على أعتاب ثورة الذكاء الاصطناعيالباب: علوم وتكنولوجيا

نشر بتاريخ: 2016-11-25 10:30:26

فكر - المحرر الثقافي

مارك بينيوف

الرئيس التنفيذي لشركة "سايلزفورس" للحوسبة السحابية

 

على مدى السنوات الثلاثين الماضية، حصد المستهلكون فوائد التقدم التكنولوجي الهائل. في العديد من البلدان، معظم الناس لديهم الآن في جيوبهم جهاز كمبيوتر شخصي أكثر قوة من حواسب الثمانينيات. كان حاسوب  أتاري 800XL ، الذي كنت أضع عليه ألعابًا عندما كنت في المدرسة الثانوية، مدعومًا من قبل مُعالج يتوفر على 3500 ترانزستورات. اليوم يشتغل الحاسوب في جهاز  "آي فون" على اثنين مليار ترانزيستور. في ذلك الوقت، كان غيغا بايت واحد من التخزين يكلف 100 000 دولارًا، أي ما  يعادل حجم الثلاجة. أما اليوم فأصبح التخزين  بالمجان أساسًا ويقاس بالملليمتر.

حتى مع هذه المكاسب الضخمة، نتوقع تقدمًا أكبر وأسرع على مستوى اتصال الكوكب بأسره - الناس والأشياء – سيصبحون أكثر اتصالاً. بالفعل، خمسة مليارات من البشر يتوفرون على جهاز محمول، وأكثر من ثلاثة مليارات شخص يمكنهم الولوج إلى الإنترنت. في السنوات المقبلة، 50 مليار من الأشياء - من المصابيح الكهربائية والثلاجات، والطرق، والملابس، وأشياء أخرى - سوف تكون متصلة بالإنترنت كذلك.

خلال كل جيل أو نحو ذلك، تتلاقى التكنولوجيات الناشئة، ويحدث اختراع ثوري. على سبيل المثال، ساعد الإنترنت، بأسعار معقولة وبواسطة ضغط الملفات، ونظام "أبل"، مبدع "آي فون"،  على تمكين شركات مثل أوبر، إيربنبي، يوتيوب، الفيسبوك، وتويتر لإعادة تعريف تجربة المحمول على الزبائن.

ونحن الآن على أعتاب تقارب كبير آخر: سوف تضاعف البيانات الكبيرة والتعلم الآلي القدرة الحاسوبية، لتجعل الذكاء الاصطناعي متوفرًا في كل مكان قريبًا.

 ويتبع الذكاء الاصطناعي مقولة ألبرت أينشتاين: إن العبقرية تُحَول التعقيد إلى البساطة. لذلك، حيث إن العالم نفسه أضحى أكثر تعقيدًا، من المنتظر أن يصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة التكنولوجيا المتميزة للقرن الحادي والعشرين، تمامًا كما كان المعالج في القرن العشرين.

ويلاقي المستهلكون بالفعل الذكاء الاصطناعي على أساس يومي. ويستخدم نظام قوقل التعلم الآلي لاستعلامات البحث التلقائي، وغالبًا  يتوقع بدقة ما يبحث عنه المرء. و يستخدم الفيسبوك والأمازون خوارزميات التنبؤ لتقديم توصيات بناء على القراءة أو تاريخ الشراء. الذكاء الاصطناعي هو العنصر المركزي في السيارات ذاتية القيادة - والتي يمكنها الآن تجنب الاصطدام والاختناقات المرورية - وأنظمة اللعب مثل "ألفا قو" و"قوقل العقل العميق"، وجهاز الكمبيوتر الذي تغلب على نظام كوريا الجنوبية "قو ماستر سيد لي" في مباراة ذات خمس ألعاب في وقت سابق من هذا العام.

ونظرًا للتطبيقات الواسعة للذكاء الاصطناعي، فإن جميع الشركات اليوم تواجه حتمية إدماجه في منتجاتها وخدماتها. وخلافًا لذلك، فإنها لن تكون قادرة على المنافسة مع الشركات التي تستخدم شبكات لجمع البيانات لتحسين خبرات الزبائن وإبلاغ القرارات التجارية. لقد كَبُر الجيل القادم من المستهلكين مع التكنولوجيات الرقمية وسوف ينتظر من الشركات توقع احتياجاتهم وتوفير الإجابات الفورية لكل شخص.

حتى الآن، الذكاء الاصطناعي مكلف للغاية أو معقد بالنسبة للعديد من الشركات التي تريد الاستفادة منه. قد يكون من الصعب إدماج الذكاء الاصطناعي في العمليات القائمة على الأعمال التجارية، وتاريخيًّا قد يتطلب العلماء بيانات من ذوي المهارات العالية. ونتيجة لذلك، لا تزال العديد من الشركات تتخذ قرارات مهمة على بشكل عفوي بدلاً من الاعتماد على  المعلومات.

وسيؤدي ذلك إلى تغيير في السنوات القليلة المقبلة، كما سيصبح الذكاء الاصطناعي أكثر انتشارًا، مما سيجعل كل شركة وكل موظف أو عامل أذكى وأسرع وأكثر إنتاجية. ويمكن لخوارزميات التعلم الآلي تحليل المليارات من الإشارات لتوجيه خدمة الزبائن تلقائيًّا إلى الوكيل الأنسب أو تحديد الزبائن الأكثر احتمالاً لشراء منتج معين.

وستتجاوز تطبيقات الذكاء الاصطناعي البيع بالتجزئة على الإنترنت: وما تزال محلات الطوب ولوح الملاط  تمثل 90% من مبيعات التجزئة، وفقًا لشركة الاستشارات أ.ت.  كيرني.  قريبًا، عندما يدخل الزبائن متجر عاديًّا، سوف يكون في استقبالهم رجل آلي تفاعلي يمكن أن يوصي بمنتجات حسب تاريخ التسوق، وتقديم خصومات خاصة، والتعامل مع قضايا خدمة الزبائن.

التقدم في ما يسمى "التعلم العميق"، وهو فرع من الذكاء الاصطناعي على غرار الشبكة العصبية في الدماغ، سيمكن التقنيات الرقمية الذكية من التخطيط للعطلات مع فطنة مساعد بشري، أو تحديد ثقة المستهلك تجاه علامة تجارية معينة، استنادًا إلى ملايين الإشارات من الشبكات الاجتماعية وغيرها من مصادر البيانات. في مجال الرعاية الصحية، يمكن لخوارزميات التعلم العميق مساعدة الأطباء في تحديد أنواع الخلايا السرطانية أو تشوهات داخل الجمجمة من أي مكان في العالم في الوقت الحقيقي.

لنشر الذكاء الاصطناعي على نحو فعال، سوف تحتاج الشركات للحفاظ على الخصوصية والأمن. و نظرًا لكون الذكاء الاصطناعي يتغذى من البيانات، فكلما تعددت البيانات عن الفرد، كلما كان ذلك أفضل بالنسبة للتنبؤ باحتياجاتهم والعمل نيابة عنهم. ولكن، بطبيعة الحال، يمكن أن نخصص هذا التدفق الهائل من البيانات الشخصية بطرق مخلة بالثقة. وسوف يتعين على الشركات أن تكون شفافة في كيفية استخدام البيانات الشخصية للناس. ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا الكشف والدفاع عنها ومقارعة الخروقات الأمنية الرقمية، وسيلعب دورًا حاسمًا في حماية خصوصية المستخدم وبناء الثقة.

كما هو الحال في الأوقات الماضية من التحول الاقتصادي، سيطلق الذكاء الاصطناعي العنان لمستويات جديدة من الإنتاجية ونمو حياتنا الشخصية والمهنية، وطرح الأسئلة الوجودية حول العلاقة القديمة بين الإنسان والآلة. وسوف يزعج الصناعات ويخلخل العمال، كما سيجعل المزيد من المهام ذات طابع آلي أو أوتوماتيكي. ولكن مثلما فعل الإنترنت قبل 20 عامًا، سيساهم الذكاء الاصطناعي أيضًا في تحسين الوظائف الحالية وإيجاد فرص عمل جديدة. وينبغي لنا توقع هذا التحول والتكيف معه من خلال توفير تداريب على وظائف الغد، وكذلك شبكات الأمان بالنسبة لأولئك الذين تأخروا.

ولا زال الطريق طويلاً أمام الذكاء الاصطناعي قبل أن يتجاوز الذكاء البشري. قبل 60 عامًا كان وهو عالم الكمبيوتر، جون مكارثي، أول من استعمل كلمة الذكاء الاصطناعي خلال مؤتمر في كلية دارتموث، وأصبحت أجهزة الكمبيوتر في الآونة الأخيرة فقط قادرة على كشف القطط في أشرطة فيديو يوتيوب أو تحديد أفضل مسار إلى المطار.

مستقبلاً، سنستطيع مواصلة الابتكار التكنولوجي بوتيرة أكبر مما كانت عليه الأجيال السابقة. وسوف يصبح الذكاء الاصطناعي مثل التيار الكهربائي - غير مرئي وإضافة جديدة في كل جزء من حياتنا. ثلاثون عامًا من الآن، سوف نتساءل كيف استطعنا في وقت مضى العيش دون الإمدادات الرقمية، تمامًا كما هو الحال اليوم، حيث أصبح  بالفعل من الصعب تخيل السير أكثر من بضع دقائق من دون التحقق من الحاسوب الشخصي (المعتمد على المركزية 1980)  في جيبنا.

 

المصدر: Project syndicate


عدد القراء: 11822

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-