إتقان الثورة الصناعية الرابعةالباب: علوم وتكنولوجيا

نشر بتاريخ: 2016-02-15 11:01:50

فكر - المحرر الثقافي

لاري هيثواي

كبير الاقتصاديين في GAM القابضة

ترجمة: فريق مجلة فكر الثقافية

 

يثير الابتكار التقني على الدوام ردود فعل متناقضة تمامًا: الإعجاب بالاحتمالات الجديدة بالنسبة للبعض والخوف من التغيير المزعج للبعض الآخر، ولكن معظمنا حتى لا يدرك ما الذي يحصل فنحن نأخذ التغيير على أنه أمر مفروغ منه.

إن براعة الإنسان لا تحظى بالكثير من الاعتراف والتقدير، وخاصة في الأسواق المالية، فالمستثمرون يشعرون بالقلق فيما يتعلق بمخاوف باهتة: الخوف من الهبوط الحاد في الصين، وتداعيات هبوط أسعار النفط، والمخاطرة بأن تحصل صدمة ما يمكن أن تصيب الاقتصاد العالمي الهش بالركود أو الانكماش مجددًا.

بالطبع، فإن المخاوف المتعلقة بظروف الطلب العالمي هي مخاوف مشروعة ولكن آخر شيء يحتاجه الاقتصاد العالمي الآن هو تجدد الشعور بالقلق ولكن على الرغم من القلق الذي ينتابنا من الدين الزائد على الحد وعدم كفاية السياسات، فإنه لا يوجد شيء يضاهي أهمية براعة البشر في تحقيق مستويات معيشة أفضل وفرص استثمارية. إن التقنيات الجديدة تحمل لنا الوعد بثورة صناعية رابعة، وهي العنوان الرئيس لاجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.

لقد بنيت الثورة الصناعية الأولى على المحرك البخاري. لقد ساهم اختراع جيمس واط سنة 1775 في امتداد الصناعة في القرن التاسع عشر من جذورها في إنجلترا إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. أما الثورة الصناعية الثانية من الثلث الأخير من القرن العشرين وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى فلقد قامت بفضل التطورات في الكهرباء والنقل والكيماويات والحديد وخاصة الإنتاج والاستهلاك على نطاق واسع . لقد انتشر التصنيع بحيث وصل لليابان بعد أحياء إمبراطورية ميجي ولروسيا، التي كانت تعيش حالة ازدهار في بداية الحرب العالمية الأولى. لقد وصلت الثورة الصناعية الثالثة في نهاية القرن الماضي مع تصنيع وانتشار تقنية المعلومات.

إن الوعد بثورة صناعية رابعة يتألف من التقدم الذي تم إحرازه في تصنيع الإنسان الآلي وربط الأشياء مع بعضها البعض عن طريق الإنترنت والبيانات الكبيرة وتقنية الهاتف النقال والطباعة ثلاثية الأبعاد وطبقًا لإحدى التقديرات فإن التبني الناجح لتلك التقنيات الجديدة يمكن أن يعزز الإنتاجية العالمية بنفس القدر الذي حققه الكمبيوتر الشخصي والإنترنت خلال أواخر التسعينيات وبالنسبة للمستثمرين فإن الثورة الرابعة تعرض فرصًا للربح تشبه تلك التي قدمتها الثورات التي سبقتها وبالفعل فإن أصحاب التقنيات في هذا المرحلة المبكرة من الثورة الصناعية يطلبون أسعارًا كبيرة جدًّا لتقنياتهم .

إن العصور الجديدة من تصاعد الاستثمار والتقنية وأساليب المعيشية هي ليست فقط ممكنة بل محتملة، حيث تتكرر بوتيرة متزايدة، وهي نتاج البراعة البشرية، ولكن العصور الجديدة تتطلب أكثر من العلوم الأساسية أو العمل الريادي من مرآب للسيارات، فحتى تكون التقنية تحويلية يجب تطويعها للاستخدام في الحياة اليومية.

إن القول أسهل من الفعل، ففي بداية التصنيع عانى واط ماليًّا، ولم ينجح في تسويق المحرك البخاري الخاص به، حتى قام بتشكيل شراكة مع المصنع الإنجليزي ماثيو بولتون.

إن الأهم من ذلك إن التاريخ يشير بأن الحماس – من حيث الاقتصاد الكلي والأسواق- يسبق الواقع . إن المرء لا يحتاج لأن يكون "متشائمًا فيما يتعلق بالإنتاجية" (بحيث يجادل على سبيل المثال بأن المرحاض الداخلي هو آخر اختراع عظيم للإنسان)، حتى يقر بأن العديد من التقنيات الجديدة تحقق نتائج أقل من تلك الموعودة أو تكافئ المستثمرين فقط بعد أوقات تأخير طويلة.

إن من الجدير ذكره أن الطاقة البخارية المبكرة  سبقت بولتون وواط بقرن من الزمان تقريبًا أن الأمر استغرق أكثر من نصف قرن حتى تمكن اختراعهم من تجاوز الطاحونة المائية التقليدية كعماد للإنتاج الصناعي للقرن التاسع عشر. لقد اكتشف فولتا لأول مرة الخلايا الكهربائية سنة 1800، ولكن استغرق الأمر ثمانية عقود أخرى قبل تقديم التيار المباشر كوسيلة لنقل الكهرباء.

لقد تم تطوير إنياك – أول كمبيوتر إلكتروني- بشكل سري خلال الحرب العالمية الثانية. لقد نمت القدرة والاستخدام الحاسوبي أضعافًا مضاعفة خلال العقود التالية في القرن العشرين ولكن حتى في أواخر الثمانينيات كان الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد روبرت سولو يتهكم قائلاً: بأن عصر الكمبيوتر موجود في "كل مكان باستثناء إحصائيات الإنتاجية".

بالنسبة للمستثمرين فإن هذا الاعتبار يحمل تداعيات مهمة، ومن بينها الحاجة للصبر ومقاومة غراء أن ندفع أكثر مما هو مستحق في مرحلة مبكرة. إن تحديد الخاسرين (من يتذكر كمبيوترات وانج ؟) يمكن أن يكون بأهمية تحديد الرابحين.

إن من الأهمية بمكان أن نفهم كيف يمكن للتقنية أن تكون بمثابة نقطة تحول لصناعات تبدو أنها غير ذات علاقة. إن ظهور القدرة الحاسوبية مكن متاجر التجزئة الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية – وول مارت وستابليز وهوم ديبوت وغيرها- من أن تحل مكان محلات مام آند بوب وسلاسل البيع بالتجزئة في الخمسينيات والستينيات. إن القدرة الحاسوبية مع التقدم في لوجستيات النقل والتخزين والتوزيع عملت على تمكين تجارة التجزئة، لتصبح بهذا الحجم الاقتصادي الكبير الذي لا يمكن تصوره.

لكن اليوم فإن محلات التجزئة الكبرى نفسها تعاني بسبب تجارة التجزئة على الإنترنت، التي تعد باقتصادات أكبر حجمًا وفعالية لوجستية مما يعني أنها تقدم أسعار تنافسية مقارنة بأكثر عمليات المحلات التجارية فعالية.

إن البراعة مهمة ولكنها مدمرة كذلك في إعادة صياغة لكلام جوزيف شومبيتر وفي لغة اليوم، فنحن نتكلم عن "التقنيات المعطلة "ولكن يجب أن لا ينخدع المرء بالمصطلحات فالوسائل الجديدة لإنتاج الأشياء عادة ما تقتل الصناعات والوظائف القديمة قبل أن تظهر الفوائد الكاملة لنمط الإنتاج الجديد وفي نهاية المطاف فإن درجة محددة من العنف ترافق التقدم البشري.

ولهذا السبب يجتمع المديرون التنفيذيون في دافوس هذه الشهر (يناير 2016) لمناقشة كيفية "إتقان" الثورة الصناعية الرابعة، فمع كل هذه الوعود المذهلة بالتقدم التقني فإن وعودهم هي مصدر قلق ملائم.

 

المصدر


عدد القراء: 8047

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-