قصر طوب قابي التنوع الثقافي في الدولة العثمانيةالباب: قصة مكان

نشر بتاريخ: 2016-08-19 05:54:30

فكر - المحرر الثقافي

يُعد قصر طوب قابي أكبر قصور مدينة إسطنبول، ومركز إقامة سلاطين الدولة العثمانية لأربعة قرون من عام 1465م إلى 1856م.

أصبح القصر اليوم يجذب أعدادًا كبيرة من السياح بعد أن كان في السابق يستخدم لمناسبات الدولة، وهو يحوي بعض الآثار الإسلامية، مثل بردة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسيفه. صنفت اليونسكو القصر على أنه من ضمن المعالم المنتمية للمناطق التاريخية في إسطنبول وفي عام 1985م أصبح موقعًا للتراث العالمي ووُصف على أنه من أفضل الأمثلة على التنوع الثقافي في الدولة العثمانية.

يتألف القصر من أربعة أفنية رئيسية وعدد من المباني من مساكن ومطابخ ومساجد ومستشفى وغيرها، وكان يقيم فيه ما يقرب من 4,000 شخص. بدأ بناء قصر طوب قابي في 1459م بأمر من السلطان العثماني محمد خان الثاني فاتح القسطنطينية، وأطلق عليه في بداية الأمر "يني سراي" أي "القصر الجديد" لكي يميز عن مقر الإقامة السابق، وأخذ القصر اسمه الجديد "طوب قابي" بمعنى (باب المدفع) في القرن التاسع عشر، وقد جرى توسيعه على مر العصور، وتجديده بعد زلزال 1509م وحريق 1665م.

 

بدأ القصر يفقد أهميته تدريجيًّا بعد القرن السابع عشر، وتفضيل السلاطين العثمانيين البقاء في القصور الجديدة، وفي عام 1856م أمر السلطان عبدالمجيد الأول ببناء قصر دولمه باهتشه أول قصر يبنى على النمط المعماري الأوروبي، وتم الانتقال إليه مع بقاء بعض الإدارات في قصر طوب قابي مثل وزارة الخزانة والمكتبة.

وعقب سقوط الدولة العثمانية في عام 1923م حولت الحكومة التركية القصر إلى متحف بتاريخ 3 نيسان/أبريل 1924م، وانتقلت إدارة القصر إلى وزارة الثقافة والسياحة التركية. يحتوي مجمع القصر على مئات الغرف، وتتم حراسته من قبل مسؤولي الوزارة، وكذلك حراس من الجيش التركي. يحتوي القصر على العديد من الأمثلة للهندسة المعمارية العثمانية. كما أنه يحتوي على مجموعات كبيرة من الخزف والألبسة والأسلحة والدروع والمنمنمات العثمانية والمخطوطات الإسلامية والمجوهرات العثمانية.

ويقع القصر في منطقة سراي بورنو على طُنُف تطل على القرن الذهبي وبحر مرمرة، و يطل القصر من عدة نقاط على مضيق البوسفور. ويقع القصر في مكان مرتفع وعلى أعلى نقطة قريبة من البحر. وخلال عهد اليونانيين والبيزنطيين كان القسم الحصين العلوي من المدينة الإغريقية القديمة بيزنطة يقع هنا. وهناك خزان أرضي تحت الفناء الثاني يرجع للعهد البيزنطي، وقد استخدمه العثمانيون، كذلك توجد بقايا كنيسة صغيرة تم اكتشافها حديثًا وقد سُميت بكنيسة القصر. كذلك توجد كنيسة تقع في الفناء الأول من القصر تُسمى بآيا ايرين، لكنها لا تُعدُّ جزء من القسم الحصين العلوي من بيزنطة.

وقد كان محور اهتمام الإمبراطورية العثمانية بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر حيث عاش وحكم السلاطين وحاشيتهم وسط هذه الأجواء الغنية, يتميز هذا القصر بحديقته الخشبية الرائعة واحتوائه على كنوز الإمبراطورية العثمانية. كما يتميز القصر باحتوائه على صالة المستمعين ومكتبة أهمت (أحمد) الثالث ومعرض للأزياء الملكية، التي كان يرتديها السلاطين وعائلاتهم والمجوهرات المشهورة ومجموعة نادرة من النسخ المصغرة لمخطوطات العصور الوسطى. أما في عمق هذا الحرم فهناك مقصورة العباءة الكريمة التي تُحفظ فيها الآثار المقدسة الخاصة بالنبي محمد، والتي أحضرت إلى اسطنبول عند تولي العثمانيين الخلافة الإسلامية.

تبلغ مساحة القصر حوالي 700 ألف متر مربع، ينتشر على مساحة واسعة منه، وتمتد من آيا صوفيا إلى حي كولخانة في اسطنبول، ومن وإلى حي سيركة جي، ويحاط بأسوار عالية وعريضة تسمى بـ"سور سلطاني" وتمتد من قصر سبت جيلار إلى "باب آخر" ويوجد على هذه الأسوار 28 برجًا.

وفي عام 1888م هدم قسم من هذه الأسوار المطلة على الخليج مع بعض المقصورات بسبب مرور خط حديدي من الموقع.

ويعتقد أنه كان يوجد للقصر ثلاثة عشر بابًا لم يبق منها إلا القليل اليوم. ويقع باب خومايون الفخم مقابل سبيل السلطان أحمد قرب طرف آيا صوفيا المطل على البحر، وهو الباب الرئيسي للقصر وتم إنشاؤه أول مرة في عهد محمد الفاتح وخضع  لعدة ترميمات إلى اليوم، شهد الباب الكثير من الحوادث التاريخية وما زال محافظًا على روعته القديمة. وكان يفتح الباب مع أذان الفجر ويغلق عند أذان العشاء. ويوجد فوق الباب ختم السلطان محمد الثاني وكتب عليها تاريخ إنشاء الباب وهو 1478 ميلادية، وكذلك توجد كتابة أخرى كتب فيها تاريخ إعادة الباب "1867" من قبل السلطان عبدالعزيز.

 في الطرف الداخلي للباب، توجد الساحة الأولى التي تعرّضت للحريق في القرن الـ(19) ميلادية، مما عرّضه لخسائر كبيرة. ويوجد في الساحة مقصورة الدعاوي التي كانت تستقبل شكاوى الناس، وعلى اليمين تقع مكاتب موظفي الخزينة، من ناحية أخرى، يقع وراء الحائط على يمين الباحة مخبز القصر أما في القسم اليساري فتوجد كنيسة "ايا ايرين". ويوجد بالقرب منه "ضرب خانة الامبراطورية" الذي يستخدم اليوم كمتحف.

باب السلام، هو الباب الحقيقي للقصر وقد أعيد بناؤه في عهد السلطان مراد الثالث ويوجد عليه برجان. وقد كتب عند هذا الباب "لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله" ويوجد على الدرف الحديدية للباب كتابة تقول: إن هذه الدرف تم صبّها في عهد السلطان سليمان القانوني. وبعد الدخول من هذا الباب نقابل أشجار الدلف الضخمة التي مرّت عليها العصور، وهنا يفترق الباب إلى خمس طرق: طريق يؤدي إلى مطبخ القصر، وآخر إلى باب السعادة، وآخر إلى الديوان، وآخر إلى الحرملك، وآخر إلى اسطبلات القصر.

كان الديوان في العهد العثماني مكان مناقشة وحل المشكلات البيروقراطية، ويتألف من الصالة الأولى أو ما كان يسمى بـ"ما تحت القبة"، التي كانت تعقد فيها الاجتماعات، ومن الصالة الثانية التي يحتفظ فيها بتسجيلات الاجتماعات، ومن الصالة الثالثة التي كان يقع فيها ما كان يسمى بـ"دفتر خانه" لحفظ الأرشيف. أما الحرملك فهو القسم الذي يوجد فيه حوالي 300 غرفة لزوجة وجواري وأم السلطان. أما البناء الآخر الذي يلفت النظر في الحرملك فهو "برج العدالة".

وفي الحفريات التي أُجريت عام 1959م، في الساحة الثانية اكتشف عامودان حجريان يعتقد أنهما يعودان إلى القرن الـ(5) والـ(6) الميلادي، ولم يُعرف سبب تواجد هذه الأعمدة البيزنطية أو سبب نقلها إلى هنا. وبعد الحريق الذي نشب في القصر عام 1574م، الذي عرّض المطبخ للكثير من الأضرار كلّف السلطان مراد الثالث المعماري سنان بتوسيع المطبخ وإعادة إنشائه.

ويعبر من باب السعادة إلى الأقسام الخاصة للقصر وإلى الساحة الثالثة. ويوجد في الساحة الثالثة غرفة العرض المخصصة لاستقبال الوزراء من قبل السلطان بعد اجتماعات الديوان. هُدمت الغرفة التي بنيت في عهد محمد الفاتح، وأُنشئت أخرى بدلاً منها في عهد السلطان سليم الأول. وتحاط الغرفة بمدرسة القصر الذي يشغل مساحة كبيرة من الساحة الثالثة. وكانت مدرسة القصر بمثابة مدرسة تعليم البيروقراطية من أجل سد حاجة الدولة لرجال الدولة. أنشئت هذه المدرسة من قبل محمد الفاتح، وكان يدرس فيها أيضًا الطلاب المسيحيون ممن كانوا من رعايا الدولة العثمانية الذين تكون أعمارهم فوق العاشرة.

أما البناء الثالث الذي يقع في الساحة الثالثة فهو مبنى "الخرقة الشريفة"، حيث يعرض هناك "خرقة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)"، بني المبنى عام 1719م، من قبل السلطان سليم الأول الذي أحضر الأمانات المقدسة إلى إسطنبول. وفي ذات المكان، توجد مكتبة السلطان أحمد الثالث أيضًا.


عدد القراء: 8874

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-