إيفان الرهيب وابنه ايفان- للفنان الروسي إيليا ريبينالباب: فنون

نشر بتاريخ: 2017-03-20 19:49:34

فكر - المحرر الثقافي

إيفان الرهيب وابنه ايفان- للفنان الروسي إيليا ريبين-1881 Ivan the Terrible and His Son Ivan-Ilya Repin.

رسم ريبين هذه اللوحة بعد حادثة اغتيال القيصر الروسي الكسندر رومانوف الثاني الدموية في العام 1881 للتعبير عن رفضه لجميع أشكال العنف و سفك الدماء في بلاده، جدير بالذكر أن ريبين استوحى موضوع عمله من الحفل الموسيقي الذي حضره في ذات اليوم للفنان ريمسكي كورساكوف الذي عزف سيمفونيته الشهيرة آنذاك (عنتر)، فاستخدم واحدة من أبرز الأحداث والشخصيات الدموية في التاريخ الروسي. اللوحة هنا هي لإيفان الرابع أو (الرهيب) قيصر روسيا منذ 1547-1584 كان إيفان بالرغم من ذكاءه و حساسيته ذو شخصية معقدة لما عاناه من ازدراء ومؤامرات النبلاء والبويار حوله، فلقد توفي والديه وهو صغير وأصبح حاكم روسيا وهو في 17 من عمره، وكان أول من أطلق على نفسه لقب قيصر في تاريخ روسيا. اعتمد مركزية السلطة واتسم حكمه بالدموية؛ حيث نكل بالنبلاء رجالاً ونساءً، فقام بتصفية عائلات بأكملها، كما أنه عامل معارضيه بقسوة، واعتمد في ذلك أساليب تعذيب وقتل ضد كل من يشتبه بهم فارتكب العديد من المجازر.

وعندما ثارت عليه إحدى المدن قام بقتل جميع سكّانها في مذبحة رهيبة ذهب ضحيّتها أكثر من ثلاثين ألف إنسان.

زوجته الأولى كانت قد أنجبت له ستّة أطفال. غير أنها ماتت وهي دون الثلاثين بسبب قسوته وإهاناته المتكرّرة.

وعندما احتجّ رجال الكنيسة على تصرّفاته، قام بقتل بعضهم وتعذيب البعض الآخر. كان هو نفسه منتسباً للكنيسة الأرثوذوكسية. والغريب إنه لم يكن يتأخّر عن الصلاة على أرواح ضحاياه من الكهنة والرهبان.

كانت الكنيسة تسمح للرجل بالزواج ثلاث مرّات. لكن إيفان الرهيب استثنى نفسه من ذلك القانون واتخذ له في الكرملين أكثر من ألف محظيّة، رغم أنه كان متزوّجاً من ستّ نساء. وكان مصير كلّ من يطلّقها من زوجاته إما القتل أو النفي إلى دير ناء ومنعزل.

وهو من أمر ببناء كاتدرائية باسيل ثم فقأ عيني مهندسها لكي لا يقوم بتصميم بناءِ أجمل منها، وبالرغم من حكمه المستبد، فلا ينكر المؤرخون انجازاته العظيمة؛ حيث توسعت روسيا في عهده أكثر من أي وقت مضى أثر حروبه الخارجية وضم واستيطان سيبيريا، وجعل من موسكو عاصمةً لعموم روسيا. هدف إلى بناء أمة قوية، فأنشأ مجلس مستشارين للإصلاح ونظم القوانين التشريعية والضرائب ومنح الأرياف حكماً ذاتياً.. يصور ريبين من خلال لوحته إيفان الرهيب ممسكاً بابنه المضجر بدمائه بعد أن ضربه بالصولجان حين انفجر غضباً عليه إثر مشادة كلامية بينهما، حيث كان قد ضرب القيصر زوجة ابنه الحامل بقوة ما أدى إلى إجهاضها. الأب هنا ممسكاً بابنه وخليفته حزيناً متألماً، نادماً ومفجوعاً من هول ما فعل، حاول القيصر إنقاذ ابنه، ولكن من دون جدوى.

واختيار الرسّام لطبيعة المكان الذي تجري فيه الحادثة وكذلك للإضاءة والظلال ولألوان الديكور الداكنة في الخلفية، كلّها عناصر تعبيرية أضافت إلى المشهد الدرامي المزيد من العمق والواقعية.

في اللوحة لا نرى إيفان الساديّ والمتوحّش، بل رجلاً مجنوناً يبدو وكأنه يرثي نفسه ويتحسّر على ضياع آخر أحلامه.

كان لهذه الحادثة بالغ الأثر على إيفان فاعتكف في الكنيسة حيناً وزادت وحشيته وقمعه أحياناً كثيرة، بعد هذه الحادثة بعامين أصيب بمرض غريب جعل جسمه يتورم، وتنبعث منه رائحة نتنة. فمات سنة 1584 بعد أن حكم لأكثر من ثلاثة عقود..

كان الروس، ومن بينهم ريبين، يرون في تلك الحادثة كارثة، لأنها آذنت ببداية حقبة جديدة من المشاكل. فقد أعقبها غزو الجيوش الأجنبية لبلدهم قبل أن تمزّقها الحرب الأهلية.

ربّما لا يتفوّق على إيفان الرهيب في وحشيّته وقسوته سوى جوزيف ستالين الذي يقال بأنه قتل خلال سنوات حكمه أكثر من عشرين مليون شخص وكان يرى في إيفان مثله الأعلى.

وكانت سيرته موضوعاً لأكثر من فيلم وبرنامج وثائقي. كما ألّف الكاتب والروائي الفرنسي من أصل روسي هنري ترويا كتاباً يقال انه أفضل مرجع يؤرّخ لحياة إيفان وفترة حكمه.

إيليا ايفيموفيتش ريبين Illia Repine مصور ورسام روسي، نال شهرة واسعة، وترك ثروة فنية من اللوحات مختلفة المواضيع، أكدّ فيها على الحرية ومحبة الشعب، ودفاعه عنهما ضد الظلم والاستغلال. وترك أيضاً ثروة أدبية، جُمعت في كتابه (بعيد - قريب) وله موسوعة تناول فيها الحياة والثقافة الروسية في زمنه.

وُلد في تشوغوييف، لأبٍ ضابط. انتسب في عام 1854 إلى مدرسة الطباعة العسكرية، لكنّها أُغلقت بعد ثلاث سنوات، فتعلّم ورسم الأيقونات عند فنان محلي (بوناكوف اي.). ورسم كثيراً من الأيقونات بين عامي 1859 و1863 بناءً على طلباتٍ خاصة.

في عام 1863 سافر إلى سان - بطرسبرغ، وانتسب إلى مدرسة الرسم في جمعية مشجّعي الفنانين، بهدف التحضير لدخول أكاديمية الفنون. واجتاز الامتحان الأول عام 1864، وأصبح طالباً مستمعاً. تعرّف كرامسكوي إي. (1837ـ1887) الذي أثّر في تكوينه الفني ورؤيته الجمالية. وفي صيف العام نفسه انتسب إلى الأكاديمية المذكورة، ودرس فيها بتفوق، ونال ميدالية ذهبية بعد تخرجه عام 1871، فحصل على منحةٍ لمدة ست سنوات، أمضى ثلاثاً منها في روسيا بناءً على رغبته. وفي عام 1873 سافر للدراسة في أوربا، فقصد بدايةً روما ونابولي، ثم استقرّ في باريس وعاش في مونمارتر. وهناك تعرّف إلى الفنون الأوروبية المعاصرة. وفي عام 1876 حصل على لقب (أكاديمي) عن لوحته (سادكا في مملكة تحت الماء).

عاد ريبين إلى روسيا، وأقام في موسكو، وسان بطرسبرغ ونوفوغورد، وبدأ حياته الزاخرة بالعمل والسفر.

في عام 1883 سافر إلى ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا وإسبانيا، ورسم في متحف (برادو) نسخاً عن فيلاسكيزوتيتسيانو.

وفي عام 1887 سافر إلى إيطاليا لحضور المعرض الفني العالمي في البندقية، وفي باريس حضر أيضاً المعرض العالمي عام 1889. وسافر بين عامي 1893 و1894 إلى عدة دول أوروبية. كما سافر إلى فلسطين عام 1898.

رسم ريبين صوراً شخصية لمعاصريه الروس، وتظهر فيها مقدرته على تقديم ذاتية ونفسية كلٍّ منهم، وتعدّت صداقاته للمصوّرين إلى الكتّاب والشّعراء والموسيقيين والتجار والأمراء. ففي عام 1871 تعرّف الناقد الفني والموسيقي ستاسوف، وخلّد ذكراه في عدة لوحات شخصية، وتعرّف الموسيقيين: بالاكروف م.، وموسورفسكي م.، وريمسكي ـ كورساكوف، كما ربطته صداقة قريبة مع الفنانين (الجّوالين) وشاركهم في أول مرّة معارضهم عام 1874، وفي باريس عام 1876 التقى الكاتبين تورغييف وإميل زولا. كما التقى الكاتب ل. تولستوي عام 1880 ودامت بينهما صداقة طويلة. وتعرف الكاتب م. غوركي، والشاعر ف. ماياكوفسكي.

 شارك ريبين في عام 1899 في المعرض العالمي الذي نظّمه دياغيليف ومجلة (عالم الفن) التي استمرت من عام 1899 حتى 1904، وأصبح عضواً في هيئة تحريرها. لكنّه نشر رسالةً انتقد فيها مجموعة من المقالات المنشورة في الأعداد الأولى من مجلة (عالم الفن) أدت إلى قطع علاقاته معها.

للفنان ريبين حياة غنية ومكانة مهمة في تعليم الرسم والتصوير. ففي عام 1890 اختير عضواً في لجنة حكومية لوضع نظام جديد لأكاديمية الفنون الإمبراطورية، ووافق على التدريس في الأكاديمية بعد عامين من الاقتراح الصادر عنها، فدرّس فيها من 1894 وحتى عام 1907 بعد أن اطّلع على طرائق التدريس في أكاديمية الفنون في فيينا ومحترفات ميونيخ.

أقام ريبين في مرسمه في موسكو، ندوات للرسم، اجتمع فيها مع أصدقائه الفنانين، وكان في كل أحد من عام 1882 وحتى 1883 يجمع الفنانين الشباب للرسم بالألوان المائية. وفي عام 1900 سافر إلى باريس لحضور معرض عالمي وكان عضواً في لجنة تحكيمية.

ولمكانتـه الفنيـة العالية، انتخب في عام 1902 عضواً في أكاديمية العلم والأدب والفنون الجميلة في براغ، وعضو شرف في التجمع الأدبي ـ الفني عام 1904 مع الكاتب أ. تشيخوف.

يُعد إبداع ريبين قمةَ الواقعية في التصوير الروسي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وكان أسلوبه الواقعي لا يجعل من موضوعه حقيقة فقط، بل ويجعل المشاهد يشترك في فهم وإدراك الموضوع، وكأنّ الحدث وقع تواً أمامه.

لقد عارض ريبين منذ السبعينيات ابتعاد الفن الأكاديمي عن الحياة. واهتم بالجو اللوني الهوائي في مناظره، وأكّد على الحالة النفسية الداخلية لشخصياته. إن قوة الملاحظة، والمقدرة على استخدام النموذج وتسخير تعابيره للوصول إلى المضمون المطلوب، كلّها مواصفات ظهرت في أعماله المبكرة، منها لوحة (بعث ابنة جايروس) عام 1869 الموجودة في المتحف الروسي في سان - بطرسبرغ.

بعد أسفاره الطويلة إلى الفولغا (1870 ـ 1873) نفّذ أول أعماله (مراكبيّة الفولغا) التي لفتت إليه الأنظار، وهي اليوم في المتحف الروسي، ونال عليها ميدالية (فيجية ليبرين) من أكاديمية الفنون، وعلى الميدالية البرونزية في المعرض العالمي في فيينا. وفي هذا العمل شرْحٌ لحياة البحّارة والشعب الروسي القاسية، وفضْحٌ للاستغلال، وتأكيدٌ على قوة الشعب السرّية الداخلية.

كَشَف ريبين في أعمالٍ عدة، عن التناقض الاجتماعي في حياة فلاّحي روسيا، وتجلى هذا في عمله الكبير (الموكب الديني في مقاطعة كورسكي). اللوحة ـ أسطورة تحكي عن الفقر وحالة الضيم لدى الشعب، وعن تعجرف أسياد القرية، وتمجيد الشعب، والتنديد بالنظام القائم، من خلال تكوينها الصارم، ونظامها التصويري وحرفية الفنان العالية.

وفي الثمانينيات، عالج ريبين موضوع الحركة الثورية، ورسم مجموعة من الشخصيات المعبّرة عن التمرد والقوة، منها: (رافض الاعتراف) 1879ـ 1885، و(اعتقال الداعية السياسي) 1880ـ1892، و(لم ينتظروا) 1884ـ 1888 وجميعها موجودة في صالة تريتياكوف.

واهتم ريبين أيضاً بالموضوعات التاريخية مثل لوحته المسماة (إيفان غروزني وابنه إيفان في 16 كانون الثاني/يناير1581). موضوع اللوحة تاريخي واقعي، ولكنّه يعكس إيقاع عصره، وقد استوحاها من مقطوعة الموسيقي ريمسكي ـ كورساكوف، إبان الهياج الشعبي والأحداث الدامية التي جرت في أول آذار/مارس من عام 1881، وفي هذه اللوحة يظهر القيصـر ضحيـة لقسوته الشخصية، حين قتل ابنه في لحظة غضب ندم عليها بعد ذلك.


عدد القراء: 11040

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-