ليس كذبًا تمامًا: أخبار مزيفة وصحافة مضللة في التاريخ الأمريكيالباب: مراجعات

نشر بتاريخ: 2024-02-02 00:14:24

فكر - المحرر الثقافي

جيف روكين

الكتاب: "ليس كذبًا تمامًا: أخبار مزيفة وصحافة مضللة في التاريخ الأمريكي"

المؤلف: آندي تاكر

الناشر: مطبعة جامعة كولومبيا

تاريخ النشر: 29 مارس 2022

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 384 صفحة

الأخبار المضللة تنشأ في نهاية المطاف من دوافع شخصية أو أيديولوجية فاسدة، وتسعى لتغيير مزاج الرأي العام وتتسبب في صور نمطية وأحداث عنف وترسيخ العنصرية، عبر التلاعب على الحدود بين الحقيقة والتزييف.

قبل فترة طويلة من الانشغال الحالي "بالأخبار الكاذبة"، كانت الصحف الأمريكية تنشر بشكل روتيني قصصًا لم تكن دقيقة تمامًا، وبدت تلك القصص نوعًا من التلاعب بالقراء على الحدود النسبية بين الحقيقة والتزييف، وتطور ذلك التلاعب طوال 3 قرون؛ فنُشرت في صحف كبيرة أخبار مزيفة مثل نظريات المؤامرة التي حرّكتها وسائل التواصل الاجتماعي حول مسقط رأس الرئيس الأسبق باراك أوباما.

وإذ تميزت الصحافة الأمريكية المبكرة بمزيج من التقارير القوية، والنقد الحزبي، والحكايات الطويلة، والموضوعات المنمقة، وحتى الهراء، وضع الصحفيون العازمون على تحسين سمعة مهنتهم -في بداية القرن الـ20- معايير مهنية وهدفًا كبيرًا تمثل بالموضوعية. ومع ذلك، يجادل كتاب جديد بأنه أمكن صياغة الدعاية والمعلومات المضللة -سواء في المطبوعات أو في الراديو أو على التلفزيون أو عبر الإنترنت- بحيث تشبه الأخبار الحقيقية.

وفي كتابها الصادر عن مطبعة جامعة كولومبيا (2022) بعنوان "ليس كذبًا تمامًا: أخبار مزيفة وصحافة مضللة في التاريخ الأمريكي"، تستكشف الكاتبة آندي تاكر، الأستاذة بمدرسة كولومبيا للصحافة، كيف أن الممارسة الصحفية غالبًا ما تركزت على المعلومات المضللة عبر تاريخ الولايات المتحدة.

تأثير الأخبار المزيفة

وفي تقريره، الذي نشرته "كلية لندن للاقتصاد" (LSE)، يقدم الكاتب جيف روكين تحليلاً مفصلاً سيمنح القراء فهما أكبر لأصول ودور وتأثير الأخبار المزيفة في الماضي والحاضر.

ذكر الكاتب أنه في يناير/كانون الثاني 2017، ظل جزء كبير من الأمريكيين والعالم مذهولاً على إثر فوز دونالد ترامب غير المتوقع برئاسة الولايات المتحدة. فقبل يوم واحد من "المسيرة النسائية" المعارضة لترامب، اتهم السكرتير الصحفي الجديد، شون سبايسر، وسائل الإعلام السائدة بالتحيز الليبرالي اليساري، كاشفًا النقاب عن عنصر أساسي في استراتيجية البيت الأبيض؛ وهو الحملة لتشويه سمعة الصحافة الوسطية، وفق تعبير المؤلفة.

فعلى مدار فترة ولايته التي استمرت 4 أعوام؛ شرع ترامب في رفض التقارير الصحفية (التي تنتقده) باعتبارها "أخبارًا مضللة" بمتوسط أكثر من 200 مناسبة في السنة. وبدأ مفهوم "الأخبار المضللة" في إثارة الغضب في المناقشات في مختلف أنحاء البلاد. وفي الواقع؛ لا يزال حوالي نصف الأمريكيين يشككون في نزاهة التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام الرئيسية.

وتساءل الكاتب: كيف نشأت مثل هذه المنافسة القاتمة حول السرديات السياسية؟، مجيبًا بأنه من أجل فهم كيف تمحورت السياسة الأمريكية دائما حول "الأخبار المضللة"، كتبت آندي تاكر، كتابها الذي ناقشت فصوله الثلاثة الأولى عدة أمثلة للأخبار الحزبية المضللة وتأثيراتها على صعود "الجمهورية الأمريكية المبكرة التي قامت على مبدأ ثوري (آنذاك) تمثل في حرمان الحكومة من سلطة "تقويض حرية التعبير أو حرية الصحافة".

وتناقش تاكر في الكتاب أمثلة مبكرة لدور الصحافة مثل واقعة تصاعد مناوشات بالقرب من مبنى الجمارك في بوسطن عام 1770، في ظل الاحتلال البريطاني وقمعه "للمستعمرين" الأمريكيين، والتي أسفرت عن إطلاق نار ومقتل 5 "مستعمرين" أمريكيين على يد جنود بريطانيين، وبدلاً من تقديم التغطية المتوازنة عن الواقعة كحادث مؤسف ناتج عن سوء التواصل وضعف آلية اتخاذ القرار، كما تقول المؤلفة، نشرت صحيفة "بوسطن غازيت" رواية تحريضية عن المأساة ووصفت الوفيات بأنها نتيجة "مذبحة مروعة" متعمدة.

عنوان استفزازي لأغراض سياسية

وساهم التقرير الذي نشره بول ريفير بعنوان استفزازي "المذبحة الدموية في شارع الملك" والذي يصور بشكل دعائي جنود بريطانيين ينخرطون في أعمال عنف وحشية، في حفر أسطورة "مذبحة بوسطن" في قلوب وعقول الأمريكيين لأغراض سياسية وتاريخية، ما أدى لحرب دموية لـ8 سنوات بين الطرفين انتهت عام 1783.

وفي الفصل الرابع من كتابها؛ تقيس توكر فاعلية الإثارة الصحفية والأخبار المضللة خلال الحرب الإسبانية الأمريكية عام 1898، كما قدمها أحد أبرز الصحفيين وأكثرهم إثارة للجدل في ذلك العصر، ريتشارد هاردينغ ديفيس. وبصفته أحد المعجبين بمساعد وزير البحرية السابق، ثيودور روزفلت، كتب ديفيس العديد من المقالات التي تمجد الرئيس الـ26 لأمريكا لاحقًا ومآثره في قيادة مهمة "الفرسان الأقوياء" للاستيلاء على مرتفعات سان خوان في كوبا. ونتيجة لروايات ديفيس، تعززت مكانة روزفلت السياسية ليصبح حاكم ولاية نيويورك (1898)، ونائب الرئيس (1900) ورئيس الولايات المتحدة (1901) في أعقاب اغتيال سلفه وليام ماكينلي.

الصحافة والسلطة

وفي الفصل السادس من الكتاب، تشرح تاكر حالة نموذجية للتقارير الصحفية الأمريكية الزائفة في القرن الـ20.

وبعد سنوات قليلة فقط من تعزيز سلطة الاتحاد السوفياتي الذي كان لا يزال هشًّا، أطلق رئيس الوزراء السوفياتي، جوزيف ستالين، حملة جماعية زراعية استهدفت الفلاحين في أوكرانيا وكازاخستان ومناطق أخرى في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي للقضاء على أي مقاومة لنظامه الاستبدادي.

ونتيجة لعسكرة السوفيات للطعام؛ مات أكثر من مليون ونصف من الرجال والنساء والأطفال بسبب الجوع على امتداد عامين، وخاصة في كازاخستان السوفياتية؛ حيث قضت "المجاعة الكازاخية من 1930 إلى 1933" أو "ابادة غولشكين الجماعية" على ما يصل لنصف سكان البلاد من عرقية الكازاخ.

ورغم المعاناة التي لا توصف، لم ينكر مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" والتر دورانتي، الحائز على جائزة بوليتزر المرموقة، وجود المجاعة في الأراضي السوفياتية بسبب ميوله الأيديولوجية لصالح الكرملين فحسب، بل رفض أيضًا الأدلة المادية المباشرة التي قدمها صحفيون معاصرون له باعتبارها نوعًا من "الأخبار المضللة"، ورغم عرض تقارير صحفية مختلفة عن القضية، انحازت إدارة فرانكلين دي روزفلت إلى الفائز بجائزة بوليتزر، الذي ظلت أوراق اعتماده في الاتحاد السوفياتي سليمة إلى حد كبير، واعترفت إدارة روزفلت رسميًا بالاتحاد السوفياتي في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1933.

صور نمطية

ويرى الكاتب بول ريفر أن كتاب "ليس كذبًا تمامًا" يسلط الضوء على أحد أكثر العناصر إقناعًا وهي التحيز العنصري اللاذع واستخدام الصحافة المطبوعة كسلاح في معركة الحفاظ على تفوق البيض على السود من خلال الترويج للصور النمطية المضللة المهينة، مما يؤدي -في النهاية- إلى الترهيب والعنف.

وقد ساعدت الروايات المزيفة أو المشوهة لرجال سود يغتصبون نساء من البيض في تعزيز قضية الاستبعاد الاقتصادي والسياسي المستمر للأمريكيين من أصل أفريقي، وغالبًا ما أدت إلى عنف خارج نطاق القانون ضد الرجال السود في شكل عمليات إعدام جماعية مروعة.

وكشفت إيدا ويلز (1862-1931)، وهي صحفية استقصائية أمريكية من أصل أفريقي، أن روايات اغتصاب السود للبيض كانت أخبارًا مضللة وشكلت إخفاقات فظيعة للعدالة، وعبر كتاباتها في تسعينيات القرن الـ19 نالت ويلز استحسان الصحفيين لتركيزها على قضية إساءة استخدام وسائل الإعلام.

ولاقت ويلز استحسانًا أيضًا لتسليطها الضوء على سوء ترويج وسائل الإعلام للأخبار، وتلقت في المقابل إدانة من المتشددين العنصريين في الولايات الكونفدرالية الأمريكية التي كانت مؤيدة للعبودية. وبالإضافة إلى مساهماتها الكبرى في الحقوق المدنية؛ تستحق ويلز النظر إليها كنموذج يحتذى به في مكافحة الأخبار المضللة، كما تقول المؤلفة آندي تاكر.

ولفت الكاتب بول ريفر إلى أنه منذ ظهور عصر الإنترنت؛ تسببت الزيادة الهائلة في المنافذ الإخبارية المضللة، ونظريات المؤامرة، والمدونات التي تحتوي على معلومات مضللة، والاستبدال المتكرر للحقائق بروايات دعائية قائمة على أجندة سياسية؛ في إغراق عالمنا بالأخبار المزيفة على حساب حق المجتمعات في معرفة الحقيقة.

ومهّدت الصحف التي دافعت عن تفوق البيض في الجنوب الأمريكي، في مرحلة ما قبل حركة الحقوق المدنية (1896-1954)، الطريق أمام الإعدام خارج القانون للأمريكيين الأفارقة بإعلان أنهم ليسوا أشخاصًا "كاملي الأهلية". وتبنت لغة كانت في ما مضى تُعتمد في مزادات العبيد من خلال إنكار حق المواطنين السود بمناداتهم بلقب سيد وسيدة، والإشارة إليهم بدلا من ذلك بـ"الزنجي" و"الزنجية".

منذ وصول عصر الإنترنت، تسببت الزيادة الهائلة في المنافذ الإخبارية المزيفة، والتغذية التي تعزز المؤامرة، والمدونات التي تحتوي على معلومات مضللة والاستبدال المتكرر للحقائق، ووصف شبكات الأخبار والصحف الأمريكية بأنها من دعاة "الأخبار الزائفة"، أقنع ترامب الكثير من جمهور الناخبين بأن عددًا أكبر من الناس حضروا حفل تنصيبه بشكل أكثر؛ وأن انتشار وتأثيرات COVID-19 مبالغ فيها؛ وقد أدى هذا التزوير المتفشي إلى القضاء على فوزه في الانتخابات الرئاسية لعام 2020. في حين أن كل هذه الادعاءات تشكل أكاذيب لخدمة الذات، فإن نجاحه في تقويض الحقيقة بوقاحة شجع دعاة اليمين المتطرف ومنظري المؤامرة على مستوى العالم. سيكون الصحفيون والمؤرخون المحترفون مخدومين جيدًا لكشف الكذب لاكتساب فهم أكبر لأصول ودور وتأثير الأخبار المزيفة على الماضي والحاضر استعدادًا لمحاربة مستقبل لا مفر منه على ما يبدو لحرب المعلومات.

 

المصدر:

Book Review: Not Exactly Lying: Fake News and Fake Journalism in American History by Andie Tucher, by Jeff Roquen, / London School of Economics (lse) Review of Books, January 26th, 2023

https://blogs.lse.ac.uk/lsereviewofbooks/2023/01/26/book-review-not-exactly-lying-fake-news-and-fake-journalism-in-american-history-by-andie-tucher/


عدد القراء: 4002

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-