عبد الله الفيصل .. الشاعر المحرومالباب: وجوه

نشر بتاريخ: 2017-03-20 19:43:04

فكر - المحرر الثقافي

بين الشاعر وبساطة الإنسان، أخرج الشاعر الأمير عبد الله الفيصل أول ديوان شعري (وحي الحرمان) للوسط الأدبي السعودي في عام 1373هـ - 1954م، ليتبعه بديوانه (حديث قلب) في عام 1403هـ 1983، الذي ضم بعضاً من أجمل قصائد الفيصل بالفصحى، وحظيت كوكب الشرق أم كلثوم منها بـ(ثورة الشك) و(من أجل عينيك) التي يقول في مطلعها:

     من بريق الوجـد في عـيـنـيك أشـعـلت حنيني

                           وعـلى دربك أنى ّ رحـْت أرسـلـت عـيـونـــي

     الـرّؤى حــــولـي غـــامــت بين شـكّـي ويقـيـنــي

                           والمنى ترقص في قلبي على لحن شجوني

     أسـتـشـف الـوجـد في عـيـنـيك آهـات دفـيـنــه

                           يـتـوارى بين أنــفــاســـــك كـيـلا اسـتـبـيـنـه

      لست أدري.. أهو الحب الذي خفت شجونه

                           أم  تـخـوّفـت  من اللـوّم ...فآثرت  السكينة

 ولأن الأمير الشاعر لم يعرف حدوداً للإبداع نال الجوائز والتكريمات من جهات محلية ودولية أكثر من أن تُحصى، أبرزها حصوله على الدكتوراه الفخرية في العلوم الإنسانية من مجلس أمناء الأكاديمية الثقافية عن مؤتمر الشعراء العالميين عام 1981، وفوزه بجائزة سولاتراز الدولية من جامعة السوربون في عام 1405هـ، بجانب حصوله على مفتاح مدينة باريس من الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في عام 1985.

من رسالة ماجستير بالفرنسية قدمت إلى جامعة السوربون بقلم الكاتبة (منيرة العجلاني) ناقشها المستشرق الفرنسي المعروف ( مسيو مارسيه ) تتحدث عن الأمير الشاعر عبد الله الفيصل يرحمه الله ..

ونستوضح عن (الحرمان) هذا الحرمان الذي دفع بالشاعر لطبع ديوانه الأول تحت عنوان (وحي الحرمان) ولتسمية نفسه ( بالمحروم) !

لنسمع الشاعر أولاً يشرح هو نفسه أبعاد هذا الحرمان وأسبابه ..

«أجل أنا محروم ! الحرمان مرادف للشقاء، أو بداية له، أو هو دليل عليه، والشقاء عكس السعادة. والسعادة ماهي؟ وفي أي شيء تكون؟ هل هي في المنصب والجاه؟ أو هي في الأمارة والوزارة؟ أو هي في الشباب والجمال؟ أو هي في الثروة والمال؟ إن كانت كذلك فأنا سعيد كل السعادة. ولكن أنت محروم من السعادة إذا فقدت الإحساس بها ولو اجتمعت لك كل متمماتها واعتباراتها .. لماذا؟ لأن إحساسك متأثر بعوامل أخرى من الألم والأسى تشغله وتستأثر به عن الشعور بالسعادة .. ولهذا وحده أنا محروم» .

يقول الأديب والشاعر اللبناني المعروف صلاح لبكي في مقدمته لديوان الشاعر : «لعل أعمق ما في مأساة محروم أنه لا يستطيع الإطلال عليك إلا من وراء أمير شاب في مقتبل العمر، غني، وزير لوزارتين، من أسرة حاكمة، فهو لا يعرف ما وراء معاملة الناس له .. هل يكرمونه لنفسه، لأنه إنسان يستحق التكريم عن جدارة أو لأنه يتمتع بالمركز الخطير، والنفوذ الكبير، والمال الوفير !

بل ما أفجع الحرمان الذي يحول دون المرء وحقيقة ما يكنه الناس له كإنسان ! لشد ما أوجعه ! إنه يأبى إلا أن يظل صاحبه رهين غربتين ! غربة نفسه في الأرض وغربة مؤاخاته لمن لا يعرف مدى الصدق في مؤاخاتهم له ! كم يجب أن يكون هذا المحروم محروماً »!.

وقال عنه طه حسين: «هو شاعر بدوي النزعة، قاسى الحرمان وشقي به، ولم يستطع أن يبين عنه وإنما اتخذ التصوير الرمزي وسيلة إلى الشكوى منه والتبرم به والتمرد عليه».

وكتب عنه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك عندما كان عمدة باريس قائلاً: «إن الروائع الأدبية المستخدمة في شعر عبد الله الفيصل تأتي بين الكاتب وعبقرية اللغة التي يستعملها وهي تعكس ما يقع بين المبدع واللغة العربية الأدبية التي أصبحت الأداة والفن لشعره».

وقال الناقد محمد العيد الخطراوي: «عندما نقرأ ديوان (وحي الحرمان) لتكتب عنه تحار، لأن كل قصيدة فيه تطالعك بلون خاص من ألوان الغزل الرفيع، فهو من الشعراء الذين لم يشطوا في التمرد على شكل القصيدة والموروث، بل اكتفى بالمراوحة بين القوافي ليبرهن بذلك على أن الأهمية لا تكون بقدر ما هي كامنة في المضمون».

وكذلك قال عبد الله بن إدريس الشاعر السعودي المعروف، إن عبد الله الفيصل شاعر يشبه الشعراء القدامى كعمر بن أبي ربيعة المخزومي، ويمتاز شعره بالعفوية وشبوب العاطفة الخصب والموسيقى الكلاسيكية وهو من دعاة مذهب الفن للجمال أو ما يعرف بـ «الفن للفن» .

وفي غزل الشاعر الأمير عبد الله الفيصل سمو روحي يرقى بالحب إلى آفاق سامية ويرى أن أسمى ما في الحب هو العفاف.

يقول أ.د. محمد بن سعد بن حسين عن شاعرية الأمير عبد الله الفيصل: عندما يكون الحديث عن شاعر موهوب كالأمير عبد الله الفيصل، فإن مساحة الكلام عنه وعن شعره تتسع إلى حد لا يمكن أن تسعه مثل هذه الصفحات. لا لكون الأمير عبد الله عاش مع الإبداع الشعري طويلاً وحسب، وإنما أيضاً لأن إبداعه الشعري ذو مذاق خاص لكون العاطفة الإنسانية توشك أن تملك عليه أمره فيه، بل إنها لكذلك فعلاً. ولقد نقله الباحثون في مذاهب شتى. فتارة يأتي عندهم واقعياً، وأخرى رومنتيكياً، وثالثة رمزياً، وهكذا ينقلونه في كل مذهب يحلو لهم نسبته إليه. والواقع أن هناك حقيقة تغيب أحياناً عن بعض الباحثين وهي أن هذه المذاهب قد اختلطت في إبداعات العرب، لا لأنها وفدت عليهم دفعة واحدة بعد ما كانت عند الغربيين يقوم بعضها على أنقاض بعض وحسب.. وإنما لأن تلك المذاهب كانت متعايشة في شعر شعراء العربية الأقدمين.

ويحمل شعر عبد الله الفيصل في طياته أثر البيئة الدينية والاجتماعية التي عاش فيها، وفي شعره عاطفة ووجدانية يغلب عليه الغزل، وكثير من غزله يصلح للغناء، وقد تغنى فعلاً كبار المغنين في البلاد العربية ببعض قصائده، ولقيت من الجماهير إقبالاً وإعجاباً.

واتصف الشاعر عبد الله الفيصل بالرومانسية .. ليست رومانسية مريضة أو سوداوية؛ فشاعرنا لم يمجد الألم ولم يستعذب العذاب، وإنما التقى مع الرومانتيكيين أو مع الخط الرومانتيكي في الشعر بهذه الطبيعة الحزينة الشفافة التي ولدها الشك والألم بسبب الحب! ومن هنا تجلت صوره الشعرية الحزينة الشفافة.

والتجديد الذي أحدثه الشاعر عبد الله الفيصل ضمن المفهوم المعروف للشعر العربي بعروضه وقوافيه، فهو تجديد في المعنى والمفردات، إضافة إلى استعماله مجزوءات الأبحر وتغييره القافية خلال القصيدة.

(ثورة الشك)

 

أكاد أشـك في نـفــسـي  لأنـــي

                          أكاد أشك فـيك  وأنت مـنـي

يقول الناس إنك خنت عهدي     

                          ولم تحفظ هواي ولم تصني

وأنت مناي أجمعها مشت بي    

                          إليك خطى الشباب المطمئن

وقد كان الـشباب لـغير عـــود    

                        يولّـي عن فـتـى في غـير أمـن

وها أنا فاتـني القـدر المـوالـي    

                        بأحلام  الـشـباب  ولـم  يفتني

كأنّ صـــــبـــاي قــد ردّت رؤاه   

                       علـى جفنـي  المسهّد  أو كأنّي

يكذّب فيك كل الـنـاس قلـبي     

                       وتـسمع  فيك  كل الناس أذني

وكم طـافت عليّ ظلال شــــكّ       

                      أقضَت  مضجعي  واستعبدتني

كأنّي طاف بي رك اللـيـالــــي    

                      يحدّث  عنك  في الدنيا  وعنّي

على أنّي أغالط فيك سمعي       

                      وتبصر  فيك  غير الشكّ عيني

وما أنا بالمصدّق فيك قـــولاً      

                     ولكـني  شـقيـت بحـسن  ظني

وبي ممــا يساورنــي   كـــثــير    

                    من الـشجن  المؤرق  لا  تدعن

تعذّب في لهيب الشك روحي    

                   وتـشـقى  بالظنون  وبالتمني

أجبني إذا سألتك هل صحيح      

                   حديث  الناس  خنت؟  ألم تخنّي


عدد القراء: 13628

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-