ابن رشد .. الفيلسوف العربي بين احتفاء الغرب وحرق السلطات الإسلامية كتبهالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2023-09-29 14:40:58

فكر - المحرر الثقافي

ما من فيلسوف عربي أثار جدلاً وأشعل معارك فكرية مثلما فعل ابن رشد، ففي الوقت الذي احتفى به الغرب ورأى كثيرون أن مؤلفاته كانت أحد روافد نهضته العقلية، أدت معاركه الفكرية وخلافاته مع فلاسفة المسلمين وعلماء الكلام والفقهاء إلى حرق كتبه وانزواء أفكاره في جانب بعيد عن التيار الرئيسي للفكر العربي والإسلامي.

وُلِد أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد بمدينة قرطبة حاضرة الأندلس عام 520 للهجرة، ونشأ في بيت عريق في العلم والأدب، وكان والده قاضيًا وفقيهًا له مجلس يُدّرس فيه في جامع قرطبة. درس ابن رشد الفقه والتفسير والطب والرياضيات والفلك والفلسفة.

مارس الطب وتولى القضاء في إشبيلية وقرطبة، وتنوعت مؤلفاته لتشمل الفلسفة وعلم النفس والفقه واللغة وعلم الكلام والفيزياء والجغرافيا والقانون، وبلغ ما وصل للعصر الحالي من كتبه 58 مؤلفًا.

من أبرز ما قدمه ابن رشد للثقافتين العربية والغربية شرحه الوافي لفلسفة أرسطو، فتناول كل ما استطاع أن يحصل عليه من مؤلفاته وشروحها بالدراسة العميقة المبنية على التحليل الدقيق والنقد العميق لأفكاره، بعدما اطلع على كل ما تُرجم من كتب اليونان التي ضاع أغلبها فيما بعد، لذلك فهو صاحب الفضل الأكبر في الحفاظ على فلسفة أرسطو وقراءتها نقديًا، حتى أنه لقب في الأوساط العلمية الغربية بـ"الشارح".

وكان لإعجابه العظيم بمنطق أرسطو دور كبير في نقده لأفكار الفلاسفة العرب من أمثال الفارابي وابن سينا، اللذين سار في نقدهما على نفس منهج نقد أرسطو لأفلاطون، بل وحاول أن يدمج فلسفة أرسطو مع الفكر الإسلامي، معتبرًا أن الفلسفة لا تتعارض مع الدين، ورأى أن كليهما طريق للغاية نفسها، وهو الأمر الذي جعله يختلف مع كثير من فقهاء عصره، فاختلف في مسائل كثيرة مع الأشاعرة، كما لم يُقرّ كثيرًا من أفكار المعتزلة الذين مثلوا اتجاهًا باطنيًا في الفكر الإسلامي.

من مؤلفاته في الفقه "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" و"مناهج الأدلة"، أما كتابه "فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من اتصال"، فقد أكد فيه أهمية التفكير التحليلي في تفسير القرآن، مخالفًا علماء الكلام في عصره، ومعليًا من قيمة البرهان العقلي. ويعد كتابه "الكليات" موسوعة لعلوم الطب في وقته، كما شرح "أرجوزة" ابن سينا في الطب.

كما كانت له أبحاثه في مجال الفلك، إذ قدم نقدًا لنظرية بطليموس، ووصفًا للقمر أضاف لما كان معروفًا وقتها، بل إنه اكتشف كويكبا لم يكن معروفًا من خلال رصد فلكي أجراه في المغرب وهو في سن الـ25. وبالإضافة إلى إسهاماته في مجال الرياضيات، يعتقد أنه أول من اقترح مفهوم "القصور الذاتي" في الفيزياء، واجتهد في تفسير ظاهرة قوس قزح.

أما أشهر كتبه ومعاركه الفكرية، فكان كتابه "تهافت التهافت" الذي رد فيه على كتاب الغزالي "تهافت الفلاسفة"، والكتابان يقدمان عرضًا فكريًا شائقًا لمدرستين متعارضتين في النظر إلى الفكر والوصول إلى الحقيقة.

ورغم انتمائه لعائلة تولت مناصب الفقه والقضاء، وتوليه هو نفسه مناصب القضاء في كل من إشبيلية وقرطبة، وتقلده وظيفة الطبيب الخاص للخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف في مراكش، وتكليفه بمهام سياسية بحكم قربه من البلاط، فلم يتحرج من أن تكون له آراء سياسية تحمل أفكارًا إصلاحية لواقع الناس في الأندلس، فقد ركز على أهمية الممارسة السياسية، بمعني أن تتطابق أفعال الحاكم مع أقواله، وفي ذلك يقول عند الحديث عن التحول إلى المدينة الفاضلة إن ذلك يكون "بالأعمال الصالحة، لا بالآراء الحسنة، وأنت تلمس ذلك في مدننا، وبالجملة فلن يصعب على من كملت لديه أقوال أجزاء الفلسفة، واطلع على طرق تحول المدن، أن يرى أنها لن تؤول نحو الأفضل بالآراء وحدها".

بقي ابن رشد في بلاط الموحدي في مراكش حتى توفي الخليفة وخلفه ولده المنصور، الذي غضب على ابن رشد، واتهمه بالزندقة، ونفاه إلى قرية اليسانة في الأندلس، التي كان يسكنها أغلبية من اليهود، وأحرق كتبه، بل وأصدر منشورًا يحرم قراءة كتب الفلسفة، لكنه بعد أعوام راجع نفسه وعفا عنه، فعاد ابن رشد إلى مراكش حيث توفي ودفن فيها عام 595 للهجرة، ثم نقل رفاته فيما بعد إلى مسقط رأسه في قرطبة.

من أشهر أقواله: "من العدل أن يأتي الرجل من الحجج لخصومه بمثل ما يأتي لنفسه"، و"الحسن ما حسنه العقل، والقبيح ما قبحه العقل"، و"لو سكت من لا يعرف، لقل الخلاف".


عدد القراء: 1891

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-