هل كان كارل ماركس محقاً بشأن الرأسمالية؟الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2018-10-12 02:48:12

فكر - المحرر الثقافي

فيليبي كويلهو

زعم الألماني "كارل ماركس" أن أساس الفلسفة ليس في فهم العالم بل في تحسينه، ولكن يمكن القول إن فلسفته قد غيرت العالم نحو الأسوأ، فقد اجتاح الجوع والأنظمة الديكتاتورية ومعسكرات الاعتقال 40% من الدول التي تبنت أنظمتها أفكارًا ماركسية في القرن العشرين.

 ورغم زعم "ماركس" بأن أفكاره سوف تتيح التنبؤ بالمستقبل وفهم الحاضر، إلا أن سيرته الذاتية يمكنها أن تحمل عنوان "دراسة في الفشل" حيث لم تتمكن في التنبؤ بأكبر تطور ناتج عن أفكاره وهو نهوض الفاشية، وظن خطأ ان الشيوعية سوف تتشعب في الاقتصادات المتقدمة، ولم يوجد نظام ماركسي ناجح سوى التجربة الصينية التي تحمل بصمات اشتراكية خاصة ممزوجة بالرأسمالية.

نقاط جنونية

لم يكن "ماركس" عالمًا، لكنه كان مفكرًا وكاتبًا بارعًا، فقد طور نظرية مجتمعية مدفوعة بقوى اقتصادية حددت العلاقة بين الملاك والعمال كما تحدث عن نهوض البشرية في وجه المستغلين وبناء نظام مثالي شيوعي.

وصفت شخصية "ماركس" بالقوية والعنصرية وغير المتسامحة والقريبة من الجنون بالإضافة إلى هوسه بذاته وعبقريته في الوقت نفسه، ورأى دومًا أنه على صواب وأنه اكتشف مفتاح تاريخ الفلاسفة قبله.

أصر الاقتصادي الألماني على نشر أفكاره ومعتقداته مهما كانت المعوقات، ومع فشل أفكاره في تحسين العالم، حاول أتباعه بعد وفاته توضيح نظرياته وتطبيقها بشكل مختلف ومزج أفكار شبيهة بها لتظهر "الاشتراكية العلمية" و"الماركسية اللينينة".

استمر الاهتمام بأفكار "ماركس" على مدار عقود ربما لأنها كانت أكثر ترابطًا عما كانت قبل ذلك، وعارض الرأسمالية بشكل كبير وأطلق عليها اسم "دكتاتورية البرجوازية"، فقد كان يؤمن بالصراع بين الطبقات ونهوض العمال ضد المتحكمين والملاك.

تبنت دول تابعة للاتحاد السوفيتي والصين أفكار "ماركس" وطبقت الاشتراكية في القرن العشرين كما تأثرت اتحادات عمالية حول العالم أيضًا بأفكاره.

رأى "ماركس" أن الرأسمالية تميل بشكل كبير إلى الاحتكار حيث إن الرأسماليين الناجحين يطيحون بمنافسيهم الأضعف من قطاعات الأعمال.

يقول محللون إن هذا التوصيف يبدو عقلانيًا لوصف العالم التجاري داخل منظومة العولمة والإنترنت في عصرنا الحالي، فالشركات الكبرى لا تزداد حجمًا فقط، بل إنها تلتهم شركات كثيرة أصغر منها.

يبدو ذلك جليًا عند النظر إلى هيمنة شركات تكنولوجية على أسواق بعينها مثل "جوجل" و"فيسبوك" اللتين تهيمنان على ثلثي إيرادات الإعلانات الإلكترونية في أمريكا.

بالمثل، تتحكم "أمازون دوت كوم" على 40% من سوق التجارة الإلكترونية المنتعشة في أمريكا، وفي بعض الدول، تهيمن "جوجل" على 90% من عمليات البحث.

بالعودة إلى أخطاء "ماركس"، يبدو أن نظريته بشأن الاقتصاد الاشتراكي خاطئة، ففي مثل هذه الاقتصادات، تم تسريح أعداد هائلة من العمالة من وظيفة إلى أخرى على عكس نظرائهم في الدول الرأسمالية الغنية التي ضمنت عمالتها وظائف جيدة برواتب تنافسية وامتلكوا منازل.

أخطاء بالجملة

عادت بعض أفكار "ماركس" إلى الأذهان في بعض الدول الرأسمالية نتيجة ثورة الأتمتة وعدم العدالة في توزيع الثروات، ففي بريطانيا، ارتفعت أسعار المنازل لدرجة أن المواطنين من هم دون 45 عامًا ليس لديهم أمل في شراء منزل، كما أن غالبية العمال الأمريكيين يؤكدون على عدم ادخار سوى القليل في البنوك.

أشار محللون إلى أن الكثير من أفكار "ماركس" مخطئة بشأن الرأسمالية، فقد أصبح لدى العمالة القدرة على شراء سلع وخدمات لم تكن متاحة سوى للأثرياء فقط.

أكدت تقديرات البنك الدولي على أن عدد من هم في فقر مدقع حول العالم قد تراجع من 1.85 مليار عام 1990 إلى 767 مليونًا عام 2013.

يكمن الفشل الأكبر لـ"ماركس" في تقليله من أهمية وقوة الإصلاحات حيث قلل من شأن القدرة على حل المشكلات عبر المناقشة والحلول الوسط.

أفكار ملهمة

توفي "ماركس" عام 1883 دون أن يشهد أي ثورة عمالية أو اشتراكية، لكن عام 1917، ألهمت بعض أفكاره وكلماته الروس للإطاحة بالحكومة واعتبرت أول ثورة للعمال في التاريخ.

على مدار خمسين عامًا، عاش أكثر من ثلث البشرية حول العالم تحت ظل حكومات تتبنى أفكارًا ماركسية واستخدمت بعض الأنظمة اسمه في الترويج لخططها.

في الأنظمة الماركسية، كان هناك فشل ذريع في تطبيق أفكاره وكانت العواقب الناجمة عن تبني البعض منها سيئة للغاية، ولكن "الماركسية" تشعبت في تاريخ وثقافة واقتصاد معظم الدول على كوكب الأرض.

بعد سبعة عقود من الثورة البلشفية في روسيا، انهار الاقتصاد تزامنًا مع انهيار الاتحاد السوفيتي والشيوعية عام 1989، واعتبر ذلك نهاية لـ"الماركسية" أيضًا.

دائمًا ما تقع أحداث غير متوقعة تسلط الضوء على بعض الأفكار القديمة، ففي أواخر عام 2007، حدثت الأزمة المالية العالمية، وتعرض الاقتصاد العالمي للركود.

انهارت مؤسسات مالية ومصرفية جراء هذه الأزمة وطلب البعض الآخر خطط إنقاذ مالي حكومية لتتسرب الشكوك إزاء الرأسمالية.

قال أحد المحللين إن الأزمة المالية العالمية أثارت التساؤلات والمطالبات بإعادة التدقيق في الرأسمالية، كما أن الأزمة دفعت الكثيرين لإعادة النظر في أفكار "ماركس".

قفزت مبيعات أعمال "ماركس" عن هجومه على الرأسمالية بنسبة 300% في ألمانيا عقب الأزمة، ورغم ذلك، فإن سيادة الرأسمالية على النظام الاقتصادي العالمي كانت أكبر من أن تغيرها قراءات لكتب وأفكار الكاتب الألماني.

علاوة على ذلك، لم تناقش الماركسية أو أفكارها دور المؤسسات المالية المحوري في الاقتصادات الصناعية، ورغم هذا، فإن من المستحيل احتواء أو حصار "الماركسية" تمامًا.

 

المصدر: الإيكونوميست

https://www.economist.com/node/21721916/comments?page=1


عدد القراء: 5739

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-