تاريخ جراحة التجويف البطني - الإسهامات العربية (1-2)الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-03-20 17:17:48

أ.د. مهند الفلوجي

لندن

هذا بحث تاريخي أصيل مُعمق عن الإسهام العربي في جراحة التجويف البطني مع تسليط الضوء على إنجازهم في فتح البطن جراحياً. لقد أبدع أبو القاسم الزهراوي (936 – 1013 ميلادي) في كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف" في أول وصف لجراحة البطن والذي لم يرد في بحوث الطب سابقاً. كما وصف طـُرق إرجاع الأمعاء وتخييط جدار البطن وغلقه. واستخدم أبو القاسم الزهراوي كماشات النمل العربي لتخييط مفاغرة الأمعاء؛ وكان أول من خاط الأمعاء بخيوط دقيقة مستخرجة من أمعاء الحيوان.

في العمليات الجراحية، وضع العرب ضروريات خمسة لإجراء العملية الناجحة: معرفة علم التشريح، ومعرفة العدوى والوقاية منها (التعقيم)، والتخدير لقتل الألم، وطرائق السيطرة على النزيف الدموي (ايقاف النزف)، والأدوات المناسبة للتداخل الجراحي.

1. علم التشريح: حوالي 830 ميلادية نالت تجارب يوحنا بن ماسويه على الحيوانات إعجاب الخليفة المعتصم العباسي، الذي كان مهتما بالطب لدرجة أنه خصص قاعة تشريح خاصة لـ (يوحنا) على ضفاف نهر دجلة في بغداد وجلب القردة التي اُحضرت له خصيصاً من بلاد النوبة في أفريقيا.

علاوة على ذلك، قام ابن زهر بأول فتحة تجريبية في القصبة الهوائية في الماعز، ولاحظ بقاءها على قيد الحياة لعدة أيام بعد العملية. استـُخدِمت الحيوانات النافقة (الميتة) وعلى نطاق واسع للأعمال التجريبية من قبل ابن سينا، الرازي وابن طفيل الأندلسي. 

كانت قصة (حي ابن يقظان) التي كتبها ابن طفيل قـُبيل 1185 ميلادية تحفة علمية. وتتعلق بطفل في جزيرة حيث تبنّته وربّته أحدى الغزلان التي فقدت وليدها مبكراً. وكبر الصبيّ وعاش بين الحيوانات، لكنه صُدِم عندما توفت (أمه) بالتبني. فقام بتشريح جسم الغزالة (أمه) بحثاً عن سرّ حياتها وسبب موتها.

عـَكـَسَ الوصف التشريحي للحيوان المُشرّح معرفة ابن طفيل الهائلة في علم التشريح في القصة المذكورة. وقد ترجمت القصة إلى اللاتينية بعنوان Philosophus Autodidactus (أي الفيلسوف الذي علّم نفسه) بواسطة ميراندولا (1494م) وبوكوك (1671 م) وظهرت القصة في العديد من اللغات الأخرى.

وكانت الروايات العالمية: )روبنسون كروزو( لـ ) دانيال دوف ؛ وقصة (طرزان) لـ (إدغار رايس بوروز ) «لاحظ أن اسم ‘يقظان’ يُقرأ بالإنجليزية ‘يكزان’ وتحويره لاسم طرزان»؛ و(كتاب الغابة) لـ (روديارد كيبلنغ)، عبارة عن روايات محورة من القصة الأصل (حيّ بن يقظان).

كما أن هناك عدد كبير من الكتب الإسلامية عن ممالك الحيوان، وتشريح الحيوان وسلوكه؛ وهي تمثل ثروة نفيسة من المؤلفات العلمية الرائدة. وما (كتاب الحيوان) للجاحظ، و(حياة الحيوان الكبرى) للدُميري، و(عجائب المخلوقات والحيوانات وعجائب الموجودات) للقزويني، سوى عدد قليل من الأمثلة البارزة.

ويحثّ القرآن (العمود الفقري للإسلام) أتباعه على النظر عن كثب في بنية الجسم البشري نفسه: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) سورة فصلت: الآية 53، (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) سورة الذاريات: الآية 21.

في الوقت الذي يُمنع التعامل العبثي مع جثث المسلمين منعاً باتاً، يُعدّ التشريح الهادفة ضرورياً في الممارسة العملية الجراحية وفي التدريس والتدريب الجراحي؛ وهو ضروري في الفحص بعد الوفاة لأسباب الطب العدلي في حالات الوفيات المشبوهة، مثل حالات التسمم والاعتداء؛ وأخيراً، فإنّ التشريح حاسم الدلالة في تحديد أسباب جوائح أوبئة الأمراض المعدية.

في الواقع، هناك أدلة قوية على أنّ العرب كانوا هم الذين أسسوا بالفعل علم التشريح على معايير عالية للغاية وجعله شرطاً أساسياً لممارسة الجراحة. وقد نهلوا معرفتهم الواسعة في علم التشريح من مصادر مختلفة، وهي: الكتب اليونانية في تشريح الحيوانات، والتحنيط المصري (كانت المومياوات المصرية معروفة لعلماء التشريح العربي)، والعناية بملاحظات التراكيب التشريحية والهياكل العظمية لجثث الموتى بسبب الجوع والحوادث في زمن السلم، ومراقبة التراكيب الأساسية أثناء العلاج الجراحي للجروح في زمن الحرب، والتشريح الجراحي للأمهات الحوامل لاستخراج الأجنة الحيّة. ومع ذلك، كان تشريح الجثث البشرية الميتة حقيقة واقعة فعلياً.

حقيقة أن معظم الجراحين، الذين كانوا أيضاً الأطباء الخصوصيين للخلفاء، كانوا متكلمين بضرورة الحاجة للتشريح كشرط أساسي لممارسة الجراحة وهذا يُشير أن التشريح قد أجري علناً أو سراً ولكن بمباركة ضمنية من الخلفاء أنفسهم. والحقيقة إن علم التشريح قد تمّت تغطيته على نطاق واسع في كتابي (القانون في الطب) لابن سينا و(الكتاب الملكي) لعلي المجوسي بوصف غير مسبوق، مع العديد من الاكتشافات والأعمال الرائدة. 

كذلك، فإنه لم تكن هناك حالة واحدة موثقة في التاريخ تشير إلى أن طبيباً مسلماً قد عوقب على خطف جثة ميت أو على تشريح جثة، على الرغم من توثيق كامل للممارسات الخاطئة. لا بد أن هناك احتياطات وضعت خصيصاً لخدمة هذه المهمة الخطيرة. وهذه شملت تشريح جثث غير المسلمين الذين لقوا حتفهم بعد إلقاء القبض عليه أو أثناء القتال مع المسلمين. وقد تم إجراء تشريح الأجنة البشرية على نطاق واسع. وقد تم أيضاً تشريح جثث المسلمين المجانين الذين لا أقارب للمطالبة بهم.

كان ابن النفيس عبقرياً  في علم التشريح حقيقة؛ فلقد هاجم بشدة مفهوم جالينوس وابن سينا للمسام أو الفتحات غير مرئية بين البطينين في القلب، لأن التشريح (كما قال) يكذب وجود مثل هذه المسام؛ كما أنه اكتشف أيضاً الأوعية الدموية التاجية والدورة الدموية الرئوية.

وكانت تصريحات ابن سينا حول التصالب البصري والعضلات خارج مقلة العين تصريحات لم يسبق لها مثيل، ويمكن أن تشير الى عمل رائد يستند لممارسة تشريح الجثث البشرية شخصياً.

ترك العرب بصمات لا تمحى في المصطلحات الطبية التشريحية مثل كلمة body  أي بدن، abdomen أي البطن، ass أي أست (فتحة المخرج)،  verge أي فرج،  buccinator أي بوقية أو العضلة البوقية (لأنها تعمل لنفخ البوق)، nucha (بالعربية نخاع المتعلق بالحبل الشوكي)،  saphenous (من العربية صافن أي العروق الواضحة)،  cephalic and basilica veins أي الوريد البازلي والوريد الكافلي (كل الدم في الطرف العلوي يبزله الوريد البازلي، وما لا يبزله الوريد البازلي يتكفله الوريد الكافلي)،coccyx أي عصعص، colon أي القولون بالعربية، eye أي عين (حرف العين لا يلفظ بالإنجليزية)،blind أي بلا-عين (أي أعمى، لاحظ أنّ حرف العين لا يلفظ بالإنجليزية)، cornea من العربية قرنية (أي قرنية العين)، وغيرها كثير جداً من المصطلحات والكلمات الإنجليزية ذوات الأصول العربية (للاستزادة أنظر: معجم الفردوس).

المراجع:

معجم الفردوس للكلمات الإنجليزية ذوات الأصول العربية: بجزأين للدكتور مهند الفلوجي. طبع ونشر العبيكان. الرياض. 2012. تحت أسماء الأعلام والكلمات.

وأنظر مقدمة الفردوس (الجزء الأول: مغامرات اللغة العربية عبر التاريخ) الفصل الرابع والفصل الخامس.

وابحث في غوغل (فيديو - يو تيوب) تحت عنوان:

1. (العربية أم اللغات ومعجم الفردوس شاهدا)

http://www.youtube.com/watch?v=wkgqaEr-fQE

2. (معهد تاريخ الطب والعلوم عند العرب والمسلمين – ساعة حوار على قناة المجد)

http://www.youtube.com/watch?v=C3cA2JknkzY

3. (فناء وبقاء: موت اللغات وحياة اللغة العربية)

http://www.youtube.com/watch?v=DythgGzv8EQ

4. (عالمية اللسان العربي المبين في لغات العالمين)

http://www.youtube.com/watch?v=6VFFqUGnU_w

5. (قاموس الفردوس ومغامرات اللغة العربية عبر التاريخ)

http://www.youtube.com/watch?v=EsknIRtmSxQ


عدد القراء: 6221

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 1

  • بواسطة أحمد أسامة حسن من العراق
    بتاريخ 2021-02-01 14:21:31

    أشكر الأستاذ الدكتور مهند عبد الرزاق الفلوجي لهذه البحث التاريخي . يعتبر الطبيب المسلم بو القاسم الزهراوي الذي عاش في الأندلس (٩٣٦ - ١٠١٣ م ) من أفضل الجراحين في زمانه .و له كتابه المشهور التصريف لمن عجز عن التأليف الذي يعد موسوعة طبية و هو يحوي على ٣٠ بابا في الطب و الجراحة و الباب الثلاثون فقد دون فيه الزهراوي ٢٠٠ آلة جراحية هي من إختراعه. و قد دونت كتبه الى اللغة العبرية و اللغة اللاتينية لتدرس هذه الكتب في جامعات أوروبا لمدة أربعة قرون . حيث كان يطلق عليه لقب ( أبو الجراحة ) ( The Father of Surgery )

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-