قربه تكلمه وتشرب معه لتخرج معه بعدها وتنام في فراشه. رجعت بعدها للمستشفى وبعد أيام فرحت بحملها وصار لها طفل لا يعرف حتى اسم والده. وصارت هي تطالب الحكومة البريطانية بنفقات الطفل لأنها أم غير متزوجة والوالدة الوحيدة (Unmarried mother/ single parent's allowance)!

ثم اتضحت لنا حقيقة حب الغربيات للسفر والسياحة بالخارج  لأجل معاشرة الأجانب هناك لكي تحمل فإذا رجعت لبلادها تكون لها نفقات طفل حكومية فيزداد راتبها وكلما زاد عدد الأطفال زادت لهم صرفيات النفقات الإضافية الحكومية (بغض النظر عن كون الطفل من علاقة شرعية حلال أو من علاقة زنا حرام).

هذه مفارقة هائلة عن الشرق الذي يهيمن عليه عمومًا الدين الإسلامي والعادات الاجتماعية (ومعرفة الحلال من الحرام) حيث يتأطر الحب بضوابط كابحة منظمة تُختم بالزواج، بينما في الغرب بسبب تقويض الدين وتغلب الحياة المادية البحتة يهيمن الجنس في المحيط الغربي في وسائل إعلامه (راديو، تلفزيون، مسرح، سينما) وفي الصور والمجلات والمسرحيات والمسلسلات والأفلام، حتى صارت علاقات الحب قصيرة ومتعددة جدًّا ويُمارس فيها الجنس بحرية مطلقة، ونادرًا ما تفضي إلى الزواج الحلال (والحلال أصلاً كلمة عربية لا نظير لها في الإنجليزية وتُسمى كما في العربية Halal).

وتتراوح نسبة الأولاد غير الشرعيين في الغرب بين النصف إلى ثلثي المواليد عمومًا وهي تقابل نسبة العلاقات الجنسية بلا زواج. فالحب في الغرب لا يفضي لزواجٍ إلا في النوادر، والحب الغربي في جملته ليس إلا محض زنا (ولا يهتم الغربيون كثيرًا للزنا ولا لحُرمته).

مفارقات الحب بين الشرق والغرب:

بالرغم إن الشُـقّة بين الشرق والغرب بدأت تضيق بسبب العولمة Globilization مما قد يؤدي لاضمحلال الفروق بين الشرق والغرب، إلا أن علاقات الحب في الشرق تظل منضبطة لحدٍ كبير بالتأثير الديني والاجتماعي المحافظ متمثلاً بالعامل التربوي للأسرة والمدرسة والجامعة. ولعل  أهم مفارقات الحب بين الشرق والغرب هي:

1. قدسية الحب في الشرق بخضوعه للضوابط الدينية والاجتماعية دونما شهوة جنسية ابتداءً؛ هو حب فزواج ومن ثم تأتي المتعة الجنسية الحلال آخرًا.  بينما الحب في الغرب يُمارس بحرية مطلقة لا تخضع لأي ضوابط؛ هو في الغالب ليس إلا زنا سويعات بشهوة عارمة (هو ليس حبّا في حقيقته، بل إشباع للغريزة الجنسية واستباحة الحرام منذ البداية).

2. في الشرق يتم المرور بمراحل الحب العديدة، وللغة العربية التأثير البليغ في توصيف كل مرحلة بمفردات فريدة وبدِقّة متناهية. في الغرب قلما توجد مراحل للحب ولا مفردات لغوية لذلك.

3. الحب في الشرق يمر بعلاقة طويلة الأمد ومعاناة قد تشتد وتمتد حتى الموت. في الغرب تغلب العلاقات القصيرة الأمد.

4. يمتاز الحب الشرقي على الأغلب بالإخلاص الصادق لامرأة واحدة، بينما الغربي يكاد يتقلبُ بين العديد من رفيقات الهوى.

5. الحب في الشرق تحت تأثير الإسلام أنجب ظاهرة الحب العذري والشعر العذري (بلا توصيف مهين لمفاتن جسد المرأة) مع عذوبة توصيف الحبيب/المحبوب بألفاظ مجازية كالبدر والقمر والشمس والنجم  (بلا مقابل لهذا وذاك في الغرب).

تأصيل كلمة الحب:

كان العرب (برهافة الحس ورقة المشاعر والعواطف الجياشة) أول من جعل القمر والشمس عـنوانًا مجازي للحبيب ورمزًا للحب العفيف. ولما كان الشعر ديوان العرب، نشروا الشعر في الأندلس/إسبانيا ومنها انتقل للعالم، كما في كتاب (طوق الحمامة في الأُلفة والأُلاّف) لابن حزم الأندلسي (وهو من المولدين من أم اسبانية) وأثّر كتابه جدًّا في الـ Troubadours أي طرب ودور أي الموسيقى الجوالة التي انتشرت في إسبانية وفرنسا وإنجلترا. وهكذا فالكلمة الإنجليزية (Love) هي اشتقاق من الكلمة العربية (ألِف).

وأتساءل ماذا تكون ردة الفعل اليوم لو أن قاضيًا مسلمًا معاصرًا ألف كتابًا في الحب؟!!

العربية لغة الحب البشري:

المفردات الإنجليزية شحيحة في رومانسية الحب حيث تتراوح غالبًا في أحبك (I love you).

وهذه مفارقة هائلة عن الشرق الذي يهيمن عليه الدين الإسلامي في علاقات الحب، ويفصل مراتب الحب بدقة متناهية.

للحب البشري أسماء عربية مختلفة تصف مراحل العلاقة الرومانسية ومستوياتها (دون ممارسة الجنس؛ لأن ممارسة الجنس خارج الزواج تُعدّ مُحرّمة في الإسلام)؛ فبينما التعبير الإنجليزي للحب يتكون من كلمة واحدة: Love حب، أو يقع في الحبّ - مع أو بدون مدلول جنسي)، تمتلك اللغة العربية 13 اسمًا يعكس كلٌ منها عمق علاقة الحب ومراحله:

1. أول مراتب الحب: الهوى (لسريانه مع الهواء).

2. ثم العلاقة: وهي بداية ارتباط قلبين (ومنه العَلـَقة في الرحم والعَلَق الطبي).

3. الصَبابة: وهي الميل للحبيب وانشداد التفكير به، مُشتق من صبّ: وهو السائل المتحرك من الطعام. أي كانصباب الماء وانحداره نحو مصبّه.

4. الكَلَف: وهو شدة الحب، اشتداد التفكير وذكرى الحبيب.

5. العِشق: وهو الحب المفرط، واستمرار اشتداد التفكير، وملاحقة الحبيب أينما جاء، (مشتق من عشيقي وهو نبات متسلق يحوط الشجرة).

6. الوجد أو الشَعَفٌ واللوعةٌ واللاعِجٌ: وهو الهوى المُحرق.

7. الشَغَف: وهو أن يبلغ الحب شغاف القلب ويخترقه.

8. الجَوى: وهو الحب الذي يخترق داخل الإنسان مع الحُرقة وشدة الوجد.

9. الغرام: وهو الحب الملازم مع الألم ومنه الآية: (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) الفرقان:65

10. التتيم: وهو حب العبودية مع الطاعة التامّة والانصياع، ومنه: تيم الله؛ أي: عبدالله.

11. التّبْل: وهو أن يسقمه الحب، فهو: متبول. (ومنه قول الشاعر كعب بن زهير في قصيدة البردة:

بانت  سعاد  فقلبي  اليوم  متبولُ

                                        مُتيمٌ  إثرها  لم  يُفد  مكبول).

12. تدْلِيه: وهو ذهاب العقل من الهوى، ومنه رجلٌ مُدَلَّهٌ.

13. ثم الهُيُوم والهيام: وهو أن يذهب على وجهه كالمجنون؛ لغَلَبة الهوى عليه، ومنه: رجلٌ هائمٌ. (أي كالهوائم والسوائم أي كالحيوانات كما في مجنون ليلى) فإذا حصل الزواج فهو الجماع الحلال أو النكاح، بينما الجماع الحرام يسمى بالسِـفاح (نفس الفعلة لكنها في الأولى زواج وفي الثانية زنا). وللنِكاح باللغة العربية نحو مئة اسم، لوصف مختلف أنواعه، حسب قوة الاتصال، ووضع النِكاح. وقد كتبَ الإمام الثعالبي فصلاً فيما يختصّ به الإنسان من ضروب النكاح، فقال:

(لعل أسماء النِكاح تبلغ مئة كلمة عن ثقات الأئمة، بعضها أصلي وبعضها مُكنّى).

رومانسية  الحب النبوي (حب النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة):

1. يتكلمون عن حب واحترام وأتيكيت الغرب مع النساء؟! وينسون النبي محمد (عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم)  وحبه الطاهر الذي مؤداه الزواج كما في زواجه من خديجة  بعد تجارة وزواجه من عائشة بعد حلم رآها فيه. ويُدهش المرء بعاطفة الحب الوهاجة ومشاعر العشرة النبوية الشريفة. أخرج الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حُبِّبَ إلي من الدنيا النساءُ والطيب، وجُعلت قرةُ عيني في الصلاة). ويقصد حب الزوجة.

والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم حبب إليه النساء. واختلف في حكمة تحبيب النساء إليه، فقيل: لينقلن عنه ما لا يطلع عليه الرجال من أحواله ويستحيا من ذكره، ومن جملة ذلك: أحكام الغسل والحيض والنفاس والعدة وما شابه ذلك.

ما يستحي هو من الإمعان في التلفظ  به، فأحبهن لما فيه من الإعانة على نقل الشريعة.

أما حبه صلى الله عليه وسلم للطيب فلكونه يناجي الملائكة وهم يحبون الطيب.

وقالَ صلى الله عليه وسلم: (نَعَمْ إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) رواه أبو داود.

معنى الشقائق: أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهنّ شُققن من الرجال.

وسـأله عمرو بن العاص (رضي الله عنه): يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عائشة» (وهي زوجه حبيبة حبيب الرحمن).  قالها في مجلس أمام الرجال وقادة الأمة الإسلامية من الصحابة آنذاك. 

وثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة، إنْ كرِه مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ منها آخر). وقد قال الله تعالى ممتنًا على الأزواج: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً). والمودة هي المحبة. إذن هناك حب قبل الزواج شريطة أن يكون طاهرًا لا ترتكب فيه الفواحش، وشريطة انتهاءه بالزواج.

يقول الباحث البريطاني "جب"، متحدثًا عن محمد صلى الله عليه وسلم "إنه من المسَلم به عالميًّا بصفة عامة أن إصلاحاته (صلى الله عليه وسلم) رفعت من قدر المرأة ومنزلتها ووضعها الاجتماعي والشرعي"(1). "ورفع عن المرأة قيد العبودية التي فرضتها تقاليد الصحراء"(2)..

ويرى العلامة ول ديورانت(3) أن الإسلام قد رفع "من مقام المرأة في بلاد العرب ... وقضى على عادة وأد البنات، وسوّى بين الرجل والمرأة في الإجراءات القضائية والاستقلال المالي، وجعل من حقها أن تشتغل بكل عمل حلال، وأن تحتفظ بما لها ومكاسبها، وأن ترث، وتتصرف في مالها كما تشاء، وقضى على ما اعتاده العرب في الجاهلية من انتقال النساء من الآباء إلى الأبناء فيما ينتقل لهم من متاع، وجعل نصيب الأنثى في الميراث نصف نصيب الذكر، ومنع زواجهن بغير إرادتهن"(4).

ويوضح إميل درمنغم  كيف حرر النبي صلى الله عليه وسلم  المرأة، ويفصل في ذلك.. قائلاً: "مما لا ريب فيه أن الإسلام رفع شأن المرأة في بلاد العرب وحسَّن حالها، قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: (ما فتئنا نعد النساء من المتاع حتى أوحى في أمرهن مبينًا لهن)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم )..   صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى الزوجات بإطاعة أزواجهن، ولكنه أمر بالرفق بهن ونهى عن تزويج الفتيات كرهًا وعن أكل أموالهن بالوعيد أو عند الطلاق"(5).

يقول نظمي لوقا "ولم يكن للنساء نصيب في المواريث أيام الجاهلية ... فأنزلت الآية التي تورث النساء. وفي القرآن تحريم لوأد البنات، وأمر بمعاملة النساء والأيتام بالعدل، ونهى محمد صلى الله عليه وسلم عن زواج المتعة وحمل الإماء على البغاء .."(6) .

ويقول أحمد سوسة: ".. كانت المرأة في ديار العرب قديمًا محض متاع، مجرد ذكرها أمرٌ ممتهن. هكذا كان الوضع حينما جاء محمد صلى الله عليه وسلم، فرفع مقام المرأة في آسيا من وضع المتاع الحقير إلى مرتبة الشخص المحترم الذي له الحق في الحياة حياة محترمة، كما أن له الحق في أن يملك ويرث المال"(7).

2. يبهرنا مشهد ممثل أجنبي يطعم زوجته في الأفلام الأجنبية ولا ننبهر بالحديث الشريف: (إن أفضل الصدقة لقمة يضعها الرجل في فم زوجته) وقوله (إنك لن تنفق نفقة إلا أجِرتَ عليها حتى اللقمة ترفعها إلى فم امرأتك). إنها المحبة والرومانسية الحقيقة في الهدي النبوي الشريف.

3.  ينبهرون عندما يرون الرجل الغربي يفتح باب السيّارة لزوجته ولم يعلموا أنه في غزوة خيبر جلس رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) على الأرض وهو مجهد وجعل زوجته صفيه  تقف على فخذه الشريف لتركب ناقتها. هذا سلوكه في المعركة فكيف كان في المنزل؟!!!

وقد سابق نبينا صلى الله عليه وسلم زوجته عائشة حبًّا في ملاطفتها، فتغلبه مرة ويغلبها أخرى وهم يتضاحكون.

4. كانت وفاة رسولنا الكريم في حجر أم المؤمنين عائشة وكان بإمكانه أن يتوفى وهو ساجد لكنه اختار أن يلفظ آخر أنفاسه بحضن زوجته بين سحرها ونحرها، ولاكت وليّنت له المسواك قبل وفاته.

5.  كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما يريد أن يشرب، يأخذ نفس الكأس الذي شربت فيه ويشرب من نفس المكان الذي شربت منه.

6. يتبجحون بملاطفة الغربي لرفيقته أو زوجته. وينسون قول عائشة زوجته وهي تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يباشرني وهو صائم وكان أملككم لإربه) رواه الترمذي وصححه الألباني. يباشرني أي يلامس بشرته بشرتي، أملككم لإربه أي أكثركم تحكمًا بشهوته.

7. بل كان صلى الله عليه وسلم يرصد الحيض ولا ينفر منه، بل ويغتسل مع زوجه في إناء واحد. عن زوجته أم سلمة هند بنت أبي أمية قالت: (حضت وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخميلة، فانسللت، فخرجت منها، فأخذت ثياب حيضتي فلبستها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفست. قلت: نعم، فدعاني، فأدخلني معه في الخميلة. قالت: وحدثتني: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقبلها وهو صائم، وكنت أغتسل، أنا والنبي صلى الله عليه وسلم، من إناء واحد من الجنابة). رواه البخاري في الجامع الصحيح.

حُرمة الزنا في الحب:

المتأمل في حياة ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ يَعْجَب من معاملته النفوس، والحرص على تربيتها، ورفقه في إصلاح أخطائها، وعلاجها، يظهر ذلك في مواقفه التربوية الكثيرة ومنها موقفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع شاب مسلم جاء يستأذنه في الزنا. عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: (أِنَّ فَتًى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَه ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا, فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ, قَالُوا: مَهْ مَهْ, فَقَالَ: ادْنُهْ, فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا, قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ: لَا وَالله يا رسول الله, جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ, قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ, جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ, قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ, قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يا رسول, جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ, قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ, قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ, وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ, وَطَهِّرْ قَلْبَهُ, وَحَصِّنْ فَرْجَهُ, فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والإمام أحمد في مسنده.

لقد انتفض الصحابة عند سماع الاستئذان في الزنا من الشاب، فزجروه: "مه.. مه"، ولكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عالجه بطريقة أخرى وذلك بيان مفاسد مطلبه، وسوء عواقبه، وفي هذا إرشاد للمعلمين والمربين والدعاة باللطف بالجاهل قبل التعليم، فذلك أنفع له من التعنيف، ثم لا وجه للتعنيف لمن لا يعلم، فالإقناع برفق وحكمة هو الباب الصحيح لصرف العقول والقلوب عن المخالفات ..

ولم ينظر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى ذلك الشاب على أنه فقد الحياء والخير، بل تفهم حقيقة ما بداخله من شهوة، ولمس جانب الخير فيه، فتعامل معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمنطق الإقناع العقلي مع الشفقة والحب، فأثابه إلى رشده، وأرجعه إلى طريق العفة والاستقامة، حتى أصبح رافضًا للرذيلة، كارهًا لها.

وقد احتوى هذا الموقف على الأسلوب العاطفي في الدعوة والتربية من قِبَل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع هذا الشاب، وظهر ذلك في: (ادنه)، (فدنا منه قريبًا)، (فجلس)، (فوضع يده عليه)، ودعا له بقوله: (اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه)، ولا شك أن الحديث العاطفي في مواطن ومواقف كثيرة يكون مفتاحا مهمًا للإقـناع.

ولم يكتف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالإقناع بالأسلوب العاطفي، بل ضم إليه الإقناع بالأسلوب العقلي بقوله: (أتحبه لأمك؟)، (أفتحبه لابنتك؟)، (أفتحبه لأختك؟) (أفتحبه لعمتك؟)، (أفتحبه لخالتك)، وكان يكفي قوله: (أتحبه لأمك)، لكنه عَدَّدَ محارمه زيادة في الإقناع، ودلالة على أن ما قد يأتي من النساء لا تخلو أن تكون أمًّا، أو بنتًا، أو عمة، أو خالة لأحد من الناس. أرأيت هذا الصدر الواسع؟ أرأيت هذا الحلم؟ في سيرة النبي الأعظم. والحكمة العظيمة في قوله: (هلا علمته إذا كان جاهلاً، وهلا أطعمته إذا كان جائعًا؟)، وقال النووي: "وفيه الرّفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيفٍ ولا إيذاء، إذا لم يأتِ بالمخالفة استخفافًا أو عنادًا، وفيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما".

إن سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مليئة بمثل هذه المواقف التربوية والمضيئة التي ينبغي أن نقتدي بها في تعليمنا وتربيتنا ودعوتنا، وصدق الله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب:21 .

عيد الحب أو يوم فالنتاين Valentine's Day :

لما دخل الرومان في النصرانية بعد ظهورها وحكم الرومان الإمبراطور الروماني (كلوديوس الثاني) في القرن الثالث الميلادي منع جنوده من الزواج في العاصمة؛ لأن الجنود المتزوجين في اعتقاده يشغلهم يكونون ضعافًا في الحروب التي كان يخوضوها، فتصدى لهذا القرار (القديس فالنتاين) معلنًا أن الزواج هو رباط رباني، وصار يجري عقود الزواج للجند سرًّا، فعلم الإمبراطور بذلك فزج به في السجن وحكم عليه بالإعدام. وفي سجنه وقع في حب ابنة السجان، وكان هذا سرًّا (حيث يحرم على القساوسة والرهبان في شريعة النصارى الزواج وتكوين العلاقات العاطفية)، ونفذ فيه حكم القتل يوم 14 فبراير عام 270 ميلادي، وسلم ابنة السجان ملحوظة كتب فيها (من مودّكم: فالنتاين) ومن يومها أطلق عليه (يوم فانتاين Valentine's Day) الذي صار احتفالاً سنويًا لـ(عيد الحب) الذي يباع فيه قرابة بليون كارت كل سنة، وصار ثاني أكبر مناسبة لبيع الكارتات بعد الكريسماس.

ومظاهر الاحتفال بعيد الحب تتمثل في:

1/ إظهار الفرح به.

 2/ تبادل الورود الحمراء والهدايا.

 3/ ارتداء الملابس الحمراء.

 4/ تنزه العشاق في هذا اليوم.

 5/ تعليق البالونات المكتوب عليها عبارات الحب والغرام. 6/ توزيع صور (كيوبد) إله الحب عند الرومان (طفل صغير له جناحان ويحمل قوسًا).

7/ إقامة الحفلات الجنسية الداعرة، حيث صار يوم فالنتاين يرمز لعلاقة الجنس المختلطة بالحب في الثقافة الغربية.

 

المراجع:

(1) -  هـ. أ. ر. جب : المحمدية، ص 33.

(2) - هذه الجملة لجيمس متشنر، نقلاً عن نقلا عن كتاب قالو ا في الاسلام بقلم حسن الشيخ خضر الظالمي. ص 50

(3) - مؤلف أمريكي معاصر، تعد موسوعته (قصة الحضارة) ذات ثلاثين مجلدًا ، واحد ة من أشهر الموسوعات التي تؤرخ للحضارة البشرية، عكف على تأليفها السنين الطوال، وأصدر الكتاب الأول منها عام 1935، ثم تلته بقية الأجزاء ومن كتبه (قصة الفلسفة) .

(4) - ول ديورانت: قصة الحضارة، 13/60.

(5) إميل درمنغم: حياة محمد، ص 329-330.

(6) نظمي لوقا: محمد الرسالة والرسول ص 96.

(7) أحمد سوسة: في طريقي إلى الإسلام ، 2/42.

- البروفيسور مهند الفلوجي: معجم الفردوس الجزء الأول، الفصل الأول. العبيكان للنشر عام 2012.

- ويكيبيديا أعلام الحب العذري.


عدد القراء: 11870

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 4

  • بواسطة سمير الموصللي من سوريا
    بتاريخ 2020-02-01 13:58:34

    موضوع جميل ومعلومات رائعة ولكن هنالك بعض الملاحظات عن مساوئ طرق الحب في البلاد المسلمة وأفضلية طرق الحب في البلاد الغربية ومعرفة الدين الإسلامي على حقيقته لا كما فسره الأولين بالقرن السابع الميلادي ونشأنا عليه لغاية هدا القرن ال 21 حان الوقت للدراسة الموضوعية والمنطقية لهذا القرن وإبراز محاسن ومساوئ العادات والتقاليد في بلادنا كفانا تخلفا وشكرا

  • بواسطة الدكتور الجراح حسين صالح من العراق
    بتاريخ 2018-03-13 15:08:22

    مرة اخرى مرّ وقت قراءة المقال دون الإحساس بوقت مطالعته لما تحتوي طياته من عمق المعلومه وجمال العرض و بساطة التعبير. هي رومانسية الحب الشرقي، ممزوجة برومانسية الشرقي الاستاذ مهند الفلوجي ؟؟!! مشتاااتقين جدا استاذ مهند.

  • بواسطة الدكتور محمد توفيق من بريطانيا العظمى
    بتاريخ 2018-03-01 20:13:50

    رومانسية الحب بين الشرق والغرب. مقال أكثر من رائع يا د مهند سلم يراعك أدعو الإخوة جميعا لقرائته والإستمتاع بأسلوبه الأدبي الرائع وفحواه الراقي تحية لمهند وللجميع محمدتوفيق

  • بواسطة علي محمد زيدان من العراق
    بتاريخ 2018-02-18 00:58:43

    من أعظم أنواع الحب في العالم باجمع هو الحب النقي واحب ان اشكرك أستاذنا الفاضل على هذه المقالة الرائعة فعلا المقالة جميلة جدا وموضوعا ينقر على الوتر الحساس وتتوق اليه الارواح وتشتاق اليه القلوب.فالحب هو قوت القلوب وحياتها .فالحب هو شكله الوحيد ان يكون نزيهآ .وتدخل فيه مشاعر الحماس الديني ويرتبط بالاراده والاتجاه والثبات .فالحب الحقيقى والنظيف لا يتغير بتغيير الظروف المحيطه به .فالحب الشرقي كما تحدثت عنه فهو حب راسخ وعميق وكريم حيث لا ينتظر مقابل فاذا كان الحب الغربي سيارة تسير على الارض فالحب الشرقي العذري طائرة تحلق في السماء .ان مشاعر الحب غير قابله للتفسير والفهم التي تجعلك تشعر وانت بحضرت من تحب بانك في حالة التكامل والتوافق.فالحب شعور فطري ووجدانية الحب صافية لا تدنسها افكار الغرب

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-