الجوانب الإيجابية للإيقاع السريع للحياةالباب: حياتنا

نشر بتاريخ: 2018-02-11 23:46:15

فكر - المحرر الثقافي

هل شعرت يومًا أن حياتك أصبحت تسير بوتيرة متسارعة، وأن العمر ينفلت من بين يديك؟ الكاتب روبرت كولفيل يستعرض بعض الجوانب الإيجابية لإيقاع الحياة السريع.

هذا ليس محض خيال، فثمة دلائل من حولنا تؤكد أن وتيرة الحياة تتسارع، بداية من شعورنا بأن الساعات تمر سريعًا إلى طول اللقطات في أفلام هوليوود، وحتى ضيق صدورنا وانخفاض قدرتنا على تحمل الانتظار في الطوابير.

ويشيع هذا الشعور في أماكن العمل أكثر من أي مكان آخر، إذ يستنفد السيل المنهمر من رسائل البريد الإلكتروني والاجتماعات الوقت، ولا يتبقى إلا سويعات قليلة مثمرة.

وأجرى جوناثان بي سبيرا، الرئيس التنفيذي لمؤسسة باسيكس للأبحاث وتقديم المشورة في مجال تقنية المعلومات، ومؤلف كتاب "التحميل الزائد للمعلومات" بحثًا، ذكر فيه أن ثلثي العاملين شعروا بأن الوقت لا يتسع لإنجاز جميع المهام، وقال 94 في المئة من العاملين إنهم شعروا في وقت من الأوقات بأن "المعلومات فاقت قدرتهم على مواكبتها إلى درجة أن عقولهم توقفت عن التفكير".

وتوصل استطلاع للرأي شارك فيه 7331 عاملاً في الولايات المتحدة إلى أن نصف المشاركين فيه لم يستنفدوا رصيد إجازاتهم قبل انتهاء العام، وعزى أكثرهم ذلك إلى الخوف من تراكم الأعمال عليهم عند العودة من الإجازات.

إن حجم المعلومات التي نتعامل معها كفيل بقتل قدرتنا على الإنتاج. فالإنسان غير مهيأ لتنفيذ مهام متعددة في الوقت نفسه. وفي كل مرة تحول فيها انتباهك من مثير إلى آخر، مثل الاستجابة لتنبيه بورود رسالة عبر البريد الإلكتروني، تتأثر قدرتك الإدراكية سلبًا.

وقد تزيد مشتتات الانتباه مع الوقت، إذ خلصت دراسة أجريت عام 2005 إلى أن الموظف العادي لا يركز في أداء مهمة واحدة إلا لمدة 11 دقيقة فقط قبل أن يُقاطع. وتوصلت دراسة أخرى، أضيق نطاقًا، أجريت مؤخرًا، إلى أن الموظفين الذين مُنعوا من مطالعة رسائل البريد الإلكتروني كانوا أقل توترًا وإجهادًا وأكثر تركيزًا.

ويترافق الإيقاع السريع للحياة مع زيادة الضغوط والإجهاد، فضلاً عن أن الموظفين الذين يقضون ساعات أطول على المكاتب أكثر عرضة للمخاطر الصحية، مثل الإصابة بالسكتة الدماغية. إلا أن تسارع وتيرة العمل في الشركات، قد يحقق مزايا كبيرة للموظفين.

الحياة المفعمة بالنشاط والحركة

من الغريب أن الإيقاع المتغير للحياة لم يستوف حقه من البحث، وكانت الدراسة الدولية الأكثر تعمقًا في هذا الموضوع هي الورقة البحثية التي أجراها أستاذان في علم النفس هما روبرت ليفاين وأرا نورنزايان عام 1999.

وتوصلا إلى أنه كلما زادت سرعة إيقاع الحياة في المجتمعات، كان أفرادها أكثر قدرة على الإنتاج، وزاد شعورهم بالسعادة والرضا عن الحياة.

وتوصلت ورقة بحثية أخرى، حول إيقاع الحياة في المدن، إلى أن وتيرة الحياة تتسارع في المدن الكبرى، بسبب تزايد معدلات التفاعل الاجتماعي بين الناس وبعضها، وهذا يؤدي بدوره إلى دفع عجلة الابتكار ومن ثم زيادة الثروات.

ولا تفوتنا في هذا السياق الإشارة إلى نقطة مهمة، كثيرًا ما يغفل الناس عنها، وهي أننا نربط ضمنيًا بين ضغوط العمل - وهي الضغوط السلبية الشديدة التي تسبب لنا المعاناة - وبين الشعور بالضيق.

لكننا نتغاضى عن الجانب المفيد من الضغوط، الذي يُسمى "الضغوط الإيجابية"، وهو ذاك الشعور الرائع الذي يغمرنا بعد إنجاز إحدى المهام العويصة أو إتقانها.

ومن المؤكد أن لهذه الضغوط الإيجابية تأثيرًا كبيرًا على الموظفين، فقد أشار معظم الدراسات بشأن الرضا عن الوظائف في أوروبا والولايات المتحدة إلى أن أغلب الموظفين لا يكرهون وظائفهم.

واليوم، يقول نحو ثمانية أشخاص من بين كل عشرة في المملكة المتحدة إنهم سعداء في عملهم، وإن كان بدرجات متفاوتة، فبعضهم سعيد نوعًا ما وبعضهم إلى حد كبير، وبعضهم سعيد سعادة مطلقة.

كما ذكر 74 في المئة من الموظفين في أنحاء أوروبا أنهم سعداء في عملهم، في حين زادت هذه النسبة في الولايات المتحدة لتصل إلى 88 في المئة.

وهذه الأرقام بشكل عام إما ثابتة أو تتزايد، ففي المملكة المتحدة، ذكر المعهد القانوني للأفراد والتنمية، أن معدل الرضا عن الوظائف ارتفع بنسبة ثلاثة في المئة في العام الماضي فقط، إذ كان 64 في المئة راضين عن وظائفهم في مقابل 16 في المئة فقط غير راضين.

المهام اليومية

لقد أثر الإيقاع السريع للحياة على طبيعة أعمالنا اليومية، ربما لتصبح أكثر إبداعًا، وتعود بفوائد أكبر ماديًا ومعنويًا على الموظفين، حتى ولو كان ذلك على حساب ضيق الوقت لإنجاز المهام.

صحيح أن الآلات وأنظمة التشغيل الآلي بدّلت بعض الصناعات، وأطاحت ببعض الوظائف (وخلقت وظائف جديدة)، لكن الأنظمة الآلية وفرت علينا الكثير من المهام المملة والرتيبة أو المرهقة بدنيًا.

وتشهد الولايات المتحدة انخفاضًا شديدًا في معدلات الأمراض والإصابات الناتجة عن العمل. وفي دول الاتحاد الأوروبي، تتراوح الآن نسبة العاملين في المهن "الشاقة" أو "الخطيرة"، ما بين واحد في المئة وأربعة في المئة.

فقد حلت الرافعات على سبيل المثال محل العمال في إنزال الحمولات من السفن، وتودع الآن الإقرارات الضريبية عبر الكمبيوتر وتحول المستندات الورقية المرفقة بها إلى رقمية بالماسح الضوئي، بعد أن كان يعكف على دراستها حشود من الموظفين في المصالح الضريبية.

ومع تلاحق التطورات في الفضاء الرقمي، وما يترتب عليها من سرعة في إنجاز المهام، أصبحت الوظائف المتاحة الآن في سوق العمل، أو التي أفرزتها التطورات الحديثة، هي الوظائف التي تتطلب استخدام حدة الذهن والإبداع لحل المشكلات، أو الإشراف على العمليات التي ينفذها الكمبيوتر.

وطُور برنامج ذكاء اصطناعي، على سبيل المثال، لفحص المستندات القانونية المكونة من آلاف الصفحات وإبراز النقاط المهمة فيها. وبفضل هذا البرنامج، انخفض الوقت المستغرق لإعداد مستند قانوني للبنك، على سبيل المثال، من نحو ثلاث ساعات إلى ثلاث دقائق فقط. وبهذا سيتفرغ المحامون الباقون للأعمال الأكثر تعقيدًا والأعلى قيمة.

ولو نظرنا إلى المجتمع بشكل عام، فإن الإيقاع السريع للحياة ساهم في الحد من هدر الوقت. فإن الساعتين التي كنا نخصصها لتناول الغداء بتمهل أصبحت مليئة بالأحداث والمهام الأخرى.

لا شك أن نمط الحياة السريع يتسبب في الإجهاد والضغوط، لكن في أغلب الأحيان يمكننا التكيف معه ومجاراته. فبإمكاننا على سبيل المثال، إغلاق خاصية التنبيه عند ورود رسائل جديدة عبر البريد الإلكتروني، أو التوقف للحظات قليلة لجمع شتات الفكر والتأمل.

مع العلم أنه لو أتيحت لنا الفرصة للتخلي عن الأجهزة التكنولوجية التي تسرّع وتيرة الحياة، لآثر أغلبنا الاحتفاظ بها.

ولا شيء يشغل تفكير الناس الآن كالتذمر من إيقاع الحياة السريع. ولكن هذا الاستياء يحمل في باطنه الفخر، فأنت كثير المشاغل لأنك مهم ومطلوب، ويقدرك الآخرون. وكلما خُيّرنا بين الإيقاع السريع والبطيء، نختار الأسرع، مع الحفاظ على حقنا في التبرّم منه طوال الوقت.

 

المصدر: BBC


عدد القراء: 6650

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-