المكتبة الخالدية .. إرث ثقافي عريقالباب: قصة مكان

نشر بتاريخ: 2016-11-25 10:36:47

فكر - المحرر الثقافي

شعاع ثقافي وتراث عريق لا يبعد سوى خطوات عن الحرم القدسي الشريف، يجسد عظمة المدينة العتيقة، وبداخلها نفائس نبغ من خلالها علماء ومفكرون ساهموا في بناء الحضارة الإسلامية، وكانوا رأس حربة للدفاع عن قدسية المدينة وإسلاميتها.. إنها "المكتبة الخالدية" التي تقع في قلب المدينة القديمة بالقدس المحتلة.

أنشأ المكتبة الخالدية في عام 1899 ميلادي (1318 هجري)  الحاج راغب الخالدي  باعتبارها وقفًا إسلاميًّا،  وذلك بمبلغ من المال أوصت به جدته خديجة الخالدي، بنت موسى أفندي الخالدي، الذي كان قاضي عسكر الأناضول في عام 1832. وقامت المكتبة على ما كان في حوزة أسرة الخالدي من مخطوطات وكتب، جمعها جيلاً بعد جيل. وكان القصد من المكتبة أن تكون مكتبة عمومية لتعزيز نشر العلم و بعث الاهتمام بأمهات الكتب في العلوم الإسلامية وفي الموضوعات الحديثة.

وفي عام 1900 حيث تم فتح المكتبة، كمكتبة عامة، وهي أول مكتبة افتتحت في مدينة القدس بشكل عام كمكتبة خاصة، وتحوي أكبر مجموعة مخطوطات خاصة في العالم.

وقد أكد إعلان تأسيس المكتبة الخالدية على الصلة بين المكتبات والثقافة التي ترقى إلى عصر الإغريق ومطلع العصر الإسلامي، اذ إن "العرب لما دخلت عليهم الحضارة والمدنية أسسوا المكتبات والمدارس". وأضاف الإعلان أن نشر العلم هو أساس التقدم والازدهار وإن القصد من المكتبة هو أن تكون ذخرًا للديار المقدسية، لأنه "مهما امتطينا قطارات الآمال لنباري ما لدينا من المؤسسات الأجنبية في هذه الديار لخاب العمل".

 وأسست المكتبة الخالدية لغرض التقدم بالعرب على طريق الازدهار برعاية العلوم وتمكينهم من مباراة المؤسسات الثقافية القوية، التي أنشأتها القوى الأجنبية في طول المنطقة وعرضها. وانطلاقًا من هذا، أعلن بأن المكتبة الخالدية ستكون "مكتبة عمومية". وبعد إجراء ترميم واسع النطاق، وإنجاز أعمال التصنيف والتبويب والحفظ، أصبحت المكتبة اليوم جاهزة للترحيب بالعلماء من جميع أنحاء العالم.

 المكتبة الخالدية تشبه المكتبة الظاهرية في دمشق، وإن كانت أصغر منها كثيرًا. ومؤسس المكتبة الظاهرية، العالم البارز الشيخ طاهر الجزائري، أحد أهم زعماء الإصلاح الإسلامي في سوريا، شارك في تنظيم المكتبة الخالدية في أثناء توليه الإشراف على مكتبات ولاية دمشق. وبهذه الصفة ساعد الشيخ طاهر الجزائري على إنشاء المكتبات داخل ولاية دمشق، كما في دمشق وحمص وحماة، وفي القدس وطرابلس. وقدم يد المساعدة في إنشاء المكتبة الخالدية، بل حضر حفل افتتاحها الرسمي وظهر في صورة التقطت في الحفل الذي أقيم في حينه. وتضم المكتبة عددًا من كتب الشيخ طاهر الجزائري وعدة نسخ من بعضها، كما تضم العديد من كتابات العلماء الآخرين مثل السيد رشيد رضا.

ثم تعاقب عدد من أفراد آل الخالدي على الاضطلاع بمهمة مُتوليّ المكتبة أو أمينها، وأدوا دورًا مهمًّا في حفظ وصون التقليد الذي اتبعته الأسرة منذ أجيال في السير قدمًا بالعلم، وتطوير المكتبة وحمايتها في الوقت ذاته..

تقع المكتبة الخالدية في قلب مدينة القدس داخل أسواق البلدة القديمة، ولا يبعد مبناها سوى أمتار قليلة على المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، وهي محاطة من كل الجهات بمبان وبيوت استولى عليها مستوطنون، وحولوها إلى مدارس دينية يهودية.

ويعد مبنى المكتبة نموذجًا معماريًّا للقدس في العصور الوسطى. تعود بدايته إلى مملكة القدس في الحقبة الصليبية في القرن الثالث عشر، أما الهدف من ورائه فغير معروف. في حقبة لاحقة، دفن في الموقع ثلاثة محاربين خوارزميين جاءوا ضمن الفيلق الخوارزمي للقوات التي هزمت الصليبيين في فلسطين. الثلاثة هم أب وابناه، أما الأب فيدعى بركت خان (لذلك سمي المبنى في الحقبة المملوكية بـ "تربة بركت خان"). هناك افتراض بأن بركت خان هو ابن السلطان المملوكي بيبرس، الذي تزوج من ابنة أحد القواد الخوارزميين.

يمتاز المبنى بغناه من الناحية المعمارية، فيدمج بين الأقواس الموسدة والأقواس المتعرجة التي تميز العمارة الصليبية والأيوبية بالإضافة إلى مميزات مملوكية، مثل النموذج الأبلق، وهو دمج حجارة حمراء وبيضاء في إطارات الأبواب وشبابيك محاطة بأطر منحنية.

ويتألف مبنى المكتبة من قسمين، أحدهما لحفظ المخطوطات وآخر للمطبوعات ويتم فيه أيضًا مسح المخطوطات القيمة بهدف نشرها وفسح المجال أمام الباحثين للاطلاع عليها خاصة، وأنها تتآكل مع مرور الزمن، ولا توجد في فلسطين الإمكانيات المطلوبة لحمايتها.

وتضم خزائن هذه المكتبة أكبر مجموعة من نفائس المخطوطات الإسلامية التي تحويها مكتبة خاصة في القدس، بل تنافس المخطوطات الإسلامية الموجودة في العالمين العربي والإسلامي.

وتحتوي المكتبة على أكثر من 2000 مخطوط غير متواجدة في العالم ككل، والمخطوطات فيها تمتد من القرن العاشر الميلادي وحتى نهاية الحقبة العثمانية، بلغاتٍ متنوعة منها اللغة العربية، واللغة التركية، واللغة العثمانية، واللغة الفارسية، تتوزع على ما مجموعه 1970 موضوعًا، يتميز بعضها بأنها خط المؤلف أو تحمل ملاحظاته وحواشيه الشخصية".

والكتب المطبوعة في الخالدية تصل إلى 6000 نوع، وهي كمثيلاتها من المخطوطات جمعت من عصور مختلفة، والعديد منها في طبعتها الأولى، وهذه الكتب والمخطوطات جميعها تم جمعها من قبل أفراد عائلة الخالدية على مر العصور الماضية".

وتحتوي المكتبة على وثائق العائلة الخالدية وأوراق رجالات العائلة الخالدية والذين كانوا يشغلون مناصب مهمة في الدولة العثمانية، وسجلات وممتلكات العائلة الخالدية؛ مثل أوراق روحي الخالدي وكل ما يتعلق بهم موجود في المكتبة وجزء مع العائلة الخالدية".

وهناك أقدم مخطوطة في المكتبة تتناول الشريعة المالكية وتعود للقرن الحادي عشر. يتوفر في المكتبة عدد كبير نسبيًّا من المخطوطات الأصلية، المكتوبة بيد المؤلف نفسه لا النساخ. ويوجد أيضًا كتب مزخرفة تدعى بالمَكرُمات مُنِحت كهدايا، من بينها مكرمة منحت لصلاح الدين الأيوبي. كذلك تتواجد في المكتبة كتب مزخرفة في الطب الهندي من القرن الثالث عشر، مصحف ضخم ومزخرف من القرن السادس عشر والمزيد.

أنشئت قائمة علمية مفصلة للمكتبة على يد لورنس آي. كوراد. حتى عام 2007 تم نشر القسم المتعلق بالحقبة العثمانية فقط.


عدد القراء: 6758

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-