متحف الفن الإسلامي عبق التاريخ في قلب أوروباالباب: قصة مكان

نشر بتاريخ: 2015-11-17 12:12:51

فكر - المحرر الثقافي

يتميّز "متحف الفن الإسلامي" في برلين بتخصصه أولاً، وبكونه يعرض بشكل دائم، مجموعة من القطع النادرة والتحف الثمينة، التي تغطّي حقبة واسعة تمتد بين القرنين السابع والتاسع عشر للميلاد.

ولا يربط عشاق المتاحف في برلين، أهمية متحف الفن الإسلامي بكونه يقع قبالة بيت أبرز السياسيين الألمان، وإنما بأهميته التاريخية ومدى احتوائه على قطع تاريخية نادرة، كلها توثق لمنطقة المشرق العربي وما عاشته وحفلت به من ازدهار في أنماط الفنون والإبداعات والفكر ضمن الحضارة الإسلامية.

وكغيره من المتاحف التي تنتشر في المنطقة ذاتها، تشهد بوابات متحف الفن الإسلامي ازدحامًا كبيرًا من طلبة المدارس والجامعات وعشاق التاريخ والباحثين عن المعرفة.

أنشئ المتحف في 18 تشرين الأول/كتوبر في العام 1904، على يد مدير دائرة متاحف الإمبراطورية الألمانية وخبير الأرشيف والدراسات الشرقية فيلهلم فون بوده، الذي سعى لتأسيس المتحف الذي يقع في جزيرة قرب مدينة برلين بالتحديد في حي "دهليم" المشهور، ويطلق عليها جزيرة المتاحف نظرًا لكثرة المتاحف فيها.

ويُنسب إلى مدير عام متاحف برلين فيلهلم فون بوده في مطلع القرن الماضي، المتوفى عام 1929م، الفضل في إدخال الفن الإسلامي في أرقى معاقل الفن الأوروبية، ورد الاعتبار إلى الثقافة الإسلامية، بعرض القطع الفنية القادمة من العالم الإسلامي، في نفس مكان عرض القطع الفنية الغربية واليونانية والرومانية.

ويدير المتحف خمسة من كبار العلماء الألمان في مجال الفنون والدراسات والآثار الإسلامية المتحف.

يعد متحف الفن الإسلامي في متحف برغامون في برلين، أكبر مؤسسة فريدة من نوعها في ألمانيا، حيث يمتلك المتحف واحدة من أكبر مقتنيات الفن الإسلامي في العالم، ويضم نحو 50 ألف قطعة فنية من تراث الحضارة الإسلامية.

يكتشف زائر هذا المتحف، طيفًا واسعًا من الإنتاج الثقافي لحضارات الشرق الأوسط، بدءًا من الزخرفة المعمارية، والفنون والأعمال الرفيعة، ووصولاً إلى المجوهرات والمخطوطات النادرة في فنها وخطوطها وزخرفتها، إلى جانب قطع أخرى توثق تطور الحضارة الإسلامية في منطقة المشرق العربي وكذلك أوروبا. فالآثار المعمارية وهي التي أحد أهم المعالم المميزة للمتحف تظهر مفاهيم العمارة والفضاء المكاني للبيئة في الثقافة الإسلامية.

ويمتلك المتحف واجهة ضخمة من قصر الخلافة المعروف باسم «المشتى» من الأردن، الذي يعد واحدًا من أجمل إبداعات الفن الإسلامي التي يعود بناؤها إلى منتصف القرن الثامن. وتكمن مفاجأة هذه الواجهة في أنها كانت عبارة عن هدية شخصية من آخر السلاطين العثمانيين، السلطان عبدالحميد، للقيصر الألماني فيلهام الثاني عام 1903م. وقد شكلت هذه الهدية نواة أحد أهم متاحف الفن الإسلامي في أوروبا،.

ويبلغ عرضها 33 مترًا، بارتفاع 5 أمتار، فيما يبلغ طول واجهتها الجانبية 144 مترًا، ونقلت حينها عن طريق سكة حديد برلين ـ بغداد التاريخية. وعلى الرغم من صعوبة تصنيف بوابة قصر المشتى ضمن مرحلة تاريخية محددة، إلا أن المؤرخين يرجحون عودتها إلى العصر الأموي، وتحديدًا مرحلة حكم الخليفة الوليد الثاني، في منتصف القرن الثامن، وتحمل الواجهة مجسمات لعصافير وحيوانات برية، وأخرى أسطورية وطيور جارحة.

يقتني متحف الفن الإسلامي مكتشفات أثرية مهمة من عاصمة الخلافة الإسلامية، ضمن سامراء في العراق، التي تدلل على أهمية سامراء في التجارة العالمية في القرن التاسع، كما يحتوي المتحف على نموذج لبوابة عشتار في بابل، وتضم مجموعة من القطع الأصلية، مثل قبة مسجد مدينة قرطبة الأندلسية.

ويوجد فيه محرابان للصلاة، أحدهما من كاشان في إيران، والآخر من قونية في تركيا. وهما يعودان إلى القرن الثالث عشر، وفضلاً عن ذلك يضم المتحف غرفة استقبال تعود إلى أسرة مسيحية عاشت في مدينة حلب السورية في القرن السابع عشر، وهي منحوتة من خشب الصنوبر والسيراميك، ومزخرفة برسومات دقيقة ومتقنه، ويبلغ طول الغرفة 24 مترًا. ولها 24 بابًا خشبيًّا.

وزينت جدرانها وواجهتها الرئيسية بنقوش وزخارف شملت آيات قرآنية وأحاديث نبوية وقصائد من الشعر العربي القديم، وتنبع أهمية هذه القطعة الفنية التي وضعت في داخل غرفة زجاجية مغلقة، من كونها تمثل أقدم نموذج تم إنقاذه من الحقبة العثمانية.

وبالرغم من إغلاق المتحف في بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939، إلا أن قسمًا كبيرًا من مقتنياته، خاصة السجاد الشرقي، تعرض للحرق والتدمير بتأثير الهجمات والغارات الأمريكية والبريطانية على برلين، وقد أدى تقسيم الحلفاء لألمانيا بعد هزيمتها في هذه الحرب، إلى تقسيم المتحف أيضًا، إلى قسمين، أحدهما في برلين الغربية والثاني في برلين الشرقية. وأصبح الجزءان بعد توحدهما وهدم جدار برلين في العام 1989.

وبعد سقوط جدار برلين وقيام الوحدة الألمانية استعاد المتحف وحدته، وأعيد افتتاحه بعد تجديده في حزيران/يونيو 2001، وهو ما ارتقى به إلى مصاف المتاحف العالمية، مثل متحف اللوفر الفرنسي والمتحف البريطاني والمتحف الروسي ومتحف المتروبوليتان الأمريكي.

ويضم متحف الحضارة الإسلامية في برلين، ثروة نادرة من الأعمال والتحف الفنية المتنوعة تمثل بلدان وعصور الحضارة الإسلامي المختلفة، في الحقبة الواقعة ما بين القرنين الثامن والتاسع عشر للميلاد. وتضم المقتنيات، مصاحف نادرة كتبت بخطوط تمثل جميع مدارس الخط العربي، ومجموعة تاريخية كبيرة من السجاد الشرقي القديم، وعدة أعمال فنية عمرها مئات السنين مصنوعة من الخشب والسيراميك والمعادن.

للسجاد الشرقي مكانة رفيعة في المتحف، حيث يضم مجموعة من القطع النادرة، ويعود وجود أول هذه القطع إلى فون فوده، مؤسس قسم الفن الإسلامي في متحف برغامون في العام 1904، والذي تبرع آنذاك بـ 26 سجادة شرقية تاريخية، وعلى ضوئها أسس أول قسم للدراسات والأبحاث الخاصة بالسجاد في المتحف الذي بات اليوم يمتلك واحدة من أشهر مجموعات السجاد الشرقي في العالم.

وأغلب ما في المتحف يلفت الانتباه: سجاجيد تركية ضخمة بزخارف هندسية متكررة، وألوان زاهية يطغى عليها الأحمر، منمنمات من "كتاب الملوك" للشاعر الفردوسي أنجزت عام 1530، قناديل وأقداح وكؤوس مصنوعة من زجاج مطلي بالميناء طلاء يستعمل للخزف عادة ومزينة بحروف متداخلة، تتخللها نباتات ودوائر متقابلة، أوراق مصاحف من الرق، كتبت عليها بخطوط مختلفة آيات قرآنية، تتوزع بعضها تزويقات وزخارف ملونة، دسُوت من نحاس مطرّق ومنقوش وموّشى بالفضة وأباريق ومباخر من البرونز في هيئة طيور، صناديق وعلب حُلى من الخشب أو العاج المنقوش، أطباق وصحون من الخزف، تتكون زينتها من نباتات تحيط بطيور وحيوانات أو مشاهد من الحياة اليومية مجلس، صيد، وسيوف وخناجر من الفولاذ الموشى مقابضها مصنوعة من اليشب حجر كريم أخضر اللون.

ومن أبرز الآثار الفنية في متحف الفن الإسلامي قنديل جميل عثر عليه في سورية، ويعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر ميلادي. وهو من زجاج مطلي بالميناء، وتتكون زينته من نباتات وكلمات، يشكل بعضها اسم السلطان المملوكي ناصر الدين محمد. أما ألوانه القليلة الأحمر والأخضر والأصفر، فإنها تكاد تختفي أمام اللون الأزرق الذي يطغى عليها. وهناك أيضًا صحن كبير رسمت عليه مجموعة من الطيور والنباتات يتوسطها مشهد يمثل رجلاً يعزف على العود. وقد عثر عليه في العراق، ويعود تاريخه إلى القرن العاشر ميلادي. ولا بد من الإشارة أيضًا إلى دورق مستدير من الزجاج المطلي بالميناء عثر عليه في سورية، ويعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر ميلادي. وتختلف زينته قليلاً عما ألفناه في الآثار الإسلامية، فهي تشكل مزيجًا مثيرًا من حروف ونباتات وأشكال هندسية وطيور ومشاهد من الحياة اليومية.

ويمكن لزائر المتحف أن يستشف التأثيرات المتبادلة بين الفنون الأوروبية والإسلامية، وفيه اعتراف واضح بمآثر وأفضال الرواد الأوائل من الفنانين المسلمين على الفنون الأوروبية، قديمًا وحديثًا، ووجود متحف الفن الإسلامي في برلين أدى إلى انتشار أقسام الاستشراق والدراسات الإسلامية في الجامعات الألمانية والأوروبية.

كما رفع من وتيرة اهتمام المواطنين الألمان والأوروبيين بشكل عام بالفنون الإسلامية التي نقلت إليهم نمطًا فريدًا من الفنون تختلف في خصائصها عما ألفوه. ويعد البعض أن متحف الفنون الإسلامية في برلين، يلعب دورًا مهمًّا في تعميق حوار الحضارات، كونه يمثل قاعدة جيدة لتقوية الروابط الودية بين الغرب والعالم الإسلامي. وأيضًا في زيادة تقبل كل طرف منهما لثقافة وحضارة الطرف الآخر.

كما أنه يتيح الفرصة لزواره المسلمين لرؤية التثمين الغربي الكبير لفنونهم وحضارتهم وتقريب الفنون الإسلامية للمواطنين الألمان والغربيين. ولعل أكثر ما يميز متحف الفن الإسلامي في برلين، امتلاكه واحدة من أهم المكتبات المتخصصة في علوم الفن والعمارة والآثار الإسلامية، كما يعمل فيه 5 باحثين دائمين.

لا يقتصر متحف الفن الإسلامي في برلين على أعمال حفظ المقتنيات فقط، وإنما يقوم أيضًا بأعمال الترميم والبحث والدراسة للذاكرة الثقافية للمجتمعات الإسلامية والتواصل معها، التي تتناول في مجملها الحضارة الإسلامية الواقعة بين حوض البحر المتوسط والمحيط الهادي. وتشمل منتجاتها الثقافية والفنية، بدءًا من أواخر العصر القديم وحتى العصور الحديثة، ويقوم المتحف أيضًا، وبشكل دوري، بإقامة مجموعة من ورش العمل التي ينظمها في مجالات الحفظ والترميم، وهي تحظى بسمعة دولية جيدة.

ويزور المتحف حوالي 330 ألف زائر سنويًّا 60% منهم من القادمين من خارج ألمانيا خاصة من السياح العرب.


عدد القراء: 11266

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-