علي باكثير مبدع جمع بين السلفية والمعاصرةالباب: وجوه

نشر بتاريخ: 2023-06-01 00:38:25

فكر - المحرر الثقافي

علي أحمد باكثير أديب مسرحي وروائي وشاعر. حضرمي الأصل، مصري الجنسية، من الرواد في الأدب العربي الحديث ومن رجال النهضة، ودعاة الإصلاح الاجتماعي، ومن المجددين في أساليب التعليم، والمتأثرين بجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ومحمد عبد الوهاب.

كتب عشرات القصائد والروايات والمسرحيات التي كرسها لمقاومة الاستعمار والاستبداد، مُثَّل بعضها مسرحيًا وسينمائيًا. نال الريادة في أصناف أدبية عدة حتى وُصف بأنه "المبدع الذي جمع بين السلفية والمعاصرة".

المولد والنشأة

ولد علي بن أحمد بن محمد باكثير الكِندي في سورابايا بجزيرة جاوة بإندونيسيا يوم 15 ذي الحجة 1328هـ الموافق 21 ديسمبر/كانون الأول 1910لأبوين عربيين من حضرموت. ويرجع نسبه إلى كِنْدةَ القبيلة اليمنية المعروفة. وقد ذكر باكثير هذا النسب في غير موضع من شعره:

ولي بعدُ بالضّلِّيل جَدَّيَ أُسْوةٌ

                          ومن يَتَقَيَّلْ جَدَّه لا يُضَلَّلِ

سافر به والده -حين بلغ العاشرة- إلى حضرموت، على عادة الحضارمة، ليتربى فيها تربية عربية إسلامية مع إخوته لأبيه، فعاش في مدينة سيؤون بحضرموت حيث تلقى تعليمه العربي والديني الأولي في الكُتاب، ودخل مدرسة "النهضة العلمية" فدرس فيها العربية والشريعة، ونظم الشعر في الثالثة عشرة من عمره. تزوج مرات باليمن ومصر لكنه لم ينجب سوى ابنة واحدة توفيت وهي طفلة.

التكوين

حبب إليه الشعر، فأقبل يلتهم ما يقع في يده من دواوينه، وكان مثله الأعلى من القدماء المتنبي، ومن المحدثين شوقي. وسرعان ما بلغت بالفتى مواهبه وأعراقه، والشعر في أسرته ملمح ظاهر، ففاض لسانه بالشعر، فقال الشعر وهو في الثالثة عشرة من عمره، وانقادت له القوافي والأوزان. ومع استحكام أصل الشعر في قلبه وفي طبيعته، استبد به هوى فني آخر، هو المسرح، ستكون له الغلبة فيما بعد على فن باكثير، وسيتأثر بهواجسه التي يريد أن يفرغها في منشآته وآثاره.

بدأ باكثير حياته شاعراً، وحين توفي والده سنة 1925م رثاه بقصيدة عصماء في أكثر من ستين بيتاً، مطلعها:

عبثاً تحاول أن تُكفَّ الأدمعا    

                       وأبوك أمسى راحلاً مستودعا

كيف السُّلوُّ وما مررتَ بموضعٍ   

                     إلا وساد الحزنُ ذاك الموضعا

وكانت لقلب الشاعر تجربة وجد ستكون بوجهيها المشرق والقاتم ينبوع شعر ومصدر إلهام، وستلون بألوانها أيامه إلى آخر حياته. فقد كانت له قصة حب آسر كقصص القدماء، ثم أتيح له أن يقترن بمن يحب، إلا أن الموت غالها إثر مرض عضال، وغال ابنة له منها.

وكان واقع الناس الممض حوله رافدًا فياضًا من روافد شعره وفكره، وأصلاً عظيمًا من أصول حياته، لا جرم كان «ممتلئًا بالثورة على ما كان عليه بلده حضرموت من التخلف عن ركب الحضارة» فانغمس في العمل الاجتماعي، وتولى وهو دون العشرين إدارة (مدرسة النهضة العلمية) بسيؤون وجدد نظام تدريسها. ثم أصدر سنة 1349هـ مجلة «التهذيب» مع نخبة من الأدباء الشبان، وبقيت تصدر لمدة عام، وكانت منبرًا للإصلاح الاجتماعي وللأدب في آن.

 وفي سنه المبكرة تلك راسل طائفة من كبار كتاب عصره وأدباءه أمثال شكيب أرسلان ورشيد رضا ومحب الدين الخطيب. وقد بات واضحًا أن عالم الأدب هو عالمه الأعمق والأرحب.

وكانت مصر، بلد أمير الشعر شوقي، قد لاحت له أفقًا يرتحل إليه، يقضي به زمام الشعر وأمير الشعر شوقي، وكان شديد الإعجاب به. إلا أن القدر فاته به، فقد توفي شوقي في سنة 1932 فشيعه من بعيد بـ «دمعة حضرموت على أمير الشعراء»:

سائلوا الدنيا وصيحوا في البشر

                      ما دهى الشمس وما غال القمر

وكان حينذاك في عدن في طريقه إلى مصر، فكسر ذلك عزمه، وبقي مهمومًا سنتين يضرب في أطراف اليمن، ويلم بالحبشة والصومال، متلبثًا من مدنهما في بربرة وأديس أبابا وجيبوتي، ويلقي عصا ترحاله في الحجاز أمدًا وفي مكة المكرمة عند أخواله من آل بابسيط، وفي المدينة المنورة والطائف عند أصدقائه.

باكثير في مكة المكرمة

كانت سمعته شاعرًا قد سبقته إلى الحجاز، فرحبت بمقدمه بعض صحفها هناك بوصفه شاعر حضرموت. وصل باكثير الحجاز شوقًا للحرمين الشريفين ليغتسل روحيًا هناك من جراحه وأحزانه لعله يسلو فيؤجر، فيمم وجهه شطر المسجد الحرام في أواخر شهر ذي القعدة ونشرت جريدة (صوت الحجاز) خبر وصوله في عدد الاثنين الخامس عشر من ذي الحجة 1351هـ الموافق العاشر من أبريل 1933م في الصفحة الأولى بعنوان (وصول شاعر حضرموت الأكبر).

أمضى علي أحمد باكثير عامًا كاملاً تقريبًا في المملكة العربية السعودية متنقلاً بين جدة ومكة والمدينة والطائف واتصل بأدباء الحجاز الذين أصبحوا فيما بعد من رواد الأدب السعودي الحديث وتوثقت بينه وبينهم عرى الصداقة التي امتدت جسورها إلى ما بعد سفره إلى مصر في 14 فبراير 1934م.

وصل باكثير بحرًا من عدن إلى جدة واستضافه الشيخ محمد نصيف في بيته بجدة الذي كان مقصدًا للبارزين من رجالات العرب والمسلمين ولم يلبث بها إلا أيامًا حتى غادرها شوقاً لمكة المكرمة. في مكة المكرمة نزل ضيفًا في بيت الأخوين محمد عبدالحليم وأحمد ابني جده الشيخ سعيد بن عوض بوبسيط بزقاق الحاكم بحارة القشاشية.

ربطته في مكة وجدة صلات بكل من الأدباء عبدالله بلخير، ومحمد سعيد العمودي، وأحمد إبراهيم الغزاوي، وعبدالوهاب آشي، وعبدالله فدا، ومحمد سعيد عبدالمقصود، والسيد علوي عباس المالكي، ومحمد حسن فقي، وحسين خازندار، وعبداللطيف الجزار، ومحمد حسن عواد، وحسين سرحان، وحمد الجاسر، ومحمد أمين كتبي، وعلي فدعق، ومحمد حسن كتبي، وعلي السليماني، وعلي عبدالله بادغيش، وسراج مطر، ومحمد علي شواله، ومحمد أحمد باحمدين، وعبدالسلام عمر، وعبدالقادر باسلامة.

أدى باكثير فريضة الحج واستشفي نفسيًا من جراحه وأحزانه في الأجواء الروحية بالحرم المكي، وبدأ الأدباء الشباب الذين قرأوا خبر وصوله في جريدة (صوت الحجاز) يفدون للتعرف عليه خاصةً وأن أكثرهم كان قد قرأ له بعض قصائده في (مجلة الفتح) السلفية أو سمع به وبحبه ومناصرته للملك عبدالعزيز من حضرموت وعدن. كان الغزاوي أول من احتفى بباكثير في مكة وكان عبدالله بلخير وحسين خازندار وعبداللطيف الجزار أول من تعرف عليه من الأدباء الشباب بعد نشر خبر وصوله.

واستكمل باكثير تحصيله العلمي والأدبي في رحلته تلك؛ حيث اتصل في حلقات الدروس بالمسجد الحرام بالشيخ العلامة خليفة بن حمد البنهاني (1270-1362هـ) وتوثقت صلته به حتى أصبح يحضر دروسه التي يعقدها بمنزله في المسفلة ويصعد معه إلى جبل أبي قبيس حيث يعلم تلاميذه الفلك والميقات، ودرس معه كتابه الشهير المسمى (الوسيلة المرعية لمعرفة الأوقات الشرعية) واستكمل معه ما بدأه مع علماء حضرموت في علم الفرائض، فكان يصطحب معه أثناء زيارته للنبهاني كتاب (الرحبية) للمارديني المشهور في علم الفرائض. كما حصل على الإجازة في الفقه من الشيخ عبدالحي الكتاني المغربي وفرح بها ولكنه فجع فيه وهجاه في قصيدة بعدما انكشف أمر عمالته لفرنسا ونشرت أخباره في الصحف!!

وحرص باكثير في تلك الأيام المكية على حضور دروس معظم علماء المسجد الحرام، وكان يتردد في أوقات الضحى من كل يوم على مكتبة الحرم المكي الكائنة آنذاك بين باب السلام والمحكمة، والتي أنشأها السلطان عبدالمجيد العثماني فسميت المكتبة المجيدية.

وقال باكثير الشعر، شأنه أبدًا، شجنًا شخصيًا وهاجسًا عامًا، وضمن همومه حتى شعر المناسبات والإخوانيات. قال مخاطبًا صديقه عمر بلخير في أعقاب حفل مدرسي:

آه  عـــــــلى  بــــــلاد          مـهــيـضة  الـجـنـاح

أودت بــهــا نـفـوس           عطشى من الصـلاح

وليس هذا شعري           لـكــنــــه  جــراحــــي

نَكَـأتــهــا فـســالـــت       كمـبـضــع الـــــجـــرّاح

إلا أنه في الطائف في الحجاز، وقف لأول مرة، على مسرح شوقي الشعري، وكان ذلك كشفًا مباغتًا له، وكان لاطلاعه على مسرح شوقي هذا «أثر كبير في نفسه، هزه من الأعماق، وأراه لأول مرة في حياته كيف يمكن للشعر أن يكون ذا مجال واسع في الحياة، حين يخرج عن نطاق ذاتية قائله إلى عالم فسيح يتسع لكل قصة في التاريخ أو حدث من الأحداث». وقد شعر برغبة جامحة في محاكاة هذا اللون الجديد الذي وجده عند شوقي.

وهكذا ولدت «همام أو في عاصمة الأحقاف» في الصيف في الطائف، معبرًا باكثير بها شعرًا منظومًا عن هاجسيه الكبيرين: حبه العذري لزوجه وأحوال بلاده، لتكون الخطوة الأولى في انتقاله الكامل من أفق من آفاق الفن إلى أفق آخر أرحب وأشمل، وسيكون ذلك، بأسبابه ودواعيه، في مصر التي ارتحل إليها أواخر سنة 1933 أو أوائل سنة 1934 وحياها بقصيدة عالية العبارة جياشة العاطفة. قصيدة مطولة نظمها في الحجاز بعنوان (نظام البُردة أو ذكرى محمد) معارضاً بها بردة البوصيري:

يـا مصـر هــاج البـلبـل التــغـــريــد

                     والأيك أنت  وماؤك  المورود

وافاك من أقصى الجزيرة شاعر

                     تطوى البحار له وتطوى البيد

من حيث عاد في القديم تجبرت

                     وتلا  أناجيل  الهدايـــة  هـــــود

وها هو ذا على عتبة عالمه الجديد سيلتفت إلى الأزهر شيئًا، يرجو أن يتمم فيه تحصيله العلمي الأول، إلا أن الشاعر، حزم أمره فالتحق بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) «لّما بَلَغه أنه غني بالشعر الرفيع» وكان لا يزال يعد نفسه ليكون شاعرًا كبيرًا، فرجا «أن تفتح له هذه الدراسة آفاقًا جديدة في الشعر». إلا أن ما انتهى إليه كان أكبر مما كان يقدره، وأكثر من مجرد وقوف على «نماذج من الشعر الرفيع»، وذلك أن هذه الدراسة قد غيرت من نظرته لمفهوم الأدب كله وحملته «على إعادة النظر في المقاييس الأدبية التي كانت عنده بتأثير ثقافته العربية»، واكتشف فيما اكتشف «انجذاب قلبه إلى المسرحية أكثر من انجذابه إلى فنون الأدب الأخرى». «وفتنه شكسبير واستهوته أعماله، لكونه يجمع بين الفن القديم الذي يحبه وبين هذا الفن الجديد الذي بدأ يكتشف في نفسه الاستجابة إليه، وهو فن المسرحية»، فترجم فصولاً من (الليلة الثانية عشرة) لشكسبير، ترجمها شعرًا موزونًا مقفّى ونشرها في مجلة «الرسالة» التي كان يصدرها الزيات، إلا أنه بإزاء شكل جديد من أشكال الشعر ليس للعربية مثله، وقد كان هذا تحديًا استجاب له باكثير استجابة مضاعفة، اصطنع هذا الشكل الجديد في العربية، وطوع به نصًا من جنسه بالإنجليزية، وقد كان هذا من مسرح شكسبير خاصة، ومن مسرحية «روميو وجولييت».

وقد أغرى باكثير نجاح تجربته، فاصطنع نصًا مسرحيًا مؤلفًا هذه المرة، عبر فيه عن توجهه القومي، وقد كان هذا في مسرحيته «أخناتون ونفرتيتي» التي كتبها سنة 1938 ونشرها سنة 1940. وقد استوى باكثير منذ ذلك الحين على طريقه في الأدب، متطورًا بهذا الفن، شكلاً ومضمونًا، بالقدر الذي تعين عليه طاقاته الأدبية والثقافية وأوضاع عصره.

الوظائف والمسؤوليات

تخرج باكثير في الجامعة سنة 1939 وفي معهد المعلمين سنة 1940، وبقي يدرس أربع عشرة سنة، وكان ماضيًا في كتابة أكثر من شكل أدبي في أثناء ذلك، ومشاركًا في الحياة الأدبية من وجهها الإنساني وكانت له صداقات كثيرة مع أدباء عصره وشعرائه، ومع رواد (ندوة كازينو أوبرا) التي كان قطبها نجيب محفوظ، ولباكثير فيه قصائد ينزله فيها في منزلته من الأدب، وألف معه ومع عادل كامل وعبدالحميد جودة السحار لجنة النشر للجامعيين، وكان من رواد الندوة، مع عادل كامل، ومحمد عفيفي وأمين يوسف غراب، وكان باكثير حينذاك أكثرهم إنتاجًا، وله في المسرح أعمال ناجحة.

التوجه الفكري

تأثر باكثير بأفكار الإحياء الإسلامي التي نشرتها -مطلع القرن العشرين- مدرسة الإمام محمد عبده، وتعمقت لديه بمطالعاته ولقاءاته بأبرز رجال هذا التوجه مثل محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب، كما تميز إنتاجه الأدبي شعرًا ورواية ومسرحيات بالجمع بين الرؤية الإسلامية والنزعة الإنسانية.

التجربة الأدبية

عندما وصل باكثير إلى مصر كان قد أصبح شاعرًا مشهورًا لدى المهتمين بالأدب والفكر، فقد لاح نبوغه الأدبي مبكرًا ونظم مطولته «نظام البردة» وهو في الحجاز 1932، كما كتب أول عمل مسرحي شعري له وهو «همام.. أو في بلاد الأحقاف»، لكن مقامه بمصر منحه فرصة كبرى لتعميق تجربته الأدبية فنشر كبرى قصائده في صحفها ومجلاتها الأدبية باسم "نزيل القاهرة".

أثناء دراسته الجامعية بالقاهرة تعرف على أدب وليام شكسبير فغير مسيرته الأدبية متحولاً من الشعر إلى الرواية، ومن المسرحية الشعرية إلى المسرحية النثرية.

ترجم مسرحية «روميو وجولييت» لشكسبير بالشعر المرسل 1936، وكتب 1940 أولى مسرحياته بمصر «إخناتون ونفرتيتي» بالشعر الحر، ليكون بذلك رائد هذا النمط من النظم في الأدب العربي.

كتب العديد من المسرحيات السياسية والتاريخية ذات الفصل الواحد وكان ينشرها بالصحف والمجلات السائدة آنذاك، وقد أصدر منها في حياته ثلاث مجموعات.

وكان في أثناء ذلك قد تزوج سيدة مصرية سنة1942 بقي معها إلى أن توفي، ثم حصل على الجنسية المصرية بموجب مرسوم ملكي في 22 أغسطس 1951. وكانت هذه الحقبة حقبة أوج في حياته الأدبية، فقد كان المسرح القومي ابتداءً من سنة 1947 يفتتح بأعمال باكثير، من مثل: «سر الحاكم بأمر الله» و«مسمار جحا» و«سر شهرزاد» و«أبو دلامة مضحك الخليفة»، وبقي هذا حتى سنة 1954.

وفي سنة 1954 سافر في بعثة دراسة حرة إلى فرنسا، وزار سنة 1956 رومانيا والاتحاد السوفييتي (سابقًا) عضوًا في وفد أدباء مصر بدعوة من اتحاد الكتاب في البلدين المذكورين. وفي سنة 1958 سافر إلى طشقند ممثلاً الجمهورية العربية المتحدة في مؤتمر كتاب آسيا وإفريقيا الأول.

وفي نيسان 1959 كتب مسرحية «الزعيم الأوحد» بطلب من المؤتمر القومي للثقافة والفنون، وفيها مثل مصر في مهرجان الشعر بدمشق. وفي سنة 1961 أحرز وسام العلوم والفنون، وفي سنة 1962 أحرز جائزة الدولة التشجيعية عن مسرحيته «هاروت وماروت» وفي سنة 1963 أحرز وسام عيد العلم.

أنجز 1963 -خلال منحة تفرغ- ثاني أطول ملحمة مسرحية عالمية وهي «ملحمة عمر» الإسلامية (19 جزءًا)، التي تروي قصة حياة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب منذ توليه الخلافة حتى وفاته وقد توفي باكثير وهي قيد الطبع وصدرت عن دار البيان في الكويت في عام 1970م. كما كتب لأول مرة ثلاثية مسرحية عن غزو نابليون لمصر: «الدودة والثعبان»، و«أحلام نابليون»، و«مأساة زينب».

ويسجل له أنه كان أول من عالج قضية فلسطين في المسرح العربي (مسرحية «شيلوك الجديد»)، وأول من كتب الأوبريت باللغة العربية الفصحى، ويأتي تاليا لتوفيق الحكيم في عدد المسرحيات.

توفي وشعره إما مخطوط أو مفرق في الصحف والمجلات التي كانت تنشره. كان باكثير ينظم الشعر على طريقة الأقدمين مقتفيًا آثار امرئ القيس وشعراء المعلقات والعصرين الأموي والعباسي، وحين قدم إلى مصر كان معه ثلاثة دواوين مخطوطة، هي نتاج ما كتبه من شعر في حضرموت وعدن والحجاز، وكان ينوي طبعها في مصر، ولكنه حين اطلع على دعوات التجديد في مصر ومدرسة الديوان وأبولو، عدل عن طبع دواوينه.

وقد أصدر الدكتور محمد أبو بكر حميد عام 1987ديوانه الأول «أزهار الربى في أشعار الصبا» الذي يضم قصائده التي قالها قبل مغادرته حضرموت، وطُبع 1987، كما طبع له ديوان ثان 2008 بعنوان: (سحر عدن وفخر اليمن) صدر عن مكتبة كنوز المعرفة بجدة يضم شعر باكثير سنة 1932 - 1933 وهي السنة التي أمضاها في عدن بعد مغادرته حضرموت، وصدر ديوان باكثير الثالث (صبا نجد وأنفاس الحجاز) الذي نظمه سنة 1934 في السنة التي أمضاها في المملكة العربية السعودية قبيل هجرته النهائية إلى مصر.

وظف باكثير أعماله الأدبية في مقاومة الاستعمار والصهيونية والشيوعية والاستبداد السياسي، فحاربه اليساريون الذين تولوا مقاليد الثقافة والفن بمصر بعد ثورة 1952، وضيقوا على أعماله الأدبية والمسرحية.

كان عضوًا في مجلس الشعر والقصة، والمجلس الأعلى للفنون والآداب، ونادي القصة وكان عباس محمود العقاد سندًا مكينًا له في المجلس الأعلى، ورثاه باكثير سنة وفاته 1964بقصيدته التي مطلعها:

كيف نرثيك يا أبا الشعراء

                      أنت فوق الرثاء فوق العزاء

نقل باكثير في سنواته الأخيرة إلى مصلحة الفنون مديرًا للرقابة على المصنفات الفنية فجمد نفسه فنيًا أولاً، بتوجيه الأديب الكبير يحيى حقي الذي كان رأس المصلحة، من أجل ألا يتهم بمحاباة نفسه، ثم جمد وظيفيًا فيما بعد.

وفي نيسان سنة 1968 زار وطنه الأصلي حضرموت بعد استقلال اليمن الجنوبي يائسًا من حياته الأدبية في القاهرة، ثم رجع من حضرموت أكثر يأسًا. وفي جو اليأس هذا كان قد كتب مسرحيته «التوراة الضائعة»، وهي آخر أعماله المسرحية، كتبها بعد نكسة 1967، ونشرت بعد وفاته بأسابيع.

وكثرت أسفاره سنة 1969 وحضر في نيسان منها مؤتمر الأدباء العرب السابع في بغداد، وكان قد شارك قبله في مهرجان الشعر الخامس في الاسكندرية وزار تركيا للتعرف على مدينة القسطنطينية وأسوارها، ممنيًا النفس بكتابة ملحمة عن حصار محمد الفاتح لها.

وزار لندن، وتلقى عرضًا من صديقه المستشرق سارجنت للتدريس بقسم الدراسات الشرقية بجامعة كمبردج، وعرضًا من القسم الأدبي (العربي) بهيئة الإذاعة البريطانية. ورجع إلى القاهرة ليعد العدة للرحيل، إلا أنه ارتحل رحلة أخرى، فقد توفي إثر نوبة قلبية حادة.

الجوائز

كُرم باكثير بجوائز وأوسمة كثيرة، منها: جائزة وزارة المعارف 1945 عن رواية «وا إسلاماه»، وجائزة وزارة الشؤون الاجتماعية عدة مرات، وجائزة المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية 1960، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب 1962، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى 1963، ووسام عيد العِلم ووسام الشعر.

ومنحته -بعد وفاته- دولة اليمن الجنوبية (سابقًا) وسام الآداب والفنون 1985، والجمهورية اليمنية (بعد الوحدة) وسام الاستحقاق في الأدب والفنون 1998.

الوفاة

أصيب علي باكثير بأزمة قلبية مفاجئة فتوفي بالقاهرة غرة رمضان 1389هـ الموافق 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1969، ودفن في مقبرة عائلة زوجته المصرية بمدافن الإمام الشافعي.

 

المصادر:

- علي أحمد باكثير، الموسوعة العربية العالمية، مجموعة من المؤلفين، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، ط2، المجلد: 16، ص 548.

- أحمد عبد الله السومحي، علي أحمد باكثير: حياته شعره الوطني الإسلامي، النادي الأدبي الثقافي، جدة، الطبعة الأولى، 1403هـ/1982م.

- ناصر بن محمد الزمل، وفاة الشاعر القصصي الحضرمي علي أحمد باكثير، موسوعة أحداث القرن العشرين، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، المجلد: 7، ص455.

- علي أحمد باكثير، فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية (مكتبة مصر، الفجالة، القاهرة 1984).

- عبده بدوي، علي أحمد باكثير شاعرًا غنائيًا (حوليات كلية الآداب، جامعة الكويت 1981).

- د. محمد أبو بكر حميد، صفحات مجهولة تنشر لأول مرة، المرحلة السعودية في حياة علي أحمد باكثير (1-2)، مجلة الجزيرة الثقافية، العدد: 312، تاريخ: 27/05/2010.

https://www.al-jazirah.com/culture/2010/27052010/almlf25.htm

- د. عبد الحكيم الزبيدي، أضواء على حياة علي أحمد باكثير في الذكرى الـ 50 لرحيله، مركز جمال بن حويرب للدراسات، بتاريخ 29 مارس 2023 ، https://2u.pw/aLMcR9


عدد القراء: 1837

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-