عبدالرحمن منيف .. مُثوّر الرواية العربيةالباب: وجوه

نشر بتاريخ: 2019-02-05 22:11:46

فكر - المحرر الثقافي

خاص: مجلة فكر الثقافية

 

إن الرواية هي تعبير صادق ومرآة للمجتمع، ويعبر بها الروائي عما يجري في العالم من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية تعبيرًا صادقًا. ويكشف عما يدور في رؤوس الشعب من العواطف والوجدان. و قد أشار إليه "أرنست بيكر" قائلاً: «إن الرواية تفسير للحياة الإنسانية، من خلال سرد قصصي نثري». وأوضح هذه الفكرة بقدر من التفصيل "دوبرية" فهو يقول: «هي ذلك الشكل الأدبي، الذي يقوم مقام المرآة للمجتمع، مادتها إنسان في المجتمع، أحداثها نتيجة لصراع الفرد، ضد الآخرين، للملاءمة بينه وبين مجتمعه، وينتج عن هذا الصراع، خروج القارئ بفلسفة ما، ورؤيا عن الإنسانية؟»

فكثير من الروائيين العرب من أمثال صنع الله إبراهيم، وجمال الغيطاني، والطيب الصالح، وعبدالرحمن منيف كتبوا في رواياتهم عن المجتمع العربي وكشفوا عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال النصوص الأدبية في نهاية القرن العشرين.

 

يُعد عبدالرحمن منيف كاتب وروائي سعودي، وواحدًا من أبرز الروائيين العرب في القرن العشرين، وأحد أعمدة السرد العربي البارزة في العصر الحديث.

مزج الأدب بالسياسة وناوأ الأنظمة العربية. كتب ضد القمع واستلاب الحرية، اعتبره النقاد "مُثوّرًا" للرواية، ووصف هو نفسه بالثائر الروائي.

عاش منيف "كما أراد أن يعيش، معتصمًا بصمود الروح، وبكتابة متدفقة تدافع عن الحياة وتتصدى لثقافة الموت" بحسب الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.

المولد والنشأة

ولد عبدالرحمن منيف يوم 29 مايو/أيار 1933 بالعاصمة الأردنية عمان، لأب سعودي وأم عراقية، ينتمي والده إبراهيم العلي المنيف، ت. 1355هـ من كبار تجار نجد إلى قرية قصيبا شمال مدينة بريدة بمنطقة القصيم، وهو من كبار تجار العقيلات الذين اشتهروا برحلات التجارة بين القصيم والعراق وسورية والأردن بحثًا عن الرزق، ومات في إحدى هذه الرحلات.

الدراسة والتكوين

درس في الأردن حتى حصل على الشهادة الثانوية، ثم انتقل إلى بغداد والتحق بكلية الحقوق عام 1952، لكنه طرد منها بسبب نشاطه السياسي؛ حيث شارك في احتجاج ضد "حلف بغداد" عام 1955م، فانتقل إلى القاهرة لإكمال دراسته بها، ثم غادر إلى بلغراد سنة 1958 لإكمال دراسته فحصل على الدكتوراه في اقتصاديات النفط من جامعة بلغراد.

الوظائف والمسؤوليات

عمل في الشركة السورية للنفط بدمشق عام 1962، وانتقل إلى بيروت عام 1973 حيث التحق بمجلة البلاغ، وعاد إلى العراق عام 1975 ليعمل في مجلة النفط والتنمية.

وفي عام 1981 غادر العراق إلى فرنسا ليعود إلى دمشق عام 1986 ويقيم فيها حيث كرس حياته للكتابة الأدبية.

التوجه الفكري

يصنف عبدالرحمن منيف واحدًا من كتاب اليسار العربي، وقد انضم لحزب البعث العربي الاشتراكي أيام كان طالبًا بالعراق ونشط فيه، فتسبب ذلك في طرده من العراق بعد توقيع حلف بغداد 1955.

وصف نفسه بالثائر الروائي، وظل واحدًا من أشد المفكرين المناوئين لمعظم الأنظمة العربية.

غادر العراق عام 1981 متجها إلى فرنسا ليعود بعدها إلى دمشق عام 1986 ملقيا عصا الترحال، يسطر إبداعاته ويعلن في كتاباته السياسية انحيازه إلى المستبد بهم، رائيًا وناقدًا أيضًا للفكر العربي مع المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس والناقد الفلسطيني فيصل دراج في مجلة شهادات.

وفي منافيه شاطر منيف الفلسطينيين مأساتهم ومنفاهم أيضًا، وهو الذي حفرت النكبة في ذاكرته ووجهت وعيه السياسي فيما بعد لذا "فلا غرابة أن كان منيف فلسطينيًا آخر عاش مأساة الفلسطينيين وتعاطف مع قضيتهم مدركًا أن مصائبهم لا تنفصل عن أقدار العالم العربي".

ورغم معارضته الشديدة لنظام الرئيس العراقي صدام حسين، فقد ظل رافضًا للغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 ولكل ما ترتب عليه، كما بقي إلى آخر أيامه معارضًا "للإمبريالية العالمية".

التجربة الأدبية

عُرف بغزارة إنتاجه الأدبي، ووصفه النقاد بأنه قدم أدبًا شجاعًا، وكتب عن المحرمات في السياسة، وضد القمع واستلاب الحريات والكرامة الإنسانية.

عمل - كما يقول إبراهيم درويش- على تثوير الرواية، والبحث عن "ثوار روائيين قادرين علي مواجهة الاستكانة والعجز العربي" وكرَّس حياته وقلمه للتأليف القصصي الموجّه، لقناعته بدور الأدب ووظيفته في كشف عيوب الواقع العربي، وانشغل بموضوعي القمع والنفط.

تبرز الأزمة الاجتماعية في رواياته من خلال تركيزه على ظواهر اجتماعية وأنماط محددة من العلاقات المتشابكة بين مختلف الفئات الاجتماعية، وتظهر حدّتها في القمع والاستبداد ووضع المرأة واتساع الهوة ما بين الأغنياء والفقراء.

أحدثت روايته "شرق المتوسط" ضجة في العالم العربي، باعتبارها أول رواية عربية تصف بجرأة التعذيب الذي تمارسه الأنظمة الشمولية العربية.

في أدبه

تأخر إبداع صاحب "مدن الملح" حتى دخوله سن الأربعين مقدمًا رواية أولى هي "الأشجار واغتيال مرزوق"، وينقل الروائي اللبناني حليم بركات عن منيف قوله "جئت للرواية في وقت متأخر نسبيًا، وما كنت أتصور في يوم من الأيام أنني سأصير روائيًا، قبل هذه الفترة كنت مشغولاً بأمور سياسية وكنت أفترض أن عملي السياسي هو خياري الأساسي".

بعدها قدم منيف فضحًا روائيًا للأنظمة القمعية في روايته "شرق المتوسط" التي تناولت موضوع التعذيب في السجون الذي تمارسه الأنظمة الشمولية العربية التي تقع في المنطقة العربية وشرق المتوسط.

وإذا لم يكن منيف الروائي العربي الأول الذي تناول موضوع السجون في روايتيه "شرق المتوسط" و"الآن هنا"، فقد سبقه إلى ذلك صنع الله إبراهيم في "تلك الرائحة"، فإنه بحسب الروائي اللبناني إلياس خوري يوغل في التسجيل ويبني واقعيته الرومانسية من خلال علاقة حب بأمه في الرواية الأولى.

أما في الرواية الثانية فنذهب إلى واقعية عارية يجسدها انتقال السجن بأسره إلى مستشفى كارلوف في براغ، حيث يمتزج مرض المجتمع بمرض شخصيات الرواية وتصير الكتابة وسيلة للحوار مع الذات والتاريخ.

قدم منيف في مسيرته الإبداعية خمس عشرة رواية من بينها خماسية "مدن الملح".

 دخل منيف "إلى عالم الرواية من باب السياسة، ودخل السياسة من باب الثقافة، وأخلص للرواية والسياسة والثقافة حالمًا بالحداثة الاجتماعية التي تعني حق البشر في وجود إنساني كريم" بحسب الناقد فيصل دراج.

بيد أنه في انهماكاته تلك كان نزيها وهو يختصر البؤس العربي المسيطر إلى صلابة السجن ووحشية السجان، وبذلك "احتلت مقولة المقاومة حيزًا واسعًا في خطاب منيف الشفهي والمكتوب في آن لا بالمعنى الاستهلاكي اليومي، بل بمعنى البشر الذين يصنعون تاريخهم".

ويذهب كثير من النقاد والباحثون في الآداب العربية إلى أن اختزال مسار السرد الروائي خلال القرن العشرين لابد أن يمر عبر نجيب محفوظ «عميد الرواية العربية» ثم مُنيف مباشرة، فمن ناحية محفوظ استطاعت رواياته منذ عبث الأقدار الصادرة عام 1939م أن تحفر عميقًا في بنية المجتمع المصري والعربي بكل تحولاته خلال النصف الأول من القرن المنصرم. ومن ناحية ثانية، احتفت روايات مُنيف منذ باكورة أعماله «الأشجار» عام 1973م بالتقاط كل ما يمكن أن يسهم في رصد التحولات الحضارية العربية خلال النصف الأخير من القرن العشرين، حيث استطاع في رواياته أن يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي، والنقلات الثقافية العنيفة التي شهدتها المجتمعات العربية (الخليجية)، ربما ساعده في هذا أنه أساسًا خبير بترولي «متخصص وقد سبق له أن عمل في العديد من الشركات مما جعله مدركًا لاقتصادياته»، لكن الجانب الأهم كان معايشته وإحساسه العميق بحجم التغيرات وما أحدثته الثروة الطبيعية من تحولات في بنية المجتمع السعودي بصفة خاصة، والعربي بصفة عامة.

عدّه الناقد الأمريكي دانيال س. بيرت «الحادي والسبعين» ضمن قائمته «الروايات المئة الأعظم على مر العصور» كواحد من أعظم المُؤلّفين الرِوائييّن في كل العصور. وحاز التقييم عن سرديته التاريخية «مدن الملح» وهي واحدة من أهم الروايات التي كُتبت بالعربية إن لم تكن أهمها على الإطلاق، «تتألف من خمسة أجزاء وما يقارب الألفين وخمسمائة صفحة»، وقد أُدرجتها جريدة أخبار الادب المصرية ضمن قائمة أفضل مئة رواية عربية. بالإضافة إلى رواية «شرق المتوسط» التي أحدثت ضجة في العالم العربي حيث لامست حين صدورها وبشكل مبكر موضوع القمع السياسي. جمعت رواياته بين العمق الفني، والابتعاد عن الغموض، ووضوح الدلالة ببعدها الفلسفي «كونه خاطب القارئ العادي» الذي ران على سائر أعماله.

اتجاهه الفكري

تنقل منيف بين الكثير من العواصم والمدن من عمان إلى بغداد، ومنها إلى القاهرة، ثم إلى بلغراد ودمشق وبيروت، وبعدها إلى بغداد وباريس، ثم عودة إلى دمشق في رحلة أخيرة امتدت حتى وفاته، وفي تنقلاته وإقاماته كان منيف في قلب الحياة الثقافية العربية والعالمية مطلاً ومطلعًا على النتاج الثقافي، من دون أن يغمض عينه على ما يحيط بالعرب والعالم من تطورات ثقافية وسياسية. ولقد ظل واحدًا من أشد المفكرين المناوئين لمعظم الأنظمة العربية، واعتبره الكثير من الدارسين منفيًا سياسيًا بسبب كتاباته.

الكتب والمؤلفات

أصدر العديد من الأعمال الأدبية، من أشهرها: "مدن الملح" (خماسية): التيه (1984م)، الأخدود (1985م)، تقاسيم الليل والنهار (1989م)، المنبت (1989م)، بادية الظلمات (1989م)، و"شرق المتوسط" (1975م)، و"الأشجار واغتيال مرزوق" (1973م)، و"حين تركنا الجسر" (1976م)، و"قصة حب مجوسية" (1974م) و"سباق المسافات الطويلة" (1979م) و"عالم بلا خرائط" (1982م) بالاشتراك مع جبرا إبراهيم جبرا و"النهايات" (1977م)، و"الآن … هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى" (1991م)، و" ثلاثية أرض السواد" (ثلاثة أجزاء)، (1999م)، و"أم النذور" (2005م).

كما أصدر كتبًا من بينها: "لوعة الغياب"، و"الديمقراطية أولاً.. الديمقراطية دائمًا"، و"الكاتب والمنفى" و"آفاق الرواية العربية"، و"العراق هوامش من التاريخ والمقاومة".

وتناول أعماله الإبداعية العديد من النقاد والكتاب والدارسين، وألف العديد من الدراسات عن تجربته الروائية.

الجوائز والأوسمة

حصل على عدة جوائز من أبرزها جائزة القاهرة للإبداع الروائي، وجائزة سلطان العويس بدولة الإمارات العربية المتحدة.

الوفاة

توفي عبد الرحمن المنيف يوم 24 يناير/كانون الثاني 2004 بسوريا.

في أواخر شهر أيار/مايو من عام 2007م هدم أجزاء من قبر الروائي عبدالرحمن منيف الواقع في مقبرة الدحداح في العاصمة السورية دمشق، حدث ذلك، دون التعرض إلى رفاته. ولقد أدت هذه الحادثة إلى نشوء العديد من التكهنات عن أهداف وغايات الفعلة وماهي طبيعتهم.

يقول منيف في مقدمة كتاب (لوعة الغياب): «إن الموت نفسه نهاية منطقية لحياة أي كائن لكن ميزة الإنسان قياسًا بالكائنات الأخرى أن له ذاكرة وأن لا جديد دون قديم، وهذا ما يعطي الحياة الإنسانية القدرة على الاستمرار والغنى»، ويضيف منيف: «إذا كان الموت المادي الذي يلحق بالكائن البشري فيغيبه كفرد عن الأنظار فإن ما يتركه هذا الكائن خاصة في إطار الفن والفكر والأدب، يبقى وينتقل إلى الأجيال اللاحقة».

 


عدد القراء: 32536

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-