يوهانس فيرمير مصور سبق الكاميراالباب: فنون

نشر بتاريخ: 2024-05-31 02:47:50

فكر - المحرر الثقافي

مع لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي، أصبح يوهانس فيرمير مرادفًا لما يطلق عليه اسم "موناليزا الشمال". من الصعب التفكير في لوحات العصر الذهبي الهولندي دون التفكير في تصوير رامبرانت في القرن السابع عشر لفتاة عادية مع لؤلؤة لامعة على فصها تطل من خلفية غريبة ومظلمة. لقد كان عمل فيرمير في الحياة هو استكشاف الرقة اليومية، والتقاط الأماكن العقلية والجسدية الحميمة التي ميزت فترة الباروك. ومع ذلك، فإن سيطرته على اللون والضوء رفعت الفنان إلى ما هو أبعد من مستوى معاصريه، مما قدم نافذة فريدة على أسلوب الحياة خلال فترة تاريخية مزدهرة.

من خلال مشاهده المنزلية، لعب فيرمير دورًا رئيسيًا في تطوير القانون الباروكي. تتضمن العديد من أعماله أثاثًا أو موضوعات من الاستوديو الخاص به، وكانت موضوعاته غالبًا أشخاصًا يعرفهم شخصيًا أو أقارب العملاء الذين كانوا بمثابة مصدر إلهام للوحات.

لقب "سيد الضوء" بعد وفاته. باستخدام أساليب عصر النهضة مثل الإضاءة واستخدامه المميز للضوء والظل والطلاء، كان قادرًا على استخلاص الملمس والعمق والعاطفة في عمله.

يوهانس فيرمير فنان هولندي ولد في مدينة دلفت لأبٍ يعمل في أكثر من ميدان، إذ كان نسَّاجاً للأقمشة الحريرية، ويدير فندقاً صغيراً، ويتاجر بالتحف الفنية، وهي الطريق التي سلكها فيرمير بعد وفاة أبيه.

يكتنف الغموض مسيرة فيرمير، إذ لا تتوافر معلومات كثيرة حول مراحله الفنية الأولى، أو حول بروز موهبته الفنية واتخاذه القرار بانتهاج درب الفن؛ ليصبح رساماً، أو حول الفنانين الذين تتلمذ على أيديهم، والمعلومة الوحيدة المثبتة تتعلّق بانتسابه إلى نقابة الفنانين في مدينة دلفت في عام 1653، حتى أن اسمه لم يرد في سجلات الفنانين (الأرشيف). والحقيقة أن العام 1653 كان عاماً حافلاً في حياته، إذ تزوج من كاتارينا بولنز (التي أنجب منها أربعة عشر طفلاً)، والتي يعتقد أنها كانت نموذج المرأة التي ظهرت في أعماله لافتقاره للمال الضروري لاستخدام نموذج محترف، وفي العام نفسه انتسب إلى نقابة الفنانين التي ترأسها مرتين لاحقاً.

يفسر بعضهم هذا الأمر لأسفاره الكثيرة وتنقله في أوروبا بين إيطاليا وفرنسا وفنلندا، حتى إنه تلقى بعض التدريبات والدراسات في أمستردام وغيرها، وتأثر بفناني تلك الفترة مثل كارافاجيو وهونثورست، ورمبرانت الذي كان له التأثير الأكبر والأبرز في لوحات فيرمير في بداياته، إذ التزم فيرمير بالأعمال الكلاسيكية (الباروك) السائدة حينذاك وبموضوعاتها التي تدور حول الأسطورة والدين. وسرعان ما قرر فيرمير العودة إلى مدينته واستلهام موضوعاته منها، والإفادة من أشهر فنانيها ليونار بريمر الذي قيل: إن فيرمير تدرّب في محترفه سنوات عدة، وإن صداقة حميمة جمعتهما، وإن بريمر الكاثوليكي قدم دعماً كبيراً لفيرمير الذي تزوّج من امرأة كاثوليكية، وذلك أن التوجه الديني الغالب في هولندا كان بروتستنتياً، ما فرض بعض العزلة والتساؤل حول فيرمير وحياته؛ لذلك كان لوجود بريمر الأستاذ والمحامي والصديق أهمية قصوى في حياته. ولابد من التنويه أيضاً بعلاقته المهمة بالمصور كاريل فابريتيوس، وهو أحد تلامذة رمبرانت، وقد جمعتهما صداقة عبر الشاعر آرنولد بون؛ وعلاقته بالفنان جيرار تيربورش الذي شجّعه على تصوير مشاهد الحياة اليومية، ويتجلى هذا التأثر في لوحة «فتاة تقرأ رسالة قرب نافذة مفتوحة» (1657م)، كما تأثرت أعمال فيرمير المسماة «غرف المنازل الداخلية» بالفنان بيتر دي هوش الذي اشتهر باستخدام المنظور وتسخيره لخلق الضوء الكافي لتجسيم شخوص لوحته وعناصرها وإبرازها، حتى إن لم يكن هنالك توثيق لأيّ رابط يجمعهما سوية إلا أن تشابه أسلوبهما يؤكد احتكاكهما المباشر خلال تلك المرحلة، ومن أبرز أعمال فيرمير خلالها «الشارع الصغير» (1657-1658م).

كان فيرمير مقلاً في أعماله، فقد كان كثير الاعتناء والتدقيق في عمله، وكان لا يترك شيئاً للمصادفة، ولا يترك اللوحة إلا بعد أن يثق تماماً أن بناءها قد وصل حد الكمال، فكل شيءٍ مدروس ومقرر بهدوء.

وقد استهل فيرمير أعماله الفنية بتصوير مشاهد الحب والمتعة كما في لوحتي «القوّادة»، و«احتساء النبيذ» التي برز فيها اللونان الأحـمر والأخـضر، بينما استخدم في أعماله الأخـيرة تقنيات وموضوعات جـديدة، فتخلى عن قدراته الفذة على التلوين ليتفرغ لتحديد الأشكال والفـراغ من خلال القيم الضوئية لتقانة الإشراق والعتمة (الظل - والنور) كما في «الفتاة الجالسة إلى السينييت (بيانو صغير)» وبرز لديه في هذه المرحلة اللونين الأزرق الشفاف والأصفر المشرق، إضافة إلى اهتمامه الكبير، كمعظم مصوري الباروك، بضوء النهار، ولاسيما عند منتصف الظهيرة، إذ كان يسقط الضوء على مشاهده بطريقة الإسقاط المتكسر على مسطحات لوحته؛ مما يُظهر أن البنائية لدى فيرمير كانت سابقة لأوانها، كما أن إبرازه للضوء «كنور يُشع» في أغلب أعماله أكسب لوحاته مظهراً بلّورياً، وأضفى عليها الخشوع والسكينة.

اهتم فيرمير بتكوين اللقطات، وتنوع احجامها، وتوزيع الإضاءة. ومن هنا، جاء لقب سيد الضوء. ويظهر ذلك جليًا في لوحته الشهيرة «الضابط والمرأة الضاحكة»، إذ نرى ظهر الضابط الذي يجلس في الظل، دلالة على غموض الشخصية أو رفعتها، بينما الفتاة تجلس قبالة النافذة التي يأتي منها الضوء مُبتسمة، والسعادة ظاهرة على وجهها. وكأنما الكاميرا وضِعَت خلف ظهر الضابط في لقطة تسمى over shut. فنشعر أنه رسام سينماتوغرافيًا، سبق اختراع السينما بقرنين. كما أن المُدقق في وجوه النساء المرسومة في لوحاته يُلاحظ تشابهًا كبيرًا بينها. وفي أكثر من لوحة، كأنه وجه لامرأة واحدة يرسمها في كل مرة بوضع وزي مُختلفين.

كان فيرمير من بين الفنانين الذين استحضروا الحياة البرجوازية بوصفها شكلاً من أشكال الحياة المرغوبة، فلوحاته المنزلية، بألوانها وتدرجاتها الدافئة، حملته على إسباغ الكمال على هناءة الحياة المنزلية. وكان هو الممثل الرئيس لمثل هذا النوع من الأعمال، بل وجعل منه نموذجاً للحياة الإنسانية، ففي لوحته «رجل نبيل وسيدة تعزف على البيانو» (من مقتنيات البيت الملكي بإنجلترا)؛ ثمة زوجان من علية القوم متواريان في عمق اللوحة داخل غرفة مغمورة بالضوء، وامرأة لا يظهر منها إلا ظهرها، تعزف على بيانو صغير وعلى غطائه يمكن للمشاهد أن يقرأ: «الموسيقى تواكب الفرح وتزيل الألم»، ورجل يقف على مقربة من المرأة يتأملها مفتوناً بها، ومن خلفه لوحة تُلمِع إلى طابع الحب الأخلاقي، ومرآة تُظهِر جزءاً من حامل فيرمير ترمز «للفن». إن التوازن الأثيري والروحي للأشياء والإنسان، والابتهاج الشفيف للضوء وصفائه، إضافة إلى انسجام التدرجات اللونية الباردة والحارة، يدركها المشاهد كمعادل للانسجام الموسيقي.

استخدم فيرمير الأسلوب التنقيطي الذي لبّى لديه رغبته الملحة في ألا ينشغل الناظر إلى أعماله بجمال الوجوه أو الملامح البشرية، بل قصد صرف الناظر إلى تأمل اللوحة بكل موجوداتها وتفصيلاتها، كما ساعده التنقيط على خلق روح الحركة المنشودة في اللوحة كما في «فتاة تقرأ رسالة قرب نافذة مفتوحة».

معظم أعمال فيرمير غير مؤرخة باستثناء اللوحات: «القوّادة» (1656)، و«الفلكي» (1668)، و«الجغرافي» (1669)، ويعزى ذلك إلى أنه لم ينل حظه من الشهرة والتقدير؛ أو لأنه حرص دائماً على أن يبدو الزمن وقد توقف كيلا يعكر صفو شخوصه المستغرقين في التفكير.

عُرف فيرمير فناناً عُني برسم غرف المنازل بعناية تامّة، ودقة متناهية بالتفاصيل والزخارف؛ ولكنه لم يقتصر على ذلك، ولم يخرج يُوهانس فيرمير من الاستوديو الخاص به إلا لرسم لوحتين فقط، إذ إن حبّه لمدينته «دلفت» مسقط رأسه دفعه إلى الخروج لرسم مشاهد مدينته المحبوبة هما «الشارع الصغير» و«مشهد من دلفت» 1661. مدينته التي أحبها، وترعرع فيها. وهي عبارة عن مشهد عام لميناء المدينة الصغير التي ترسو به بضعة سفن، وامرأتان تتحدثان، وعدة أشخاص يقفون على رصيف الميناء، والغيوم تملأ السماء. وتُعتبر هذه اللوحة من أجمل لوحاته، وذاع صيتها بعد أن تناولها الروائي الفرنسي الكبير مارسيل بروست في الفصل السادس من روايته الشهيرة «البحث عن الزمن المفقود». حيث اعتبرها بروست إحدى أجمل اللوحات في العالم. إن لم تكن أجملها. ويبقى فيرمير من أجمل الفنانين الذين عرفهم التاريخ، والأكثر غموضًا في أعماله، بعد ليوناردو دافنشي.

كان مؤسفاً ألا يتمكن فيرمير من بيع أيّ من أعماله، بل سددها نظير الديون المتراكمة عليه، وكثرت التفسيرات حول تردّي أوضاعه المالية، فهناك من يقول أن السبب هو زوجة الفنان الكاثوليكية في هولندا البروتستنتية، أو بسبب مرض مزمن منعه من التصوير أو الاتجار بالتحف الفنية؛ أو حتى الاعتناء بالفندق الصغير وهي مهنته الأصلية؛ وربما لأنه كان له تصور ذاتي لسلوك الفنان الأخلاقي، ولاسيما أنه كان يعد نفسه فناناً هاوياً يزاول التصوير هواية لإمتاع ذاته وليس للكسب المادي والشهرة، لذا كان يميل في أواخر حياته إلى العزلة داخل مرسمه، وشيئاً فشيئاً راح يفقد جزءاً من دقته ومهارته التقنية حتى وفاته، من دون أن يلقى أبسط تقدير أو تكريم من مدينته وبلده التي أحبها وقدّم لها فنّه الذي لم يلق التقدير إلا بعد عشرات السنين، فبدأت أعماله تُباع بأبهظ الأثمان، وتنتشر في متاحف العالم. ومن الممكن القول: إنّ فيرمير خلّف وراءه عند وفاته (36) لوحة وزوجة و(11) طفلاً والكثير من الديون.

يصف الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير أعمال فيرمير فيقول: «يخيل إلي أن ذروة الفن لا تبلغ مداها بإثارة الضحك أو البكاء أو تفجير الغضب والانفعال، وإنما بأن تؤدي ما تؤديه الطبيعة ذاتها؛ ألا وهو استثارة الأحلام أو استحضارها».

التلصص والمُفاجأة ثيمتان لأعماله

إن المُتأمل للوحات يُوهانس فيرمير يُلا حظ دائمًا أن هناك شخصًا يُراقب الشخصيات المرسومة، وكأنه مُصورًا فوتواغرفيًا يُباغت الشخصية ليلتقط لها لحظة فعل عفوي. مثلاً، لوحة «فن الرسم» أو لوحة «فتاة تقرأ رسالة عند نافذة مفتوحة». وفي الوقت نفسه، نرى أن من هذه الشخصيات التي تفاجأت بحضور شخص ما وهي تقوم بعمل معين. مثلاً، لوحة «سيدة تعزف على البيانو» و«الفتاة مع كأس النبيذ». كما نُلاحظ أيضًا أن المكان يُضاء من نافذة وحيدة، قام فيرمير برسم مُعظم شخصياته بقربها! كما أن الغرفة التي توجد بها تلك النافذة استخدمت كلوكيشن أو موقع واحد لرسم مُعظم الشخصيات، على تنوع اهتماماتها وأفعالها.

لوحة «الفتاة ذات القرط اللؤلؤي»

لوحة فتاة ترتدي لباسًا غريبًا وترتدي عمامة شرقية وقرطًا من اللؤلؤ تعد اللوحة من أروع ما قدم هذا الرسام، ففي هذه اللوحة بالذات تجسد إبداع يوهانس من حيت التدرج في استغلال الظلال والضوء إضافة إلى انعكاس معبر للأقراط. وتعد من أشهر أعمال الفنان على الإطلاق. كانت اللوحة في مجموعة لوحات متحف ماورتشوس في لاهاي منذ عام 1902.

لوحة «خادمة الحليب»

هي إحدى لوحات الرسام الهولندي، يوهانس فيرمير، وتظهر اللوحة خادمة الحليب، وهي امرأة تحلب الأبقار وتصنع منتجات الألبان مثل الزبدة والجبن، في غرفة عادية تسكب الحليب بعناية في وعاء خزفي على طاولة. بدأت خادمات الحليب العمل فقط في الإسطبلات قبل أن تقوم المنازل الكبيرة بتعيينهن للقيام بالأعمال المنزلية أيضًا بدلاً من توظيف المزيد من الموظفين. يوجد أيضًا على الطاولة أمام خادمة الحليب أنواع مختلفة من الخبز. إنها امرأة شابة قوية البنية ترتدي قبعة من الكتان الناعم ومئزرًا أزرقًا وأكمامًا عملية مرفوعة من الساعدين السميكين. يوجد جهاز تدفئة القدمين على الأرض خلفها. يتدفق الضوء المكثف من النافذة الموجودة على الجانب الأيسر من اللوحة.

اللوحة معروضة حاليًا في متحف ريكز بمدينة أمستردام، هولندا والتي تعتبر بلا شك أحد أفضل المعروضات بالمتحف.

 

المصادر:

- فيرمير (يوهان)، فائق دحدوح، الموسوعة العربية، المجلد 14، ص 885، دمشق.

- Johannes Vermeer, by Creative Flair , blog creative flair, March 1, 2023

https://blog.creativeflair.org/johannes-vermeer/

- Johannes Vermeer, Arthur K. Wheelock, Britannica, Mar 29, 2024

https://www.britannica.com/biography/Johannes-Vermeer

-Johannes Vermeer (1632–1675), By Walter Liedtke, The met museum, October 2003

https://www.metmuseum.org/toah/hd/verm/hd_verm.htm

- Johannes Vermeer (1632-1675), Mauritshuis, See Dec. 29, 2023

https://www.mauritshuis.nl/en/our-collection/our-masters/johannes-vermeer/


عدد القراء: 1647

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-