الشاعر الروسي: ألكسندر بوشكين ( 6 يونيو 1799 - 10 فبراير 1837)الباب: وجوه

نشر بتاريخ: 2020-06-01 02:52:58

فكر - المحرر الثقافي

ألكسندر سرغييفتش بوشكين شاعر وكاتب روسي، يعد مؤسس الأدب الروسي الحديث، وأعظم شاعر أنجبته روسية. ولد في موسكو، وتوفي في بطرسبرغ. ينتمي من طرف أبيه إلى أسرة نبيلة عريقة، وكانت أمه ناديجدا أوسيبوفنا حفيدة عبد حبشي يدعى إبراهيم (أبراهام) هانيبال، قيل إنه سليل أسرة نبيلة من أصل عربي من إريتريا، اشتراه بطرس الأكبر من اصطنبول ورعاه وأعتقه وجعله من بطانته، مما يفسر الملامح الشرقية التي غلبت على محيا ألكسندر بوشكين وسلوكه، ويفسر سعة اطلاعه على التقاليد الشرقية التي أخذها عن جدته لأمه. وقد خلَّد ألكسندر بوشكين جده إبراهيم هذا في قصة كتبها ولم يتمها بعنوان: «مولى (عبد) بطرس الأكبر».

نشأ ألكسندر بوشكين مع أخيه و أخته في أملاك الأسرة بالقرب من موسكو في رعاية جدتهم لأمهم ومربيتهم أرينا ياكوفلفنا، وتأتى لهم أن يتقنوا الفرنسية في سن مبكرة، وأن ينهلوا من ثقافتها من مكتبة أبيهم الغنية بالمراجع الفرنسية، على ما جرت عليه عادات الأسر النبيلة في روسيا في القرن التاسع عشر.

ظهرت مواهب ألكسندر بوشكين في سن مبكرة، والتحق في العام 1811 «بالليسيه» في بلدة تسارسكويه سيلو (أطلق عليها اسم بوشكين فيما بعد) وبدأ فيها نشاطه الأدبي. وكتب بوشكين وهو على مقاعد الدراسة (1811-1817) نحو 120 قطعة شعرية وقصيدتين طويلتين نهج فيها جميعها منهج الاتباعية (الكلاسيكية)، وطرق فيها جميع أنواع الشعر التي كانت معروفة كالأود والبالادة والأغنية العاطفية وغيرها، ونشر في مجلة «الرسيل الأوربي» رسالة شعرية عنوانها: «إلى صديقي الشاعر» (1814). كذلك شرع في كتابة أول أعماله الكبيرة «رسلان ولودميلا»، وهي قصيدة عاطفية نظمها بأسلوب روائي على نمط ما سار عليه فولتير، واستقى أحداثها من الأدب الشعبي الروسي، وقد عبر بوشكين في هذه القصيدة عن أفكاره التحررية التي بدأ يؤمن بها، وخرج بها عن مألوف الأنواع الشعرية التي كانت سائدة آنذاك في روسية (أتمها ونشرها عام 1820 وجلبت له شهرة واسعة).

في الحقبة بين العامين 1829-1836 بلغت عبقرية بوشكين أوج تفتحها، واتخذ أدبه أبعادًا فتحت صفحة جديدة في تاريخ الأدب الروسي. ففي خريف العام 1830 سافر بوشكين إلى نيجني نوفغورود (غوركي اليوم) للاستجمام بين أفراد أسرته، وكتب في أثناء ذلك أربع مآس صغيرة هي: «الفارس النهم» و«موزارت وساليري» و«الضيف الحجري» و«وليمة في زمن الطاعون» ، كما كتب خمس حكايات قصيرة نثرًا، كل واحدة منها تختلف عن الأخرى من حيث البناء والفكرة، و جمعها تحت عنوان «قصص الراحل بلكين» (1831) .

يصنف النقاد أعماله على أنها أعمال فنية مميزة، مثل قصيدة «الفارس البرونزي» والمسرحية الدرامية «الضيف الحجري»، قصة سقوط دون خوان. كانت مسرحيته الشعرية القصيرة «موزارت وساليري» (مثل «الضيف الحجري»، إحدى المجموعات الأربع «التراجيديات الصغيرة» التي جُسدت من قبل بوشكين نفسه في رسالة إلى بيوتر بلتينوف في عام 1830) بمثابة إلهام لمسرحية بيتر شافير «أماديوس» وأوبرا ريمسكي كورساكوف «موزارت وساليري». عُرف بوشكين أيضًا بقصصه القصيرة. وبشكل خاص مجموعة «حكايات الراحل إيفان بتروفش بيلكين»، بما فيها «الطلقة» التي لاقت رواجًا جيدًا. فضل بوشيكن بنفسه روايته الشعرية «يفغني أونيغين»، التي كتبها خلال مسيرة حياته والتي أصبحت تقليدًا خاصًا بالروايات الروسية العظيمة، إذ تتبع بضع شخصيات محورية لكنها تختلف بشكل واسع في النبرة والتركيز.

كانت رواية أونيغين معقدة لدرجة جعلت المترجم فلايديمر نابوكوف يحتاج لمجلدين كاملين من المحتوى من أجل تقديم معناها بشكل كامل باللغة الإنجليزية، على الرغم من أنها كانت عبارة عن مئة صفحة تقريبًا فقط. وبسبب تلك الصعوبة في الترجمة بقي شعر بوشيكن غير معروف بشكل كبير بالنسبة لقراء اللغة الإنجليزية. وعلى الرغم من ذلك، ألهم بوشكين عددًا كبير من الكتاب الغربيين مثل هنري جيمس. كتب بوشكين «ملكة البستوني» التي أدرجت في «بلاك ووتر»، وهي مجموعة من القصص القصيرة حول طبيعة أغلبية الكتّاب الرائعة، والتي جمعها ألبرتو مانغيل.

تبوأ بوشكين مكانته الأدبية عن جدارة، واعترف به معاصروه شاعرًا وطنيًا عظيمًا وهو مايزال على قيد الحياة، ولعل أهم ما تميز به بوشكين ولعه بالرواية الشعرية والقصص الشعري، واقتباسه من الأساطير الشعبية السائدة في زمانه قصائد وروايات استطاع أن يرقى بها درجة سامية من الخيال المجنح راسمًا في ثناياها صوراً مبتكرة عن صميم الحياة الروسية، ومضمنًا إياها نفحات من السخرية المرة والنقد اللاذع المبطن الموجه إلى النظام التعسفي الذي يرزح المجتمع في ظله. ولقد تأتى لبوشكين إلى جانب شعره أن يسهم في ميدان القصة والرواية، وأن يضرب في درب النثر ويبدع فيه، فتترادف جمله قصيرة سلسة، وتتلاصق الحركة في سياق الحوادث، وتبرز شخصيات أبطاله في قصصه طبيعية من دون تكلف ممهدة الطريق لمن جاء بعده من مشاهير أدباء روسية. وتعد روايته «ابنة الضابط» أكمل ما ألف في هذا الباب.

وفي 27 كانون الثاني/يناير سنة 1837 اضطر بوشكين إلى خوض مبارزة بالمسدسات مع ضابط كبير من مرافقي القيصر من أصل فرنسي اسمه جورج دانتس دفاعًا عن الشرف، وكان هذا الضابط قد شهّر بزوجته بتحريض من بعض رجال البلاط، وأصيب بوشكين في المبارزة بجرح قاتل قضى عليه بعد يومين. وقد وصف الشاعر ليرمنتوف مشاعر الحزن والأسى التي عمت البلاد لدى تلقيها نبأ مقتله في قصيدة جميلة عنوانها «موت شاعر» (1837) .


عدد القراء: 4950

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-